نصر أكتوبر المجيد ..
عاشت الامة
العربية مجدا حقيقيا ، وشموخا وكبرياء خلال حرب السويس وما رافقها من نخوة واعتزاز
بالمواقف الوطنية والقومية الصامدة لثورة يوليو ، رغم العدوان العسكري الهمجي
لثلاث دول معتدية ، ورغم الخسائر التي لحقت بمصر وشعبها خلال تصديه للعدوان ..
كما عاشت الامة
العربية اياما ملؤها العزة والكبرياء والنخوة العربية اثناء قيام الوحدة العربية
الاولى بين مصر وسوريا ، حيث بلغ الشعور القومي أوج انتشاره بين المحيط والخليج ، معبرا عن نفسه بكل تلقائية في تلك اللقاءات
الجماهيرية الجارفة التي جمعت الرئيس جمال عبد الناصر بجماهير الامة العربية حيثما
التقى بها على امتداد الوطن الكبير .. وقد كان هذا الشعور الفياض شعورا صادقا فعلا
، حينما عبر عن نفسه مرة أخرى يومي 9 و 10 يوينو 67 بعد الهزيمة ، عندما خرجت تلك
الامواج الهادرة في مصر والعواصم العربية
منادية بتراجع قائدها عن التنحي ، رغم الهزيمة العسكرية المرة .. وهو ما حدث فعلا ، محملا زعيم الامة مسؤوليات أكبر جسامة وأكثر خطورة ،
وهو العائد بارادة شعبية جارفة في ظروف فقدت فيها مصر أغلب وسائلها الهجومية ، الى
جانب اراضيها وأراضي أثلاث دول عربية أخرى هي فلسطين والاردن وسوريا .. وهكذا كانت
جسامة المسؤولية تقتضي البداية مبكرا في الاعداد للحرب .. لكن بعقلية واساليب
جديدة ، ومسؤولين آخرين .. وهو ما حدث فعلا حين بدأ الزعيم مشواره الجديد بالتطهير
الشامل لمراكز القوى في الجيش والدولة ، ثم باعادة التسليح ورسم الخطط المستقبلية ، متبعا سياسة عربية تقوم على التضامن
ووحدة الصف .. وهكذا تمكنت مصر في مدة وجيزة من اعادة الثقة والتوازن النفسي لجيش
وشعب وأمة بأكملها من خلال خوضها لحرب الاستنزاف ..
الا ان الاقدار كانت لها أحكامها ومشيئتها .. فلم تمهل
القائد حتى يستكمل مشواره في تحقيق النصر الذي هيأ له كل اسباب النجاح .. وكان
الرحيل يوم 28 يوليو في ذكرى الانفصال تحديدا .. وبقيت الجماهير في مصر والامة العربية تنتظر ثلاث
سنوات ، حتى قامت حرب اكتوبر بنفس الاسلوب
المباغت الذي استعمله العدو ، وهي تفتح جبهتين
ملتهبتين من الشرق والغرب ،، فكان العبور في 6 أكتوبر 1973 ، علامة
فارقة في تاريخ العرب الحديث ، تؤكد أن النصر له شروط واسباب لا بد ان تتوفر ،
وأولها الارادة والعزيمة والتخطيط المحكم الذي يقود الى الهدف .. وهو
ما حدث فعلا لولا الانحراف الذي حوّل ذلك
النصر الى هزيمة حقيقية ، بعد الخضوع المجاني
للعدو ..
( نشرية القدس 196 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق