25 أيار : الذكرى والعبرة
..
مع موعد كل ذكرى للحدث التاريخي الذي وقع بتاريخ 25 أيار
/ ماي سنة 2000 ، يتكرر الجدل وتتكرر التصريحات والسجال بين القادة العسكريين
والسياسيين داخل دولة الاحتلال الصهيوني حول جدوى الانسحاب من جنوب لبنان .. فهذا
المجرم الصهيوني ايهود باراك يصف الانسحاب سنة 2011 في ندوة عقدها معهد الأمن القومي في تل
أبيب يقول مبررا عملية الانسحاب : »
الانسحاب من لبنان وضع حدا لمأساة إسرائيلية دامت 18 عاما ودفعنا
فيها ثمنا باهظا بأرواح خيرة أبنائنا ، ومن لا يدرك ذلك عليه أن يسافر إلى الشمال
ويرى كيف يعيش سكانها في السنوات الأخيرة بمنتهى الهدوء والاطمئنان «.. ثم يعود ليقول بعد
أربع سنوات أخرى ، أي بعد 15 عاما من الانسحاب : »
انه قرار قطع المأساة التي استمرت 18 عاماً وكلفتنا أكثر
من ألف جندي قتيل ، إنها مأساة « ..
كما عبر وزير
الحرب الصهيوني الاسبق موشيه أرينز لصحيفة " هآريتس " عن الانطباع الذي
أعطاه الانسحاب للجيش الصهيوني كجيش مهزوم حين قال : »
إن الصورة التي عكسها الانسحاب ، صورة إسرائيل مرغمة على
الانسحاب تحت الضغط كانت لها عواقب شبه فورية. وأياً كانت قوة الردع
الإسرائيلية آنذاك ، فقد خسرتها وتحتم عليها ترميمها بكلفة طائلة « ..
هذه نماذج من تصريحات أكبر قادة العدو حول
دوافع الانسحاب من جنوب لبنان ونتائجه ، الذي أثار العديد من التساؤلات حول شكل الانسحاب
من طرف واحد ، دون مفاوضات ، وبلا شروط ..
غير أن المتتبع لما تعرض له العدو في تلك الفترة من خسائر لم يعد قادرا على
اخفائها بعدما امتلكت المقاومة المقدرة على تصويرها وبثها للعالم ، ليعرف حجم الضربات
الموجعة التي جعلته ينسحب مهرولا بتلك السهولة ، وبتلك الصورة الذليلة تاركا
الجنوب الى الأبد بعد أن أصبح عصيا عليه ،
وهو ما تأكد فعلا في عدوانه سنة 2006 الذي سعى من خلاله لتغيير المعادلات على
الارض بدعم حلفائه من العملاء ، الا ان تكبيد قواته الخسائر الفادحة عن طريق شبكة
الانفاق التي أعدتها المقاومة ، والمباغتة السريعة والفعالة للجنود على الارض ، جعل الهجومات
الجوية بكل ما تحدثه من دمار ، بلا فائدة ، مما أجبر تلك القوات على الانسحاب مرة
اخرى لتزيد في ترسيخ تلك الصورة العالقة
في أذهان الناس حول الجيش الصهيوني المهزوم ..
هكذا يعد انسحاب قوات العدو في 25 ايار ،
نصرا حقيقيا ليس للمقاومة أو للبنان فحسب ، بل هو نصر قومي واستراتيجي
للامة العربية جمعاء ، باعتبار ما يقدمه من تأكيد على صحة نهج المقاومة وخياراتها
الناجعة ، في تحقيق النصر على العدو وتحرير الأرض دون مساومة او تنازل أو تفاوض
معه تصديقا لتلك المقولة العلمية الخالدة : ما أخذ بالقوّة لا يرد بغير القوة ..
وهو ما يفضح أيضا ، نهج الاستسلام الذي انتهجته الانظمة الرجعية منذ كامب ديفد الى
الآن ، بكل ما افرزه من انهيارعربي قاد الامة الى كل المآسي التي عرفتها بدءا
بالمفاوضات والصلح مع العدو في أوسلو ومدريد وواد عربة .. وصولا الى الاستسلام
الكامل للولايات المتحدة الامريكية التي أصبح بيدها كل أوراق اللعبة ، فضلا عن
القواعد العسكرية المنتشرة في دول الخليج ، التي تتحكم من خلالها في منابع النفط ، وهو
ما شجعها أكثر على اتباع سياسة الاحتواء والتهديد ، فكان احتلالها للعراق سنة 2003 ، وتأجيجها
للصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية على أوسع نظاق ، من خلال الايادي الخفية
التي تدسها هنا وهناك للعبث بالامن القومي .. ولعل من هذه الزاوية بالذات ، تتأكد أهمية
انتصار 25 ايار في ابراز أولوية المعارك التي يجب أن تخوضها الامة ضد أعدائها ، من
خلال توجيه بوصلة الصراع دائما الى العدو
الصهيوني وحلفائه من حكومات النفط والاجانب
..
( نشرية القدس العدد 177 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق