مائة
يوم من الضحك على الذقون .. !!
الضحك على الذقون ، مثل عربي في صياغة معبرة ، تفيد
السخرية من الناس باعتبار أن أصحاب الذقون هم تحديدا تلك الفئة من البالغين ،
العقلاء ، الذين يمكن لأي جهة ان تخدع جزءا منهم ، لكن يستحيل عليها أن تخدعهم
جميعا ..
هذا المثل ينطبق تماما على الحكومة الجديدة المنتخبة في تونس .. التي
لا يزال مسؤولوها يبالغون في التسويف وتقديم الوعود الزائفة ، دون برنامج واضح ،
وخطط مدروسة لمواجهة الواقع المعقد الذي أصبح يتفاقم باستمرار ، ويزداد تدهورا ، وإنذارا
بالخطر ، في ظل تصاعد البطالة ، والفساد ، وتنامي ظاهرة الإرهاب الذي بات يستغل كل
هذه الأوضاع للتغرير بالناس وجرّهم إما إلى الانخراط الفعلي في العمليات الإرهابية
، أو الى التعاون اللوجستي مع الإرهابيين .. وفي المقابل فان إدانة التحركات
الشعبية والاحتجاجات المتصاعدة ، والتشكي من قلة الإمكانيات وكثرة الطلبات ، يتنافى
مع الخطاب الذي كان يتحدث أثناء الحملات الانتخابية عن الكفاءات والمشاريع والاستثمارات
الضخمة ، والحلول العاجلة ..
والواقع أن التمادي في هذا النهج قد ينجح في خداع فئة
محدودة من الناس ، ولفترة محدودة ايضا من الزمن ، أما أن يخدع شعبا بأكمله فهذا مستحيل أن يحدث ..
وهو ما يجعل التمادي فيه بعد انقضاء مهلة المائة يوم التي طلبتها الحكومة ، دليلا
على إفلاسها ، وعدم قدرتها على ايجاد الحلول الجدية والملموسة التي تطمئن الناس ،
وتعطيهم بصيصا من الأمل لمواجهة المستقبل ..
هو مأزق فعلا ، يُظهر ـ بما فيه
الكفاية ـ بوادر الفشل في الوفاء بكل الوعود التي أطلقتها
الأحزاب الحاكمة وهي تتسابق الى الحكم قبل الانتخابات ، جعلها تتخبط ـ من حين الى
آخر ـ في الرّد على الاحتجاجت الشعبية بين
الحنين الى الأساليب الردعية القديمة ،
والمنطق الجديد الذي فرضته الثورة باعتبارها مرجعية عليا في التأكيد على حق الناس
في الحرية والشغل والكرامة الانسانية ..
ولعل مازاد في اظهار العجز لدى الحكومة وأحزابها الحاكمة
، هو سياسة الهروب الى الأمام ، من خلال تهرب الدولة من مسؤولياتها في تنمية
الثروة ، وحمايتها من اللصوصية والنهب المتواصل ، ومحاربة الفساد ، مع الرجوع الى
السياسات القديمة المعتمدة كليا على الاقتراض الخارجي المشروط ، وبيع المنشآت
العامة ، والتحالف المشبوه مع الدول الاستعمارية الكبرى ، وتجاهلها التام لملفات
الفساد ، والمال المنهوب ، وسكوتها المتواصل والمريب عن الصفقات المتعلقة بالثروات
الطبيعية التي لا تحصل منها الدولة الا على نسب ضعيفة قد لا تصل أحيانا في بعض
المجالات الى نسبة 20 % على أقصى تقدير من
العائدات ، والبقية تذهب الى جيوب اصحاب الشركات والوكلاء والسماسرة المحليين ..
انقضت اذن مائة يوم من العجز والفشل في ظل غياب الحلول التنموية ، والخطط
المستقبلية لتجاوز المشاكل العالقة ، والحد
من الفساد وغلاء الاسعار .. وباتت الحكومة اسيرة للحلول التي تزيد في ارتهان
البلاد للقوى الاستعمارية ، على غرار مشاريع الشراكة مع الولايات المتحدة التي
ستزيد في ارتباط تونس وخضوعها أكثر لسياساتها المعادية للقضايا العربية ، وستمنحها
صلاحيات أوسع لاستعمال أراضيها ، ومجالاتها الجوية ، ومياهها الاقليمية ، باسم
التعاون العسكري وتبادل الخبرات ، والمناورات المشتركة ، ومكافحة الارهاب ، وهي
تقريبا نفس السياسات ، والخيارات الفاشلة التي كانت تنتهجها تونس قبل الثورة ... وكأنك يا أبو
زيد ما غزيت .. ( نشرية القدس العدد 176 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق