بدأ رئيس الحكومة الجديدة مهامه بعد مخاض عسيـر شهدته مراحل " الحوار الوطني " الذي تواصل بنسق متقطع وسط أجواء متشنّجة ، وفي ظل الاحتـقان الشعـبي المتزايد ، وأزمة الثقة بين مخـتـلف الفـرقاء السياسيين …
والواقع فان ما رافق ذلك المسلسل المملّ - الذي امتدّ على مدى شهور عديدة - بين تجاذبات وأزمات ، تـلـتها توافقات مفاجئة بعد التدخل الخارجي المفضوح سواء عقب اللقاءات بين الشيخين في باريس ، أو عقب السباق المراطوني للسفارات الأجنبية في تونس من طرف بعض قادة الأحزاب ، فضلا عن المناورات ومحاولات شد الأعصاب عن طريق المقايضة الأمنية خلال الاعـتـداءات الإرهابية المتكـرّرة بين الأزمات ...
كل ذلك كان على ما يبدو أسلوبا ممنهجا ، وترتيـبا مدروسا يمهّد لعــودة المنقــذيـن القــدامى ..
وممّا زاد الأمر سوءا - في ظل واقع الثورة المضادة المتـنامي - ارتفاع منسوب الغـرور لدى حكومة الأغـلبـية في المجلس التأسيسي ، التي اتجهت بكل غـبـاوة وانتهازية إلى الاستـفــراد بالسلطة معـتبـرة بقـية الفرقاء في مرتبة الأعداء وليس مجـرّد خصوم كانوا لهم في سابق الأيام رفاق يستعـيـنون بهم في مواجهة الطاغـية ...
وقد كان تسميم الأجواء من جانب قوى الثورة المضادة ، والمماطلة والإقصاء من طرف الحكومة من أهم الأسباب التي أدت إلى الفشل والإحباط واليأس والسلبـية واللامبالاة وانعدام الثـقة لدى قطاعات واسعة من الشعب ، التي كانت تساق عـنـوة للوصول الى لحظة الشك التي تـبـدأ بالمقارنة بين عهدين ، ثم تـنـتـهي بالاخـتـيار .. عهد ما قـبـل الثورة حيث " الأمن والاستقـرار واللحم المتاح ، والقـفة المملوءة ، ونظافة الشوارع والطرقات المعـبّدة .. !! " ، وعهد ما بعد الثورة حيث " التكـفـيـر والعـنف وانعدام الأمن والاغـتيالات ، وقلة ذات اليد ، وارتفاع الأسعار وانتشار الأوبئة وتراكم الأوساخ وتفشي الفساد والسّرقات وعجـز المواطن عن توفـيـر أبسط الضروريات ..."...
لا مجال للمقارنة إذن .. والحل واضح ، وكذلك الاخـتـيار : البـورقيـبـية هي الحل .. !!.
لكن من هم البورقـيـبـيـون الجدد في هذا الزمان ؟
انهم بلا شك التـجـمّـعــيـون القدامى .. !!
( نشرية القدس العدد 122 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق