بالعربي
الفصيح ..
الثورة السورية ، الحقيقية
، الشعبية والعفوية التي خرج فيها ابناء حارات الشام الاصيلة وشبابها الثوري
منتفضا ، مناديا بالحرية والكرامة ، على
طريقة ابناء سيدي بوزيد والمكناسي وبن عون وبوزيان وتالة والقصرين وغيرها من الأحياء والمدن
التي قدّمت الشهداء ، انتهت عمليا منذ بداية صيف 2011 .. وقد كان من أنهاها عمليا
، كل الرجعيات المهرولة من خارج سوريا لعسكرة الثورة ، وتحويلها الى آداة للتلاعب بمصير الشعب السوري
ومستقبله ، وجعلوا منها فوضى تخدم مصالحهم الخاصة على حساب استقرار سوريا وأمنها
ووحدتها .. في حين كان المنتفضون يرفعون "
شعار سلمية ، سلمية " في الميادين ، رافضين تدخل تلك الأيادي العابثة التي عملت
منذ البداية على اختطاف الثورات ، وتشويهها ، اما من طرف الانظمة الرجعية التي دخلت بكل ثقلها على الخط لتحويل فكرة الثورة في اذهان الجماهير الى فوضى تكرهها الشعوب
وترفضها ، فلا تفكر شعوبهم في الثورة عليهم حتى لا يصيبهم ما اصاب تلك الشعوب التي
عرفت الثورات .. !! ، أو
للاستفادة منها في الوصول الى السلطة من طرف القوى المدفوعة دوليا واقليميا لركوب
الموجة ، حتى تقطع الطريق أمام الجماهير المنتفضة ، وتمنعها من تحقيق أهدافها
المرجوّة ..
وقد كانت وسائل
الاعلام التابعة لذلك الحلف الرجعي الوسيلة البارعة في قلب الحقائق وفبركة الافلام
وتركيب الصور ، وترويج الأكاذيب حول الجيوش المنقسمة والقيادات المتمرّدة ، فصارت
تبنى من الحبة قبة ، في التصريحات ونشرات الاخبار، وفي البرامج الحوارية وعند صياغة
التقارير، وتوضيف الارشيف في تزييف الحقائق التاريخية وغيرها من الوسائل التي
استعملت استعمالا دقيقا ومهنيا لقصف العقول وصناعة الرأي العام خلال تلك المرحلة ،
فضلا عما رُصد لها من سلاح واموال وحملات تجنيد واغراء منقطع النظير وصولا الى هدف
واحد : تحويل الثورات الى فوضى ..
ولعل مثل هذه الحيل والاساليب كانت تنطلي فعلا على عامة الناس ، الا أن القوى الثورية الحقيقية ، العارفة بالادوار وخفايا الامور ، سرعان ما ادركت الحقيقة .. وتجلت أمامها الصورة منذ بداية الاحداث في
ليبيا بظهور اللاعبين الدوليين وعرّابو الثورات في المقدمة : برنارد ليفي ، وجون
ماكاين ، وساركوزي ، وحمد ، والقرضاوي ، والسلطان اردغان ، وامراء النفط من آل سعود
، وبقية الانظمة العميلة في الخليج ومصر والسودان والمغرب وتونس تتبعهم جوقة
الاخوان في تلك الدول ... وحتى اسرائيل كانت في الصورة ، حينما بتنا نرى برنار
هنري ليفي ينتقل من ليبيا مباشرة الى تل ابيب ثم يعود متجوّلا بين العسكريين .. وسرعان ما اصبحت الثورة المزعومة تحت القيادة
المباشرة لحلف النيتو وحلفاءه .. !!
ولم يقف الامر عند
هذا الحد ، بل أصبح كل الدراويش في العالم يدعمون الثورات في ليبيا وسوريا
ويساندونها .. هكذا لوجه الله .. وحبا في الجهاد ومناصرة الشعوب المقهورة في سوريا
وليبيا فقط .. بينما فلسطين يعطونها بظهورهم في القنيطر وسيناء ،
فلا يفجعون الصهاينة حتى بقنبلة يدوية محلية الصنع كما يفعلون في كل العواصم
العربية ضد امنها وجيوشها ومتساكنيها .. وهكذا ايضا وبكل بساطة ، اصبح الحكام
العملاء ، الملطخة ايديهم بدماء الأطفال الأبرياء في شوارع بغداد وليبيا واليمن
وحارات الشام ثوارا يدعمون الثورات .. وأصبحت الأنظمة الرجعية العميلة في قطر
والسعودية ، المسوّدة وجوههم بالخيانات والمؤامرات منذ نشأتهم ، غيورين على الشعوب
، يقيمون الندوات الخاصة والمؤتمرات في العواصم العربية والاجنبية لدعم الثورات ..
ولا يرون الديكتاتورية الا في سوريا .. !!
سقطت الأقنعة
.. !!
فهذه البحرين في
الجوار ، قامت فيها ثورة حقيقية ، دامت شهورا طويلة ينام خلالها الشعب الأعزل في
الساحات ، لماذا تآمرتم عليها ، واتيتم لها بدرع الجزيرة تدوسون بها المتظاهرين وتسحلونهم
في الشوارع اما العالم ، وتزجون بالمئات منهم في السجون دون محاكمات .. ؟؟
وهذه انتفاضة السودان سنة 2013 التي قبرت باسرع وقت وسط صمت عربي وحقوقي رهيب وقد وصل عدد الضحايا بالمئات بين القتل والسجن والجلد للمتظاهرين في الشوارع والساحات ..!!
وهذه انتفاضة السودان سنة 2013 التي قبرت باسرع وقت وسط صمت عربي وحقوقي رهيب وقد وصل عدد الضحايا بالمئات بين القتل والسجن والجلد للمتظاهرين في الشوارع والساحات ..!!
فاين الحقوقيون
الذين لا يرون الديكتاتورية الا في سوريا وهو يتحالفون مع اشد الانظمة تخلفا مثل
قطر والسعودية .. ولا يرون القصف الهمجي في اليمن ، والدمار والفوضى والترويع الذي يلحقه الحلف الرجعي بابناء هذا الشعب الذي ثار على الظلم ، فنال السخت والعقاب من آل سعود .. ؟؟
سقطت الاقنعة ..
ورأينا أدق التفاصيل ، ولم يعد يصدّق ما تروجه وسائل الاعلام المأجورة الا السذج
.. ولتسقط الثورات التي تدعمها الرجعية المتخلفة ، والمتحالفة مع أعداء الامة ..
لتسقط الثورات
التي تاتي بالدمار ، وتبيد الشعوب ، فتحوّل الحياة الى جحيم ..
لتسقط الثورات
التي تباركها اسرائيل وتداوي جرحاها وتحمي ظهورهم ، وتقصف معهم بالطائرات ..
نعم .. لتسقط
الثورات التي يتزعمها الدراويش والظلاميون الذين يفتحون المدن بالسواطير والاحزمة
الناسفة والسيارات المفخخة في المدارس والمستشفيات والاحياء ..
لتسقط الثورات
التي تخرّب النسيج الاجتماعي ، وتثير الفتن المذهبية وتجعل المجتمعات مسرحا للصراعات
والثارات والاحقاد ..
أجل .. اذا كان ما
رأيناه في سوريا هو المقصود بالثورة ، وتلك وسائلها وأهدافها ، فلتحيا الديكتاتورية
الى الأبد .. !!
فالمساندة
المبدئية للثورات الشعبية لها اسس ثابة لا بد ان تكون متوفرة قبل كل شئ ، وهي ان
تكون الثورة مستندة الى قاعدتين أساسيتين :
القاعدة الاولى تقوم على مسلمة بسيطة ومعروفة مفادها
أن : الوجود
شرط التطوّر .. ومعناه ببساطة ، أن لا وجود لثورة تكون نتائجها تقسيم المجتمع وتفكيك روابطه وانحلال نسيجه الاجتماعي ، الذي يعود به مئات السنين الى الخلف ..
والقاعدة الثانية تقوم على التسليم بأن الثورة
فعل ايجابي لا يلبث حين ينتهي أن يُحدث تغييرا الى الافضل . لذلك يتخذ العمل
الثوري الحقيقي - طوال مسيرته - نسقا تصاعديا يراكم لاحداث ذلك التغيير .. وعليه
فان ما لا يجب تصديقه دائما ، هو القول بان كل من يستعمل العنف ويدعي أنه يقاوم
الديكتاتورية هو بصدد انجاز ثورة ..
ووفقا لهذه المسلمات نعرف الثورة ..
فالثورة لها ملامحها وأسسها وأساليبها ورجالها .. ولها أيضا
منطلقاتها وغاياتها التي يتحدّد بها شكلها ومضمونها .. ولهذا ، فالثورة يجب أن
تكون شعـبية قـبـل كل شيئ ، تـنـظمها وتؤطرها القوى الوطنية الثورية المعـروفة
عادة برموزها ونضالها الطويل على الساحة السياسية والنقابية والحقوقـية ، فلا يمكن
مثلا ان يكون رموز الثورة غـرباء عن الشعب ، ملثمون ، يحملون أسماء مستعارة ،
قادمين كالجراد من ساحات بعيدة عن ساحة الثورة ، جاهلين بواقع المجتمع وظروفه
ومعاناته وتطلعاته .. كما يجب ان يعـبّـر الثوار عن هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية
ليكونوا قادرين فعلا على قيادة الثورة وتوجـيهها نحو أهداف معـلنة ومعـروفة .. وفوق هذا يُفـتـرض أن تـنأى تلك القيادات الثورية بنفسها - بحكم
نقائها الثوري وعقيدتها الثورية وأهدافها النبيلة الواضحة ومثـلها العـليا
ومشروعها التحرّري الانساني - عن كل الشبهات في التعامل مع الأطراف المعادية ، من
خلال الرفض المبدئي سواء للاتصال أوالتـنسـيـق أو التعاون مع القوى الرجعية
المحلية ، ومع الاعداء التاريخـيـيـن للأمة لانها تدرك أن غاياتها تتناقض مع غاياتهم ، وانها من اجل ذلك ستـتـصادم معهم في قادم الايام .. ثم ترفض التمويل المشبـوه الذي يجـرّها الى التبعـية والتـنازل عن
أهدافها ، فلا تعتمد الا على قواها الذاتية متمثلة في أبناء الشعب وحدهم .. وكل
هذا كان غائبا ـ منذ البداية ـ في ساحتي
ليبيا وسوريا تحديدا ..
ثم ان الثورة والثوار الحقيقيين لا يمكن أن يستهدفوا كيان
الدولة ومؤسساتها الامنية والعسكرية ، لانهم يدركون مسبقا ما يقود اليه الفراغ
الامني والمؤسساتي في المجتمع ، وامامهم المثال العراقي بعد الغزو الامريكي ، بل
انهم يتجنبون تلك الاساليب ـ عمدا ، وعن وعي ـ للحفاظ على وحدة المجتمع وأمنه واستقراره على المدى القريب والبعيد
..
والثوريون الحقيقيون لا يتمادون في مساندة الفوضى ، ولا
يدفعون بأوطانهم الى الدّمار ، وبشعوبهم الى الفناء ، لمجرّد انهم يختلفون مع
النظام القائم ، أو لأنهم يرفضون الديكتاتورية ، وهم يعلمون ان البديل هو تلك
الفوضى التي تستغلها القوى الظلامية للوصول الى السلطة ، وفرض مشروعها الاشد
استبدادا وتخلفا ، بكل الاساليب المدمرة للحضارة والانسان والوجود بأكمله ..
الثورات اطهر من هذا كله ..
( القدس ) .
الثورات اطهر من هذا كله ..
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق