محور الدولة الفلسطينية المستقلة .
د.عصمت سيف
الدولة .
(1)
الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة " تقف على الأبواب
" تنتظر من يفتح لها لتقام وتقيم على أرض فلسطين المحتلة حديث شائك ذلك لأنه
لا توجد دولة فلسطينية مستقلة معروضة على الفلسطينيين ولا أحد يدرى من الذي طرح
فكرتها ودفع لها إلى مدخل ثورة تحرير فلسطين .. العدو الصهيوني يرفضها من حيث
المبدأ والتطبيق كليهما من أن من اغتصب الأرض ، حليفه الأساسي الولايات المتحدة
الأمريكية تتبنى كعادتها الرفض الصهيوني . ودول أوروبا الغربية لم تعرضها على
منظمة التحرير الفلسطينية لا ولا دول أوروبا الشرقية . قد تريد تلك الدول دولة
للفلسطينيين ولكنها دولة غير مستقلة بإقرارها جميعا ، الدول العربية لا تملك
المقدرة على تأمين استقلالها ذاته فكل منها يحتمي علنا أو خفية بمن يحميه وفاقد
الشئ لا يعطيه كما يقول المثل الصادق . فمن أين هبت رياح الدولة الفلسطينية لتتحول
إلى إعصار حرب إلى دوامته المدمرة كل فصائل المقاومة الفلسطينية وكل القوى العربية
حتى تكاد تبعثرها أكثر مما هي مبعثرة . وإنا لنخشى أن يكون الحديث عن دولة
فلسطينيه مستقلة تقف على الأبواب حديثا صريحا مشاركة مباشرة أو غير مباشرة في
تعميق الصراع العربي الذي هو العدو الألد لوحدة قوى الثورة العربية التي هي الطريق
الواقعي الوحيد لتحرير فلسطين وإقامة دولتها المستقلة .
ومع ذلك فلا بد مما ليس منه بد .
وسنحاول بقدر ما نستطيع أن نجعل حديثنا موضوعيا وذلك بأن
نرد الفروع إلى أصولها ، ونحتكم في أمر المواقف المرحلية والتكتيكية إلى الهدف الاستراتيجي
، ونتخذ من المبدأ الذي يحكم الصراع العربي ـ الصهيوني معيارا لتحديد هذا الهدف .
ثم أن نحدد دلالات الألفاظ " المتشابهة " لنتجنب مخاطر التأويل المنحرف
.
" المبدأ " الذي فجر الصراع العربي ـ الصهيوني
هو الجواب على السؤال الأول والأخير : لمن الحق في أرض فلسطين ؟. وهو مبدأ لا خلاف
عليه بين طرفي الصراع . لا خلاف على أنه المبدأ وإن كان لكل طرف جواب نقيض .
الصهاينة يجيبون : نحن اليهود لنا وطن قومي مثل كل الأمم هذا الوطن هو فلسطين ،
شرعية أنه وطننا موثقة في كتابنا المقدس ، وفى شرحه التلمود . به وعدنا إلهنا
وإليه نعود . أما الفتح العربي الإسلامي فإنه كان عدوانا واغتصابا غير مشروع . وقد
استطاعت حركتنا المنظمة " الصهيونية " أن توحد قوانا القومية وأن تناضل
عالميا ومحليا إلى أن تمكنت من " تحرير " وطننا التاريخي عام 1948
واستعدنا " بعض " الأرض التي كانت لنا منذ البداية ، ويقول العربي أن
اليهودية دين وليس قومية ، الصهيونية حركة عنصرية وأداة استعمارية وليست منظمة
تحرير ولقد كانت فلسطين أرضا عربية حتى قبل الفتح الإسلامي ، والفتح الإسلامي جرى
عليها ما أجراه التاريخ من انصهار حضاري أصبحت به جزءا من الأمة العربية ولم تكن
الهجمة الصهيونية عام 1948 إلا أداة استعمارية عنصرية ، فتحرير فلسطين حق للعرب
كما هو حق كل شعب في أن يحرر أرضه .
وبدأ الصراع وما يزال قائما .
فإذا سلمنا مع جميع الأطراف أن الهدف الاستراتيجي لثورة
تحرير فلسطين ، على ضوء هذا المبدأ ، هو استرداد الأرض وفرض سيادة الشعب عليها
يكون قد سلمنا جميعا بأن تجميد النصر يكون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أرض
فلسطين . هذا استراتيجيا ، أما مرحليا فقد عبرت منظمة التحرير الفلسطينية عن
الدولة المستقلة كهدف مرحلة تعبيرا صحيحا يوم أن أعلنت أنها ستقيم تلك الدولة على أي
جزء من أرض فلسطين يتم تحريره ولو كان مدينة واحدة .
وهو تعبير صحيح لأن قيام الدولة ، أية دولة ، مرتبط
موضوعيا ، ومتوقف دوليا وواقعيا على سيادة شعبها على أرضها ( إقليمها ) . لم يحدث
أن أحدا قد قال ، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى على الأقل ، أن الدولة يمكن أن
تقوم مستقلة بدون كامل سيادة شعبها على كامل أرضها . ولم يعترف المجتمع الدولي
أبدا بدولة لا سيادة لها على الأرض .
متى إذن يصبح الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة واردا
ومفيدا ؟.. مرحليا يوم أن يتحرر أي جزء من أرض فلسطين فتقوم وتفرض سيادة الشعب
عليه . واستراتيجيا يوم أن تتحرر أرض فلسطين من البحر إلى النهر . في الحالتين يأتي
الإعتراف تلقائيا بدون مطالبة وبدون مساومة ولو جاء بالتدريج . لأن الإعتراف لا
ينشئ الدولة ولكنه تعبير عن قيام دولة ذات سيادة على إقليم معين .
هذا في نظرنا هو المعيار الموضوعي الذي يمكننا بتطبيقه
على الواقع معرفة ما إذا كانت الدولة الفلسطينية المستقلة على الأبواب أم لا .
والواقع غير القابل للإنكار أو التزييف هو أن لا الثورة الفلسطينية ولا الدول
العربية ، ولا الدول الغربية أو الشرقية أو دول العالم الثالث استطاعت أن تحرر
شبرا واحدا من أرض فلسطين لتقوم عليه دولة . إذن الركن الأول لقيام دولة فلسطين
مستقلة مفتقد في الواقع ، وبالتالي لا توجد دولة فلسطينية على الأبواب . لأن أبواب
الأرض الفلسطينية مغلقة دون سيادة الشعب العربي يمارسها على أرضه . وعندما تفتح
أبواب الأرض الفلسطينية مغلقة دون سيادة الشعب العربي يمارسها على أرضه . وعندما
تفتح أبواب الأرض لأصحاب السيادة عليها ستقوم الدولة الفلسطينية المستقلة عليها ..
أما قبل ذلك فسراب أبواب .
عن حكومة فلسطينية .
(2)
يقال أن الساحة الفلسطينية تمر بحالة من " المخاض
" القوي ، وتقف أما م " منعطف جذري " وهناك " ملامح "
قرار قادم لم يعد سرا .. وأنه لا بد من "استثمار " فرصة الإستعاضة التي
لن تتكرر قبل جيل كامل ، ويريد القائلون تشكيل حكومة مؤقته بشخصيات " معتدلة
" وبرنامج سياسي " معتدل " " يكسر "الفيتو الأمريكي الصهيوني
ويغتنم فرصة الوفاق الدولي لقطف الثمار بالذهاب إلي " مؤتمـر دولي "
بانت إمكانيات انعقاده كبيرة .. فماذا نقول :
نقول باسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ول قوة إلا بالله
ونعوذ به من شر ما خلق . إني أسمي مثل هذه التجمعات اللفظية حديثا عنقوديا إذ هو
من أخطر ما يقال ولا حد لتأثير كلماته القابلة للانتشار والتأثير لأنها تبدو كما
لو كانت معقولة فمقبولة . ويقبلها المختلفون أساسا لأنها قابلة ليفهمها كل من يشاء
على ما يريد . تصفية خطر هذه الكلمات التي وضعنا أمثلة منها بين أقواس تكون بتصفية
دلالة كل كلمة منها ومعرفة مفهومها بدون شوائب .
أولا
: الحكومة هي المؤسسة التي تقوم
بممارسة السلطة في الدولة . هذا لا خلاف عليه في علم القانون الدولي والقانون الدستوري
. الدولة إذن شرط سابق ولازم لوجود الحكومة . ومع ذلك يعرف الكافة من الكهول أو
الشيوخ أن خلال الحرب العالمية الثانية تشكلت في " لندن " مؤسسات محاربة
حليفة للمحاربين أسميت حكومات المنفى لتجميع المقاتلين وتوجيههم في كل دولة أخلتها
الدولة النازية . كما يعرفون أنه في مرحلة الإنتقال من الثورة المنتصرة إلى إعلان
الإستقلال تكونت في الجزائر حكومة مؤقتة لتتلقى من فرنسا الإعتراف بانتصار الثورة
وتتفق معها على سبيل حل مشكلات ترحيل المستوطنين . وقد كانت مؤقتة لأن الحكومات
غير المؤقتة لا تقوم إلا استنادا إلى إرادة شعبية تختارها طبقا لإجراءات معينة لا
تتوافر إلا بعد الاستقلال . فما هي الحكومة التي يراد تشكيلها لفلسطين ولا نقول في
فلسطين المتحررة أن تكن حكومة في المنفى ، فحكومات المنفى لم تكن مؤسسات حكم بل
كانت مؤسسات إعلامية ورموزا لإرادة الاستمرار في القتال إلى أن تتحرر أرض الوطن .
وقد انتهت جميعا وتلاشت بمجرد التحرير وتشكلت الحكومات الحقيقية فوق الأرض
المتحررة . وللثورة الفلسطينية مؤسسة مماثلة تؤدي دور تلك الحكومات في المنفى
وأكثر منها فاعلية إسمها منظمة تحرير فلسطين وقد كسبت دوليا الإعتراف بها كقائدة
لحركة تحرير وطني ولها في أنحاء كثيرة من الأرض دول حليفة تعترف بها ممثلة شرعية
لشعب فلسطين . أما الحكومة المؤقتة فسيأتي دورها حين يقع على عاتق الثورة التحررية
المنتصرة التعاون الدولي على حل مشكلات الصهاينة الذين قدموا من بلادهم إلى فلسطين
وليس قبل ذلك ، وهي مؤقتة لأن مهمتها مؤقتة بطبيعتها .
المهم ما هو
العائد الفعلي من تشكيل حكومة مؤقتة أو حكومة في المنفى الآن .
أولى نتائجه
إسقاط الشرعية الدولية عن منظمة تحرير فلسطين وانتقال الإعتراف الدولي بالشرعية من
المنظمة إلى الحكومة . النتيجة الثانية إعادة فتح باب الإعتراف أو عدم الإعتراف
بالقيادة الفلسطينية الحكومية . ولما كانت السيطرة الفعلية على الأرض والشعب شرط دولي
للإعتراف بشرعية أية حكومة فإن الحكومة المقترحة غير قابلة دوليا للإعتراف بها .
النتيجة الثالثة أن الحكومة الفلسطينية ستكون مقيدة بما يقيد الحكومات من قواعد
القانون الدولي . عدم التدخل في شئون الدول الأخرى ، عدم شرعية ضم أرض بالقوة وهذه
القواعد لا تفيد الآن منظمة تحرير فلسطين إذ تتمتع بامتيازات حركات التحرر الوطني التي
يعترف بها المجتمع الدولي بشرعية استعمال القوة لتحرير الأرض . إذن فالحكومة
الفلسطينية هي إلغاء فعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكل ما حققته ويمكن أن تحققه
في ظل الشرعية الدولية لنشاطها التحرري . وهذا ما هو المقصود من فكرة الحكومة .
إنهاء الثورة وأساليبها لحساب حكومة لا تملك من الأساليب إلا " الكلام "
، وعلى وجه محدد المقصود حذف كلمة الثورة وكلمة التحرير من قاموس التاريخ
الفلسطيني ، إلى من يكون في شك من هذا يقدم اقتراحا إحراجيا فليكن اسم منظمة تحرير
فلسطين " حكومة تحرير فلسطين " أو حتى " حكومة فلسطين الحرة "
كما فعل ديجول ، حينئذ سيمتعض الذين يلوكون كلمة " حكومة " ولعلهم
سينفعلون ويقولون ولماذا كلمة تحرير أو حرية .. فينكشف المستور من دوافعهم .
ثانيا
: استثمار الإنتفاضة . الإنتفاضة مرحلة
ثورية متقدمة ومتطورة عن مراحل قبلها وهي وإن كانت ثمرة نضال قاس سبقها إلا أنها
تصحيح جذري لمسار الثورة . فالأصل أن تكون الإنتفاضة هي بداية الثورة لتحرير الأرض
ولكنها جاءت متأخرة لأسباب أسهمت فيها الدول العربية بأكثر مما أسهمت المقاومة
الفلسطينية . على أي حال . وعفا الله عما سلف ، يستطيع المؤرخون فيما بعد أن
يقولوا أن ثورة تحرير فلسطين قد بدأت عام 1987 بانتفاضة شعبية في الأرض المحتلة
بعد أن كانت قد مهدت لها مقاومة فلسطينية من خارج الأرض تحوم حولها متنقلة من قطر عربي
إلى قطر عربي نتيجة الحصار العربي والمطاردة العربية لقوى الثورة . ولكن ما هي
دلالة كلمة " استثمار " ؟. هنا دلالتان محتملتان :
الدلالة الأولى
إنهاء الإنتفاضة ( بيعها ) مقابل كسر الفيتو الأمريكي " فيتو على ماذا
؟" هناك فيتو أمريكي على تحرير أرض فلسطين وفيتو أمريكي على دولة فلسطين .
وفيتو أمريكي على الإعتراف بمنظمة تحرير فلسطين . فما هو الفيتو الأمريكي الذي
يراد كسره ؟.. الراجح من أقوال أصحاب الأقوال أنه الفيتو الأمريكي على الإعتراف
بمنظمة تحرير فلسطين ممثلا للشعب الفلسطيني في المفاوضة مع الصهاينة ، هذا يعني
ببساطة إنها ثورة التحرير في أعلى مراحلها من أجل قبول أمريكا حضور نفر من قادة
المنظمة على مائدة المفاوضات مع الصهاينة لا شئ أكثر.
أي حتى بدون
ضمان لما تسفر عنه المفاوضة . فهل هذا هو الإستثمار الذي يقصدون ؟..
الدلالة الثانية
للإستثمار هي الإستفادة من الإنتفاضة بعد أن عبرت بالثورة أصبحت العقبات ( اقتحام
الأرض المحتلة ) لتطويرها إلى مرحلة ثورية أكثر فاعلية منها . لعلها أن تكون انتقال
قوى الثورة من أشتات الأرض العربية إلى حيث الإلتحام بالانتفاضة ، أو لعلها أن
تكون تحقيق العمق الجماهيري الاستراتيجي للانتفاضة الجماهيرية في الداخل ، بمد
الإنتفاضة الى الجماهير العربية خارج فلسطين
المحتلة ( هذا ما تخشاه الحكومات العربية حتى الموت ومن أجله تحرص على
إنهاء الإنتفاضة ) أيا كانت المرحلة القادمة فهي " ثمرة " للانتفاضة
وعلى هذا الوجه يكون استثمار الأحداث الثورية . ولكن " وأد " ليس
استثمارا " على أي وجه . إنه قتل لحساب الصهيونية والوأد قد يكون فعليا
" بإتمام الصفقة " وقد يكون " دعائيا" بمثل القول أن "
الإنتفاضة لن تتكرر قبل جيل كامل " . من أين جاءت هذه الصيغة ؟ هل تنبأ أحد
قبل عامين فقط ببداية الإنتفاضة حتى يتنبأ بنهايتها ؟ أم تزعمون علم الغيب فتكفرون
. أم رسالة اطمئمان موجهة إلى الصهاينة بأن قد قربت نهاية متاعبكم . أم إنذار
بالهزيمة موجه إلى أبطال الإنتفاضة .. شئ محير فعلا . في كل دول العالم قوانين تقضي
بإعدام كل من يضعف الروح المعنوية للمقاتلين أثناء الحرب ، وكل الثورات الناجحة
طبقت هذا الجزاء الرادع على من أرادوا ـ بأية طريقة ـ سلب الشعوب المناضلة من أجل
حريتها الثقة في النصر . ولا أزيد وإن كان ما أريد قوله مفهوما ..
ثالثا
: نأتي أخيرا لما يسمى المؤتمر الدولي . ونسأل ما المقصود
بالمؤتمر الدولي ؟ إن كان المقصود مؤتمر يضم كل الدول الراغبة في
المشاركة فيه المعبر بالتالي عن الرأي العام الدولي . فإنه منعقد من سنين وينعقد
كل سنة وما تزال القضية الفلسطينية على جدول أعماله ولقد انتهى هذا المؤتمر الدولي
إلى أن الصهيونية حركة عنصرية ، وأن المقاومة الفلسطينية حركة تحرر وطني لها الحق
شرعا في أن تقاتل من أجل تحرير فلسطين كما انتهى إلى عشرات القرارات التي تدين
المؤسسة الصهيونية المسماة إسرائيل . يعرف هذا المؤتمر الدولي الجامع لكل دول
العالم باسم " الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة " التي أنشأها ميثاق
الأمم المتحدة كممثل للمجتمع الدولي . هذا هو المؤتمر الدولي حقا لمن يريد مؤتمرا
دوليا صدقا أما مؤتمرهم المسمى " دولي " فهو مجموعة محددة من الدول
معروفة بأسمائها اعترفت كلها بدولة الصهاينة وعبرت كلها عن رأيها المعادى لتحرير
أرض فلسطين ورفضت كلها أو امتنعت عن إدانة الصهيونية بالعنصرية وتنكر كلها على أية
دولة فلسطينية كامل السيادة على الأرض التي ترشحها لقيام الدولة ، وتحمل الدولة التي
ترشحها للفلسطينيين حق ارتفاق دولي " يضمن أمن دولة الصهاينة .. " على
هذا وغيره هم متفقون ومطلوب أن يذهب وفد يختارون هم أعضاءه ليرقص في ساحة المؤتمر
على ألحان تلك الدول وتحت رقابتها . .
فلماذا تبيعون
تأييد دول العالم كلها بأرض دول خمس ، وما الذي تستفيدون من حضور مؤتمر تلك الدول
لتسمعوا قراراتها المعلنة من قبل المؤتمر .. أم أن فينا من يريد أن يبحث عن براءة
كاذبة من الاستسلام احتجاجا بأن تلك ـ يا أخي إرادة المؤتمر الدولي ..
رابعا
: وآخرا ما المقصود بتعبير "
شخصيات معتدلة " و " برنامج سياسي معتدل "؟.. أين يقع موقف
الإعتدال بين الحرية والعبودية ، بين الإحتلال والتحرير ؟ أين موقف الإعتدال بين اغتصاب
الأرض أو اغتصاب العرض ؟..
عن مقومات الدولة الفلسطينية .
(3)
هناك رأيان
مختلفان حول مقومات الدولة الفلسطينية القادمة ( التي لم تقم بعد ) أحدهما يرى أن
هذه الدولة ستكون ضعيفة ومحاصرة وأنها لا تملك المقومات الإقتصادية للتطور ولن
تكون قادرة على حل مشكلة اللآجئين الفلسطينيين ولا تستطيع استيعابهم وستخضع
للتهديد الإسرائيلي على الدوام وستدفع ثمنا كبيرا لقيامها . هذا رأى مبتسر . إذ لو
أخذ على ما هو عليه يعني أن الأفضل بقاء الإحتلال . ولكني لا أعتقد أن أصحابه
يذهبون إلى هذا المذهب الخائن بل يخفون حلا يضيف إلى فلسطين الضعيفة ما يعتقدون
أنه مصدر للقوة وفكا للحصار . قد يكون الحاقها بإحدى الدول العربية . على أي حال
ضعف الدولة الفلسطينية ليس حجة مقبولة ضد إقامتها على أرض متحررة من الإحتلال .
ولو كانت حجة مقبولة لفقدت أغلب دول العالم الثالث ، بما فيها جميع الدول العربية
مبرر استقلالها ولعرضت أرضها وشعوبها للبيع على بعض الدول المتقدمة القادرة على حل
مشكلات الحياة فيها . وهو كلام صغير . الإستقلال الوطني هو بداية تحقيق الممكن من
التطور الاقتصادي والاجتماعي وهو بداية يشبع في الإنسان حاجة ذات أولوية مطلقة على
كافة الإحتياجات الإقتصادية هي الحاجة إلى الحرية وتحقيق الذات واحترام النفس
والإعتزاز بالإنتماء إلى مجتمع من الأحرار ثم التقدم بما هو ممكن على طريق التطور
الممتد إلى ما لا نهاية ..
ثم أن فلسطين
المستقلة لن تبقى طويلا مستقلة . فبدأ من الإستقلال تأخذ دورها مع باقي الدول
العربية ، الضعيفة مثلها ، إلى المصير المشترك في دولة الوحدة العربية إن لم يكن بالوعي
القومي فبضرورات الحياة التي تدفع الأجزاء إلى الإلتحام لتستطيع الحياة في عصر
الدول الكبرى والإنتاج الكبير . وفى دولة الوحدة تجد دولة فلسطين وكافة الدول
العربية المقومات الإقتصادية وغير الإقتصادية التي تعوض ضعفها وعجزها عن حل مشكلات
الحياة فيها .
الرأي الثاني هو
أن في الدولة الفلسطينية بداية العد العكسي للصهيونية وبداية التراجع التاريخي
لوجودها لأنها النقيض للحلم الصهيوني . لا . الدول الفلسطينية إن قامت فهي الجارة
الشرقية للدولة الصهيونية حيث يؤكد كل منها وجود الأخرى وتشتركان في الحفاظ على
الحدود المشتركة . التناقض لا يقوم بين الأهداف المرحلية القابلة للتغيير مع
استمرار الصراع . من هنا نقول أن نقيض الصهيونية نظرية هي القومية العربية نظرية .
ونقيض الصهيونية حركة هي وحدة القوى العربية التقدمية . ونقيض الصهيونية غاية (
دولة من النيل إلى الفرات ) هي الوحدة العربية ( من المحيط إلى الخليج ) ولا يحل
التناقض نهائيا إلا بانتهاء الصراع بنصر حاسم لأحد النقيضين على المستويات النظري والحركي
والاستراتيجي ، تحرير أرض فلسطين ينهي وجود الدولة الصهيونية ، ولكن الصراع لن ينتهي
، فليس ثمة ما يحول دون محاولة المنظمة الصهيونية العالمية من العودة إلى محاولة اغتصاب
الأرض العربية إلا بقيام دولة الوحدة العربية القادرة على احتضان الأرض العربية
كلها وحمايتها ضد الصهيونية وكل قوى العدوان كبيره أو صغيرة .
ثم يقولون حقا
يراد به باطل : إن الأجيال القادمة ستكون قادرة على تحديد مهامها المستقلة بعد أن
وجدت لها قاعدة آمنة في دولة مستقلة ويزيدون تفصيلا فيقولون إن الأمر نفسه ينطبق
على الأجيال العربية القادمة وإمكانيات النهوض القومي .
هذا حق بشرط ألا
تفرضوا على الأجيال القادمة أعباء من عندكم ، ألا تقيدوا إراداتهم بقيود من صنعكم . إن كنتم غير قادرين على
التقدم فاثبتوا ولكن لا تستسلموا لأعداء أمتكم . افعلوا ما أنتم قادرون عليه .
ناوروا مناورة المنتصرين أو المنهزمين ولا أحد يلومكم ، وكل الناس يعرفون الظروف
الصعبة المعقدة التي تحيط بمعركتكم ولكن
لا تعترفوا تحت أي ظرف ومقابل أي ثمن بدولة الصهاينة لأن اعترافكم سيكون حجة ثقيلة
ضد الأجيال القادمة . ستعوض أولا إعادة تعبئة قوى التحرير ، وستحملهم ثانيا عبء
مواجهة العالم كله الذي لن يقبل بسهولة التراجع عن الإستسلام ، وستحرمهم ثالثا من
شرعية القتال من أجل استرداد الأرض التي اعترفتم بأن لا حق لكم فيها ، وستمكن
الصهاينة ثالثا من التخطيط للمرحلة التالية لتحقيق حلمها الكبير ، وستجبرهم
إسرائيل ، بتأييد العالم كله ، على التعامل معها و " التطبيع "
والعلاقات المتبادلة كما يحدث بين الدول التي تتبادل الإعتراف . لا تأخذوا دولة
على طريقة كامب ديفيد ..
أما إن كان
المعروض عليكم دولة فلسطينية مستقلة على أي جزء من أرض فلسطين لا يتضمن قبولها اعترافا
صريحا أو ضمنيا مباشرا أو غير مباشر بدولة الصهاينة فاقبلوها بدون تردد على أية
مساحة من الأرض وسيبقى التأييد العالمي مساندا للأجيال القادمة ، وإلا فحذرا من أن
تقبلوا دولة فلسطين يكون قبولها تأييدا وتأكيدا وشهادة منكم أنتم أصحاب الأرض بأن
للصهاينة حقا في الأرض .
بالمناسبة ، هل
هناك دولة فلسطينية مستقلة على أي مساحة من الأرض معروضة عليكم بدون شروط صهيونية
؟..
كفى أحلاما إذن
..
عن الخلاف الصهيوني ـ الصهيوني .
(4)
ويقال أخيرا أن
الإنتفاضة قد أوجدت استقطابا في الكيان الصهيوني بين مؤيد للإنسحاب من " معظم
" الأرض المحتلة وبين معارض للإنسحاب
ولو من شبر واحد مما يسمون أرض الميعاد ودفعت بهذا الاستقطاب خطوات كبيرة
إلى الأمام حيث لم تعد هناك حالة من الوسط السياسي . هناك أغلبية ترفض "
التنازل الأول " الذي سيفتح شهية العرب لمزيد من الأرض وأقلية تعترف باستحالة
السيطرة على شعب آخر للأبد .
لا أصدق هذه
المقولة وأنا عارف تماما وبالتفصيل مبادئ وتكوين وأهداف أولئك الذين يقال أنهم
أقلية . الأقلية التي تعترف باستحالة السيطرة على شعب آخر للأبد لا تأتي بجديد . إنها تردد خبرة تاريخ العالم . ومع ذلك فإنها لا
تحدد " مساحة " السيطرة ولا
تسمي الشعب المقهور أن غايتها أن تستدرج أصحاب الأرض إلى قبول صفقة السلام مقابل
الأرض . على أي حال نجحت الإنتفاضة في فرض الخوف على الغطرسة الصهيونية وإثارة
الشك في صحة منطلقاتهم الفكرية وغاياتهم السياسية وأساليبهم الإرهابية وخلقت طائفة
من الحيارى وهو أول مظاهر انفراط الكيان المصطنع أصلا ، إذن ، إلى الأمام ، مزيد
من فاعلية السلاح الذي أثبت فعاليته ، ولكن بالله عليكم ، كيف وأنتم تشهدون آثار
ثورة لم تتمم عاما تريدون أن تنقذوا أعدائكم فتكتفون بما تحقق وتتخذون من حجة
لإعادة الإيمان بالصهيونية " إلى من بدأوا يشكون في صحتها .. حرام عليكم ..
القاهرة
فى : 2 أكتوبر 1988 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق