بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 ديسمبر 2016

حوار مع الدكتور عصمت سيف الدولة .

المفكر د.عصمت سيف الدولة لـ {الموقف} :
للصهيونية اسم عربي هو .. الشعوبية
الحركة الشعوبية رجعية وفاشلة .
القاهرة - أجرى الحوار عادل علي .
ثلاث مرات أتيحت لي خلالها مقابلة المفكر القومي العربي الكبير الدكتور عصمت سيف الدولة في مكتبه بالقاهرة ؛ وفي كل مرة كنت أجده يتحرى الدقة بصبر وجلد لا يملكها إلا طراز خاص من المفكرين .
في المرة الأولى كان غارقا بين مجموعة من المِؤلفات الضخمة باللغتين العربية والانكليزية ؛ للتأكد من صحة مقتبس منقول عن كارل ماركس في كتيب كان يقرؤه .. وتأكد له شكه في صحته  .. 
في المرة الثانية اضطر إلى معاينة مجموعة من الدوريات التي تصله للتأكد من حقيقة موضوع كان يحدثني عنه ؛ ونشرته إحدى تلك الدوريات.
وفي المرة الثالثة كان منكبا ؛ كأي مصحح يعمل في صحيفة ؛ على تصحيح نسخ مطبوعة على الآلة الكاتبة .. لأحد نتاجاته الكتابية الجديدة ، لكن الدقة التي ينشدها الدكتور عصمت سيف الدولة ؛ تتجلى بشكل خاص خلال الحوار المباشر . فالمطلوب منك أولا خلال محادثته أن { تحاسب على كلامك } وإلا سجلت عليك كل كلمة تقولها في غير موضعها أولا تناسب فكرتك منهجيا .. والمطلوب منك ثانيا أن تدرك أنك تحاور رجلا يشغله الفكر بالدرجة الأولى ؛ فيغلب عنده على السياسة بمعناها السائد في الاستخدام العام . واذا كان المبدأ الصحيح هو ألا تكون هناك فجوة بين الفكر والسياسة ؛ فان الحرص على هذا المبدأ غير مستغرب من رجل اشتعل رأسه شيبا . وقضى عمره في التأليف والدعوة القومية ؛ لكن المستغرب أن يظل حماسه الفكري وطموحه القومي متقدا ؛ وكأنه في ريعان الشباب ؛ ودليلنا على ما نقول مواقف وأراء د.عصمت سيف الدولة ؛ التي أدلى بها إلى مجلة { الموقف } في شؤون الفكر والسياسة العربية.

الشعوبية الجديدة :  

* تتداول بعض الأوساط القومية العربية مصطلح الشعوبية الجديدة كتسمية تطلق على مصادر وتيارات العداء للوجود القومي العربي بأسره . فهل توافقون على هذا المصطلح ؟ وماهو توصيفكم للحال الشعوبية في الوقت الحاضر ؟
* أنا أفهم الشعوبية على أنها المرحلة التاريخية الوسيطة ما بين القبلية والقومية . وهي بهذا مرحلة أرقى من المرحلة القبلية ولكنها متخلفة عن المرحلة القومية أي رجعية .
وفي الواقع العربي أطلقت الشعوبية كحركة سياسية على محاولة بعض القوى السياسية أن ترجع إلى الانتماء إلى الشعوب التي كانت تسكن في بعض أقاليم الوطن العربي قبل إتمام التكوين القومي . وهي محاولة ليست رجعية فقط ولكن فاشلة أيضا لأن الشعوب التي يريدون إحياء الانتماء إليها لا وجود لها في الواقع . فلا يوجد في الوطن العربي حاليا ومنذ قرون طويلة أشوريون أو فراعنة أو بربر ؛ أو أيضا - وأرجو أن يكون هذا محل انتباه شديد - أعراب .
إن التكوين القومي للأمة العربية هو الحصيلة النهائية للتفاعل الحر بين كل هذه الشعوب ؛ والأرض الموحدة والعقيدة الموحدة . واذا كان بدو الجزيرة هم الذين حملوا الإسلام ولغته إلى تلك الشعوب فإنهم لم يبيدوها ؛ بل بالعكس لقد امتصتهم هي فأصبحوا مصريين وسوريين وعراقيين يستطيعون أن يعرفوا من أين جاء جدودهم الأوائل . كما أصبح الشعوبيون من المصريين أو الأشوريين عربا دون أن ينتقلوا الى الجزيرة العربية .
من هنا يمكن فهم مشكلة الشعوبية في الوقت الحاضر. فلا أحد ينشط من منطلق شعوبي في الوطن العربي يبحث حقيقة عن شعبه أو يأمل في بعثه ؛ إنما هو ينشط لأسباب أخرى ضد الأمة العربية وقضاياها القومية على وجه التحديد . وطبيعي أنه لا يستطيع أن يقول أنه يعمل لحساب أعداء الأمة العربية ؛ فيصطنع لنفسه عنوانا لشعب منقرض يقول أنه ينتمي إليه كما لو كان مطلعا وواثقا من أن جينات الوراثة التي وصلت إليه من خلال تزاوج أجداده ؛ وجداته قد بقيت منذ رمسيس الثاني لم تخالطها شعوب أخرى  .
هذا لا يعني أن الشعوبية حركة يمكن للقوميين أن يستهينوا بها ؛ بالعكس استطيع أن أقول وأنا مطمئن أن الشعوبية التي تنشط الآن -والتي تسمونها الجديدة - أكثر خطورة على الأمة العربية حتى من الصهيونية - ولا تعجب لأن الشعوبية الجديدة هي الاسم العربي لـ { الصهاينة العرب } المنبع الفكري واحد وهو أحقية الشعوب التي كانت تقيم على أرض الوطن العربي قبل الفتح العربي الإسلامي ؛ في تحرير أرضها واستردادها . وهو ما يتضمن تقييم الفتح العربي الإسلامي بأنه كان ومازال عدوانا غير مشروع . وهذا هو مذهب الصهاينة أو نظريتهم التي لم يصدقها أحد ؛ فلم تنشط الشعوبية قبل عام 1948. أما بعد عام 1948 فقد ابتدأ أعداء الأمة العربية ووحدتها في الانتباه إلى أنه من الممكن تجزئة الأمة العربية إلى دويلات بناء على دعاوي شعوبية لا يستطيع أحد أن يتحقق من صحتها . وبقي هذا الانتباه ينشط في حلقات ضيقة وعلى المستوى الفكري عادة لأن الصراع العربي ضد المشروع الشعوبي الصهيوني لم يكن قد حسم . في أول سبتمبر { أيلول } سنة 1975على وجه التحديد وقع السادات أول اتفاقية ثنائية مع الصهاينة تضمنت الاعتراف بإسرائيل . والاعتراف بإسرائيل يعني أن لليهود حقا تاريخيا في أرض فلسطين منذ ما قبل الفتح العربي الإسلامي . وأن الفتح العربي الإسلامي لم يكن الا احتلالا طويل المدى للوطن اليهودي ؛ وأنهم أصحاب حق في تحريره واسترداده ؛ وأن أكبر دولة عربية تشهد لهم بهذا الحق فتحرك الشعوبيون قبل أن يمضي عام على اتفاقية أول سبتمبر{ أيلول } 1975 ؛ وبدؤوا الحرب الشعوبية في لبنان ؛ قبل أن تتحول إلى حرب طائفية ؛ وبدأ تمرد جنوب السودان ضد العرب في الشمال ؛ وبدأت حركة عنف ثوري لإحياء دولة البربر في جنوب الجزائر . بل وتمردت مجموعة من القبائل ذات اللهجة النوبية في شمال شرق السودان . وهكذا غزت الصهيونية العقل العربي ؛ وأصبح { العرب الصهاينة } يتبنونها موقفا ضد الأمة العربية . كل ما في الأمر أنهم يسمونها اسما عربيا هو الشعوبية .
الشعوبية الجديدة أشد خطورة من الصهيونية  .

السلاح الاستعماري : 

* تجمع الدراسات الصهيونية وأبحاث بعض المعاهد الإستراتيجية الأمريكية { مثل معهدي هوفر وبروكنغر } على أن إغراق الوطن العربي في { دوامة الحروب الدينية } هو السبيل للسيطرة عليه .. فهل تعتقدون أن الأعداء قد أحكموا قبضتهم نهائيا على هذا السلاح أم أن الفرصة لم تضع بعد من أيدي العرب المؤمنين بوحدة الأمة وتحررها وتقدمها ؟
* يا سيدي ؛ أنا لا أذكر أني قرأت في الدراسات الصهيونية وأبحاث معهدي{ هوفر } و{ بروكنغر} ما يدل على أن ما تقوله هو موقف أعداء الأمة العربية ؛ قد يكون موقفا ملائما للصهيونية . ولكن الحروب الدينية كأداة للسيطرة على الوطن العربي لا يمكن أن تكون واردة في الإستراتيجية الأمريكية :
أولا ؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية تستعمر فعليا واقتصاديا ؛ استعمارا مباشرا أوغير مباشر؛ كل الدول العربية بدون استثناء وهو استعمار رأسمالي . بناء على هذا فهي لا تحتاج لإغراق الوطن العربي في دوامات حروب دينية أوغيردينية لتسيطر عليه اذ أنها مسيطرة عليه فعلا .
وثانيا ؛ فان الاستعمار الرأسمالي يشن الحروب إلى أن يسيطر؛ ثم يهدد بالحرب أو قد يحارب لحماية استقرار السيطرة التي تكفل رؤوس الأموال . الظروف الملائمة للحصول على أكبر قدر من الأرباح وأولها الاستمرار والاستقرار { السلام العادل الشامل الكامل الدائم } . أليست هذه الجملة الأخيرة عنوانا لما تفرضه علينا الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة بعد أن سيطرت ؟ اعتقد هذا .

أزمة تنظيم :

* ما هو تحليلكم لأزمة تيار القومية العربية ؟ هل هي أزمة فكر؛ أم أزمة حركة ؛ أم أزمة ظروف ؟
* إنها أزمة تنظيم ؛ لأن التيار القومي العربي ؛ أي ملايين وعشرات ملايين البشر في الوطن العربي المحصورون المحبوسون المعزولون بعضهم عن بعض في سجون الدول العربية أو الدول العربية - السجون لم يستطيعوا حتى الآن أن يتحولوا من ثوار قوميين إلى أداة قومية ثورية . لم يستطيعوا التحول من أفراد وفصائل قومية إلى تنظيم قومي . وهكذا بقيت الحركة القومية في الوطن العربي نشيطة على المستوى الفكري حيث تعاني تخم فكرية ولكنها على أرض الواقع بقيت حركة فردية أو شللية أو قطرية ولم تكسب أبدا السمة القومية في نظام تحركها ؛ وستبقى غير مؤثرة في الظروف المتجهة ضدها ما لم تتحول من أفراد  أو قوى إقليمية ؛ أعني إقليمية التنظيم إلى تنظيم قومي .

صلاحية المنهج القومي :

* هل تعتقدون بصحة الرأي القائل أن كل الطروحات والمناهج  والعقليات { الإقليمية ؛ الطائفية ؛ المذهبية الخ .. } التي طرحت نفسها كبدائل عن المنهج القومي العربي التحرري قد سقطت في ميدان التجربة ؛ وبدأت تعاني من أزماتها الداخلية .. وان ذلك يشكل دافعا للمنهج القومي الذي لم تتح له فرصة التجربة الشمولية على مستوى الأمة ؟
* اعتقد بصحة هذا الرأي تماما بعد إضافة تصحيحين :
التصحيح الأول ؛ هو أنه ليس صحيحا أن العجز الإقليمي يشكل دافعا للمنهج القومي . إن الدافع للمنهج القومي هو صلاحيته لحل المشكلات الحية في الوطن العربي . أي أنه يستمد دافعه من صدقه وعلميته وواقعيته . ويجب الحذر من تعليق الدور القومي على العجز الإقليمي كما لو كان القوميون والإقليميون حزبين على الطريقة الانكليزية لا يحكم واحد إلا إذا سقط الثاني في الانتخابات .
أما التصحيح الثاني فهو ؛ أن فرصة التجربة الشمولية على مستوى الأمة لم تتح حتى الآن للمنهج القومي ؛ لأن المنهج القومي لم يؤهل نفسه لدوره ؛ لأنه لم يتملك أداة أداء هذا الدور الشمولي على مستوى الأمة كلها .. وما تسميه الفرص لا تتاح لأية قوة ؛ إنما تنتزعها كل قوة أعدت لها ما استطاعت من قوة .
واقع المنهج العربي هو صلاحيته وصدقه وعلميته وواقعيته .

دعوة للشباب :

* لو أردتم أن تحددوا للشباب العربي في كل أرض عربية أولويات عمله ونضاله في هذه المرحلة ؛ فكيف ترتبون تلك الأولويات ؟


* ألف باء النضال ؛ بل الألف التي تسبق الباء هو أن يملك المناضل أداة نضاله . والشباب العربي في كل أرض عربية لم يملك أداة النضال القومي { التنظيم القومي } . وبالتالي فان الأولوية المطلقة بالنسبة لأي شاب عربي قومي وبالنسبة للشباب العربي القومي جميعا أن يلتحموا في تنظيم واحد . بغير هذا وقبل هذا ستصب جهودهم النضالية كلها أو أغلبها في الحقول الإقليمية أرادوا أم لم يريدوا .
                                                         
                               ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق