بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 أكتوبر 2015

كأنك يا أبو زيد ما غزيت .. !!

كأنك يا أبو زيد ما غزيت .. !!

لقد عاشت تونس اكثر من خمسين عام في ظل  الاستبداد الذي أخذ صبغة دستورية  بعد صدور  قرار الرئاسة مدى الحياة سنة 1974 ، كاحسن تعبير عن الحكم المطلق للفرد والحزب في نفس الوقت ، محولا كل المؤسسات الدستورية الى آداة لخدمة النزعات الفردية ، لاغيا اي دور للمجتمع والشعب ، الذي أصبح دوره  مقتصرا على التصفيق ، والنفاق ، والتزلف بشتى الطرق لاسترضاء الحاكم وحاشيته وعيونه المنتشرة في كل مكان .. وهكذا بدأت مسيرة البحث عن مآثر الرئيس من قبل الانتهازيين والمنافقين في مجالات السياسة والاعلام والفن والادب حتى صار الزعيم  والمجاهد الأكبر ، والمفكر والمقرر الاوحد في كل المجالات ، والحاضر الاول في كل المناسبات ، وهو ما أدى في النهاية الى الغاء أي دور للانسان والمجتمع في آن واحد .. !! وتلك هي الارضية الخصبة والحاضنة السياسية والاجتماعية التي نما فيها نظام بن على ، الذي لم يجد صعوبة في تحقيق اغراضه وهو القادم الى السلطة طمعا في منافعها ، وهوأيضا  ابن تلك البيئة الفاسدة التي تعج بالصراعات على النفوذ والمصالح بين المتآمرين .. وهو كذلك بن ذلك الحزب الذي تربى فيه كل المتسلقين والوصوليين الذين لم يشغلوا انفسهم كثيرا بحيثيات الانقلاب الابيض على قائدهم الاوحد ، وسرعان ما غيروا جلودهم كما تفعل الحشرات والزاحف وانتقلوا يهللون بالرئيس الجديد : " الله وحد الله وحد بن علي ما كيفو حد " .. وفي مثل هذه الظروف والملابسات ، لم يجد الرئيس الجديد صعوبة في استرضاء الشعب الذي بات يحلم بأي تغيير تحمله الأقدار ، بعد انسداد الافق أمامه ، وفشل كل محاولات التغيير ، سواء العسكرية ، او الشعبية التي كانت كل نهاياتها دموية  ..   
وهكذا دخلت تونس في تجربة جديدة مع الاستبداد .. حتى جاءت ثورة الشعب بالامل .. ثم بالانتخابات .. وعاد جهابذة المال والاعمال الى المربع الاول من الباب الكبير ،  يحققون بالديمقراطية ما لم يستطيعوا تحقيقه بواسطة الاستبداد  .. بل اصبحت الديمقراطية تعني التوزيع العادل للنفوذ والنهب والاستغلال بين صفوفهم بعد ان كان ذلك مقتصرا على الأقربين وحدهم  في نظام المخلوع .. وصدق من قال :  كأنك يا أبو زيد ما غزيت .. !!


 ( نشرية القدس 199 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق