في
ذكرى الانفصال والغياب ..
في مثل هذا اليوم
، الثامن والعشرين من شهر ايلول ، عاشت الامة العربية حدثين مأساويين ، غيرا من مجرى تاريخها الى الاسوأ بشهادة
الوقائع والتاريخ ، الذي انقلب فيه كل شئ ـ بعد ذلك ـ رأسا على عقب ..
الحدث الاول كان في ذلك اليوم من سنة 1961 ،
وتمثل في حدوث الانفصال بين القطر الشمالي والقطر الجنوبي للجمهورية العربية
المتحدة ، الاقليم القاعدة ، ونواة دولة الوحدة التي بنى عليها أبناء الامة
الصادقين آمالهم في التحرر والوحدة والتقدم للوصول بها الى صفوف الدول الكبرى ،
حيث شهدت الامة العربية في تلك الفترة
تصاعد وتيرة المقاومة في جميع المجالات ، بفضل الدور الريادي الذي لعبته مصر
الناصرية ، فكانت هناك شواهد عديدة تشهد على الانجازات التي حققتها الثورة في
ميادين التصنيع والتحديث ومقاومة الفساد السياسي الذي تمارسه العائلة المالكة والاحزاب
الرجعية الملتفة حولها من العائلات الاقطاعية ، ومقامة الأحلاف الخارجية والمد
الاستعماري الساعي للالتفاف على ثروات الأمة والسيطر على مقدراتها وغيرها .. وفي
الواقع لم يكن دور مصر متوقفا على
الشعارات وحدها ، بل كان جزءا هاما
من افكارها ومبادئها يجري انجازه في الواقع على جميع الجبهات ، فكان وقوفها الى جانب حركات التحرر ، وعلى راسها المقاومة العربية في
فلسطين وفي الجزائر وتونس واليمن ، الى جانب المساهمة عمليا في تكريس سياسة
الاستقلال والحياد الايجابي حيث كان لمصر دورا أساسيا في بناء منظمة عدم الانحياز
، ثم في افشال سياسات الاستعمار الجديد في بناء احلاف جديدة مثل حلف بغداد ،
وهزيمة الدول الاستعمارية التقليدية في معركة السويس التي تم بفضلها استرجاع شركة
القنال .. وقد زادت السياسة الاجتماعية للثورة في مجالات التعليم والصحة والتغطية
الاجتماعية وحقوق العمال والفلاحين واتخاذ اجراءات التاميم ومقاومة الفساد جنبا
الى جنب مع الخطاب الوحدوي الشامل المدافع عن الامة ، زاد ذلك في تاطير الحاضنة الشعبية للثورة ، لتكون ثورة
قومية عارمة ، كانت وحدة 1958 ثمرة حقيقية من ثمارها ..
وهكذا كان
حدث الانفصال بداية لمرحلة جديدة من الانهيار العربي ساهمت القوى الرجعية في
الداخل والخارج في فرضه على مصر التي كانت تقاوم نيابة عن الامة بامكانياتها
الاقليمية ، فكانت هزيمة 1967 لأربع دول دخلت الحرب ـ بإشكال متفاوتة ـ هي مصر وسوريا والاردن والعراق ، خير دليل على
فشل الدولة الاقليمية واجهزتها في تحقيق النصر ..
ورغم ان مصر قد
استطاعت اعادة توازنها في ظرف قياسي لتتهيأ من جديد للدخول في معركة الكرامة التي
تنتظرها الجماهير العربية في كل مكان ، الا ان هذه الاخيرة فوجئت يوم الثامن من
ايلول /
سبتمبر 1970 برحيل قائدها وغيابه عن مسرح الاحداث التي كان يخوضها
ببسالة دفاعا عن فلسطين والمقامة التي تعرضت في تلك الفترة ، للمؤامرة الرجعية في
احداث ايلول بالاردن ، وصولا الى تصفيتها
، فكان وقوف عبد الناصر طوال شهر سبتمبر الى جانب المقاومة ، والى آخر لحظة وهو
يودع الوفود المشاركة في القمة المنعقدة لهذا الغرض قبل رحيله ، خير خاتمة بالفعل
لحياته التي بدأها مدافعا عن فلسطين في معارك الفلوجة سنة 1948، لينهيها مدافعا عن
مقاومتها الشريفة سنة 1970 ..
( نشرية القدس عدد 195 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق