الحرية أولا ..
الحرية
اولا ، لان الحرية مقدرة على التطور قبل كل شئ ..
لذلك
لا تطوّر للمجتمع في ظل الاستبداد الذي يسلبه قدرا هاما من حريته ، فيعطل بشكل
كبير امكانيات تطوير ذلك المجتمع على الوجه الأكمل ..
كما
أنه لا تطوّر للمجتمع في ظل الاحتلال الذي يسلبه كامل حريته ، فيمنعه من كل الامكانيات
والآليات التي يمكن ان يستعملها الناس في تغيير واقعهم وتطويره على الوجه المطلوب ..
فما العمل لو لحق الاحتلال بالاستبداد في أي مجتمع ..؟؟
فما العمل لو لحق الاحتلال بالاستبداد في أي مجتمع ..؟؟
لا شك ان مشكلة الاحتلال ستكون أشمل وأعمق وأخطرعلى المجتمع من الاستبداد مهما كانت
درجاته ..
ويبقى
ان نعرف بعد خمس سنوات من الاحداث الدامية في سوريا ، هل أن ما يحدث هو ثورة تهدف
للتحرّر من الاستبداد وتحقيق الديمقراطية في المجتمع ، أم هو محاولة واضحة لاحتلال
بلد آمن ، وتقسيمه ، وفرض واقع جديد داخله لا علاقة له بارادة الناس ...؟
وهنا
نرى أن الاحداث المتسارعة على ارض الواقع ، تؤكد كل يوم بمزيد من الوضوح أن ما
يحدث لا علاقة له بالثورات ، ولا بالديمقر اطية وحقوق الانسان ، بل هو عدوان منظم تشترك فيه العديد من القوى
الخارجية المحلية منها والاجنبية ، وتستهدف من خلاله سلامة الوطن والمواطن ،
وتنتهك به كل الاعراف الدولية في
حرمة الدماء والتراب الوطني ، وهو على صورته الحالية احتلال أجنبي حقيقي تنفذه
مليشيات وعصابات ارهابية قادمة من كل صوب ، غريبة عن ارض سوريا ، وشعبها ،
ومشاكلها ، ومستقبلها وطموحاتها المشروعة في الحرية والكرامة والديمقراطية مثل كل
الشعوب في العالم .. لذلك فان في مثل هذا
الوضع لا يستقيم البقاء على نفس الموقف في مساندة الثورة كما لو انها على نفس الخط
الذي انطلقت منه في الشهر الاول منذ خمس سنوات ، أو كما لو انها ثورة حقيقية مفرزة
على مستوى القوى التي تشارك فيها وتقودها نحو اهداف واضحة ومعلنة ، فتقترب بها
تدريجيا نحو غايتها .. او كما لو انها ستغير فعلا الواقع الموجود الى واقع افضل يحقق
الحرية والديمقراطية والسلم الاجتماعي والوحدة بين مكونات المجتمع الذي استقر
عليها وجوده منذ آلاف السنين .. !!
فأين نحن من هذا على ارض الواقع ..؟؟
نحن لا نرى الا الارهاب المنظم والنهب والسلب وتهديد
السلم الاجتماعي والتهجير، واستباجة الاعراض والدماء .. !!
هذا هو الواقع المعاش الذي لا يتطلب كثيرا من العبرقية
لادراك ما يجري فيه .. وهو ما يجعل المتكلمين عن الثورة والديمقراطية واستبداد
النظام على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية من " الحقوقيين الاحتجاجيين " وهم لا
يمثلون الا انفسهم ، امرا مضحكا فعلا .. فلا هم تنظيمات واضحة ، ولا هم قوى سياسية
مفرزة لها ثقلها في الشارع .. ولا هم تنظيم مسلح يملك كل مقومات العمل للتحكم في
مجريات الامور ..
ولعل ما زاد في تخلف المواقف لدى هؤلاء بعد خمس سنوات من الصراع الدامي في سوريا ، تركيزهم المتزايد على اظهار الخطاب الطائفي ، الذي يعمد الى تحويل الموقف من النظام الى موقف معاد
للقوى المتحالفة معه ، على خلفية انتمائها المذهبي والطائفي ، المستخدم عادة من طرف القوى
الخارجية لاذكاء نار الفتنة ، ليس في سوريا وحدها ، بل وعلى المستوى القومي ايضا ..
فاذا كانت الأنظمة العربية في اي مكان متخلفة واستبدادية
، فمسؤولية تغييرها تقع على شعوبها وحدها ، فتثور عليها حينما تكون قادرة على
تحصين ثوراتها .. اما اذا كان الشعب في اي
مكان غير مؤهل لمثل هذا الفعل ، أو اذا حصل طارئا أدى الى انفلات العمل الثوري
بمثل ما هو حاصل في سوريا ، فان مهمة القوى الثورية الحقيقية هو تصحيح الموقف ،
بالوقوف في وجه الخطر الاكبر وهو خطر الارهاب ، والغزو الخارجي ، والغدر من الداخل
من طرف القوى المتحالفة مع الرجعية العربية والاستعمار والصهيونية ، من أجل
المحافظة على الوحدة الوطنية وحماية الارواح والممتلكات .. فالمستهدف في مثل هذه
الحالة هو المجتمع بأكمله ، والخطر لم يعد ياتي من الداخل وحده تحت اسم الاستبداد
، بل ان القادم من الخارج أكبر، وأعظم ، اذ هو يهدّد وجود المجتمع من اساسه .. ومثل
هذا الموقف لا يقتصر على سوريا وحدها ، بل يمكن اتخاذه في اي مكان يتعرض فيه
المجتمع للخطر من خارجه حتى في أكبر الاقطار استبدادا مثل السعودية ودول الخليج
وفي اي شبر على امتداد الوطن العربي الكبير
.. فالدفاع من حيث المبدأ ليس على
الانظمة ، بل على الاوطان دون تمييز ..
لا
يبقى الا أن نقول بأن الكلام الذي نسمعه من هنا وهناك ، كلام سخيف مردود على
اصحابه ... فالموقف القومي من هذه
النواحي واضح لا غبار عليه ، والدفاع عن حرية الوطن والمواطن
، والديمقراطية وكرامة الانسان مبادئ
راسخة يناضل من أجلها القوميون التقدميون في كل مكان ، ولا يتنازلون عنها مهما
كانت التضحيات .. أما حينما يصبح وجود المجتمع هو المستهدف مثلما يحدث الآن في
سوريا ، فوقتها تطرح مسألة الاولويات ، ويصبح من الغباء الوقوف على نفس الخط مع
أعداء الشعب والوطن من الهمج الظلاميين الوافدين من كل اصقاع الارض ومشاركتهم في
المواقف والمواقع والشعارات ، بحجة الدفاع عن الديمقراطية ، ومقاومة
الاستبداد ... والحال ان هؤلاء اشد
استبدادا وتخلفا وديكتاتورية من الانظمة القائمة .. ولعل ما يزيد من سذاجة الفكرة هو
ان من يملأ الدنيا حديثا صاخبا عن الديمقراطية والديكتاتورية والثورة من هؤلاء "
الحقوقيين " في سوريا لا وجود لهم على الارض .. وكل ما يفعلونه موضوعيا هو
المراكمة لصالح المشروع الارهابي ودعمه اعلاميا وسياسيا ..
ثقتنا
في هذا الموقف نستمدها مما قاله المفكر القومي الدكتورعصمت سيف الدولة من خلال
تطبيقات المنهج على الواقع حين قال : " ان الدولة والديمقراطية من حيث هما نظام
ادارة وتطوير المجتمع المشترك ، يفترضان ابتداءا ، ان هذا المجتمع ، بامكاناته
كلها ، متاحة لكل الشعب فيه حتى تبدأ عملية التنظيم والتطور ، أما اذا لم تكن
امكانات المجتمع متاحة للشعب بأن كانت محتلة أو مغتصبة أو مستغلة أو تابعة لدول
اخرى ، فان المشكلة التي تثور أولا تكون مشكلة تحرر قومي . وهي قابلة للحل
ديمقراطيا مثل كل المشكلات ولكنها حينئذ ستكون ديمقراطية الثورة التحررية التي
يلتزمها الثوار فيما بينهم ، فيعرفون أفضل السبل الثورية لتحرير مجتمعهم ، أما رفع
رايات الديمقراطية عالية وعريضة لتخفي مشكلة الاستيطان والاستعمار الظاهر والخفي
والتبعية المفروضة أو المطلوبة فهو تواطئ
ضد الشعب ، وضد الديمقراطية ، وضد الوحدة ، مع أعدائهم جميعا "
( الديمقراطية والوحدة العربية) ..
وهذا الموقف كان الدكتور قد لخصه من قبل في مقولة بسيطة ومشهورة : " الوجود شرط التطوّر " .. ومنها نتعلم ان سلامة المجتمع وتحرّره قبل الديمقراطية .. وهذه سوريا اليوم محتلة ومفككة ومنهوبة ومستهدفة بالكامل ، فالاولوية المطلوبة هي التحرير واعادة السكينة للمجتمع .. حتى وان كنا نتحدث بصوت عال عن الديمقراطية ..
وهذا الموقف كان الدكتور قد لخصه من قبل في مقولة بسيطة ومشهورة : " الوجود شرط التطوّر " .. ومنها نتعلم ان سلامة المجتمع وتحرّره قبل الديمقراطية .. وهذه سوريا اليوم محتلة ومفككة ومنهوبة ومستهدفة بالكامل ، فالاولوية المطلوبة هي التحرير واعادة السكينة للمجتمع .. حتى وان كنا نتحدث بصوت عال عن الديمقراطية ..
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق