الشر برّة وبعيد ...
بعض الامثال الشعبية لها
مدلول عميق وتغني أحيانا عن أي توضيح ، وفي بعض الاحيان يجد الانسان تعبيرا بليغا
عن فكرة أو موقف مختزل في كلمتين من كلمات الامثال الشعبية المتداولة ، وهكذا
تقريبا يمكن أن نعبر عن الوضع في تونس من خلال العديد من الأمثال والحكم التي تقفز
الى الذهن سواء بالعامية أو بالفصحى ومنها
على سبيل المثال في جانب الحديث عن مرور سنة من الانتخابات الاخيرة الرئاسية
والنيابية المثل القائل : " كراع البهيم ما تجيش منها زمارة " ،
و" فاقد الشئ لا يعطيه " ، والمدلول واضح في هذين المثلين والمقصود
بالتحديد عدد كبير من المسؤولين الحاليين الذين اتت بهم الانتخابات بطرق غير نزيهة
، لعب فيها المال السياسي الملوّث دورا كبيرا ، ليتولوا بدورهم ، جلب مسؤولين آخرين على خلفية
المحاصصة واقتسام المواقع و الأدوار والمصالح ، باسم التوافق أحيانا ، والمصالحة
احيانا اخرى .. وفي مثل هذه الظروف جميعا عادت الى المشهد تلك الوجوه القديمة
الكالحة بداية برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والعديد من المسؤولين الذين ارتبطوا
بالسياسات الفاشلة للانظمة السابقة التي كرست الخيارات الليبرالية اللاشعبية
المتوحشة والتي كانت سببا في قيام الثورة سنة 2011 ..
كما نجد في مجال الوضع
الامني والوضع الاقتصادي المثل القائل " العزوزة هازها الواد وتقول العام
صابة " حيث نسمع الكثيرمن الحديث عن الجهود المبذولة في محاربة الارهاب قي الداخل من خلال الحلول الأمنية الصرفة ، في حين
يبدو ان التهديد الخارجي أكثر رعبا وخطورة اذا نظرنا الى تتمركز الجماعات الارهابية في على مقربة من الحدود ، وهي تقوم بتدريب عناصرها على شتى انواع الاسلحة بما فيها الثقيلة كالمدرعات والطائرات بعد أن غنمت ترسانة لا يستهان بها
من المعدات العسكرية في المواقع التي سيطرت عليها .. وهي القادرة أيضا على تجميع الارهابين من كل صوب وحدب
في وقت قياسي على غرار ما وقع في سوريا ، وخاصة بعد الفشل الذي يلقونه هناك والذي
يمكن ان يدفعهم لتغيير مواقعهم وأهدافهم
بالقدوم الى ليبيا للهجوم غربا .. ومما يزيد الطين بلة ، في الداخل هو عجز الحكومة
والمسؤولين في الدولة على محاربة عصابات التهريب التي تغذي الارهابيين ، بل على
العكس من ذلك نجد الاحزاب الحاكمة تعمل على سن التشريعات الجديدة التي تساهم في
تبيض الاموال وتشجع اللصوص على المزيد من الفساد باعفائهم من المحاسبة عن الجرم الذي اقترفوه
سابقا ..
قد لا يساعنا في
مثل هذا الوضع الا أن نردّد مقولة العاجزين المتفائلين : " الشر برّة وبعيد
.. "
( نشرية القدس 198 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق