بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 10 أغسطس 2014

المعقـول واللاّمعقـول ..



المعقـول واللاّمعقـول ..

حينما بدأ العدوان الصهيوني الهمجي على غزة بداية شهر جويليا 2014 ، كان منتظرا أن تتخذ كل الانظمة العربية مواقف سلبية مثلما ما هو معـتاد .. لتكون مواقفها تلك تعـبيـرا صادقا عن طبيعـتها الاقليمية المتعـفـنة ، وتأكيدا عن خيانتها للقضايا القومية ودماء الشهداء الذين ماتوا في سبيل تحرير فلسطين منذ الحملات الصليبية الى الآن .. واظهارا للاستكانة والخضوع لأعداء الأمة من حلفاء الصهاينة في العواصم الغربية وهم لا يجدون حرجا في جعل المعتدي الذي يمتلك جيشا جرارا مدججا بكل أنواع الاسلحة الحديثة : ضحية ، والشعب الأعـزل الذي يتعرض للابادة الجماعية : ارهابيا .. والواقع فان الانظمة الـعـربية بسكوتها عن جرائم العدو تكون منحازة الى صفه لأن في صمتها  تعـبـيـر ضمني للعدو الغادر بأن ما يفعله لا يحرّك لها ساكنا ، ولا يستوجب تصرفا أو قرارا على أساس عدوانيته ، فلا يتطلب أي نوع من أنواع الاحتجاج الفعالة : لا سخطا ولا مقاطعة ولا مساءلة للدول الداعمة ولا استدعاء للسفراء في الدول الغـربية ، ولا دعما للمقاومة ، ولامحاصرة للعدو بكل الأشكال الممكنة في مجلس الأمن ، ولا شكاوي في المحاكم المعدة لجرائم الحرب .. كل ذلك غير وارد وغير مطروح .. لأن الأنظمة ليست في مستوى المسؤولية الوطنية والقومية حتى وان كانت منتخبة كما هو الحال في تونس ومصر .. فالمسألة لم تعد قائمة على شرعية الحكم كما كنا نسمع سابقا .. بل هي خاضعة بالأساس الى وجهة النظر القائلة بأن فاقد الشئ لا يعطيه ..
واذا كان كل ذلك مفهوما ومقبولا ، فان ردود الفعل المحتشمة للقوى الاقليمية على امتداد الوطن العربي من أحزاب ليبرالية ، ويسارية ، وأحزاب تقليدية متعدّدة الاسماء وغير مختلفة الهوية ، تبدو مفهومة ومعقولة ايضا .. لانها تتصرف في الواقع على اساس نفس القاعدة التي تحكم مواقف الأنظمة الاقليمية ، التي تعـتبـر أن قضية فلسطين هي قضية خاصة بشعب فلسطين ، فلا يجوز التدخل في شؤون الفلسطينيين ، وان شعب فلسطين عليه أن يقرر مصيره بنفسه .. أما اذا كان غير قادر على استرداد حقوقه بحكم ظروفه الصعبة وضعفه وتشرده ، أو بسبب الحصار المضروب عليه ، أو بسبب قوة العدو ، أو لكل تك الاسباب مجتمعة  ، فما عليه الا ان يقبل بالأمر الواقع ، ويعـتـرف بالعدو  لتنتهي  معاناته .. !!  كل هذه الاحزاب تتصرف على اساس تلك الخلفية الاقليمية .. وهم في أحسن الحالات يتعاطفون مع الفلسطينيين من منطلق انساني .. وبالتالي فان أقصى ما يستطيعون فعله هو ما يمكن أن يفعله أي انسان في العالم من دعم ومساندة  .. لذلك هم حينما يصلون  الى السلطة يتحوّلون الى حكام صامتين مستسلمين لا حول ولا قوة لهم مثل غيرهم .. !!
ألم نر ذلك من  الحكومات المنـتخـبـة  في تونس ومصر ، وهي التي جاءت بعد تغيير ثوري أطاح بالحكام الذين كانوا يوصفون بأنهم  جبناء وعملاء .. !! فماذا نسمي تلك الحكومات الحالية اذن ؟؟    
ان المسألة بالتأكيد ليست مسألة جبن أو شجاعة ، بل هي مسألة منطلقات فكرية ، ومبدأ ، وعقيدة نضالية تقوم بالاساس على الاعتقاد بأن فلسطين جزء لا يتجزء من الوطن العربي ، وأن ما يتعرض له شعب فلسطين منذ بداية الاحتلال الى الآن هو عدوان على الامة العربية بأكملها ، وان مسؤولية رد العدوان بما هو ممكن في أي مكان ، وبالنسبة لأي مواطن عربي هي مسؤولية قومية أولا وأخيرا ..    وحتى ردود الفعل المحتشمة لقوى الاسلام السياسي بدت معقولة ايضا الى ابعد الحدود ، بعد ان انكشفت طبيعـتها الرجعـية والاقليمية ونواياها الفئوية الضيقة االتي تتصرف على أساسها ، فتجعلها مستعدة لأن تفعل أكثر مما تفعله الشياطين من أجل تحقيق أغراضها .. وهو ما صرنا نعيشه مع الجزء المتطرف منها الذي أدخل الأمة في دوامة من العنف الوحشي وهو يجرها الى معارك طاحنة ، بدت فلسطبن في المدة الأخيرة في أمس الحاجة اليها .. وهي بلا شك معارك مغلوطة أخذت الأمة بعيدا  كل البعد عن قضاياها المصيرية .. مستنزفة ما لديها من طاقات مادية وبشرية بما تثيره من فوضى ودمار في كل مكان .. في حين بقي الجزء الآخر غير بعـيد  بطبيعـته ومواقفه الرجعـية عن أي نظام اقليمي في الوطن العربي .. مثلما كان يتصرف الاخوان المسلمون في كل من تونس ومصر  ، وهم يقفون حيث ما يقف  أي نظام عربي ، ويتصرفون مثلما يتصرف هذا النظام أو ذاك ، سواء في العلاقات الخارجية حيث االاصطفاف وراء أكبر الأنظمة الرجعـية المرتبطة  بالاستعمار والصهيونية ، كما ظهر بوضوح  في مواقفهم  مما جرى في ليبيا وسوريا  .. أو في مواجهة المشاكل الداخلية بالمماطلة ، والمحاباة ، وتقديم ذوي القربى .. فضلا عن  رضوخهم التام للارادة الخارجية في مهادنة  قوى الثورة المضادة  .. أما عن قضية فلسطين التي يتظاهرون بمساندتها خلال العدوان على غزة فهم أول من خانها حينما وقف نواب الاخوان في تونس سدّا منيعا داخل المجلس التأسيسي أمام التصويت على الفصل 127 الذي ينص على تجريم التطبيع مع العدو ، حتى أسقطوه .. !!  وحتى مبادرة النظام المصري الحالية التي ينتقدونها ، ودوره في الوساطة ، فانها في الواقع لا تختلف كثيرا عن مبادرة مرسي  ودوره خلال عدوان 2012 ..
كل ذلك  يبدو واضحا ومعقولا بالنظر الى طبيعة القوى ، وخلفياتها ومصالحها .. غير أن الأمر الغريب فعلا هو وقوف كثير من الشخصيات المعـروفة بهويتها القومية ، على نفس المسافة من إعلام مبارك وإعلام السادات مردّدين ما يقوله السيسي بأن دور مصر في هذه المرحلة يقف عند المحافظة على أمنها الداخلي ..!!  
 ( نشرية القدس العدد 136 ) .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق