بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 يناير 2012

دروس من الماضي ...



دروس من الماضي ...

عشية قيام ثورة يوليو 52 كانت طبقة كبار الملاك تسيطر على المشهد السياسي في مصر نظرا لما يوجد بيدها من سلطة مادية ومعنوية ، لا تقتصر على ما تتسحوذ عليه من ارض وممتلاكات فحسب ، بل وعلى ما تتلقاه ايضا من دعم ومؤازرة وحماية وتبجيل من قبل سلطة الاحتلال .. 
وفيهذا الصدد فقد كان يعتبر مالكا كبيرا كل من له اكثر من 50 فدانا وهم  كما يشير الكثير من الباحثين  حوالي 13000 فردا ، يمثلون تقريبا 0.4 % من الملاك الذين يسيطرون على 34.2 % من الاراضي الزراعية ( محمد عادل زكي ـ الاقتصاد المصري )  !! وقد كانت هذه الطبقة - وفي ظل هذا الوضع - تبسط نفوذها وهيمنتها المطلقة على البلاد والعباد ، فقد كان منهم القادة و السّاسة والوجهاء والباشوات والباهوات والعمد .. كما كان  لابنائهم التعليم  والمراتب العليا في الامن والجيش ، ومنهم يتعين رؤساء المخافر  والملازمين  ، ورؤساء المحاكم  والوزراء .. وهم  وحدهم يملكون الصحافة والاعلام .. وينشئون الاحزاب ، ثم يترشحون للانتخابات ، بينما ابناء مصر يعيشون البؤس والحرمان والشقاء ، تفنى اعمارهم وهم يلهثون وراء لقمة العيش التي تبقيهم احياء لا غير .. اما السياسة فلها رجالها القادرون عليها  ، لان المترشح لعضوية مجلس النواب مثلا يجب ان يكون من المالكين لـ 50 فدانا على  الاقل ، ثم عليه ان يدفع ضريبة المشاركة وقدرها 150 جنيها عند تقديم ترشحه ( حوالي 3000 جنيها ـ عصمت سيف الدولة ـ هل كان عبد الناصر ديكتاتورا ) !!! أما المترشح لعضوية مجلس الشيوخ فلابد  ان يكون مالكا لـ 150 فدانا على الاقل مع دفع اضعاف ما يدفعه المترشح الاول ضريبة نقدية !! كما يلزم ان يقدّم الهبات والهدايا حتى ينال رضى من يرغب في ارضائهم ... ولا يتوقف الامر عند هذا الحد ، بل ان الترشح لادارة هيئة محلية كمجالس المديريات ، كان يتم  بشرط  ان يدفع المترشح مبلغا  لا يقل عن 30 جنيها سنويا !! أي باختصار فان كل القوانين التي وضعت كانت لاقصاء البسطاء وابناء العمال والفلاحين من المشاركة السياسية بما وضعته امامهم من عراقيل مادية يستحيل عليهم تجاوزها ... انها ديمقراطية الاقطاعيين والراسماليين  وهم تلك الاقلية التي ظلت تمثل طابورا خامسا داخل المجتمع بعد قيام ثورة يوليو عندما تصدّت لهم و  حلّت احزابهم الفاسدة ، وجرّدتهم تدريجيا من قوّتهم المادية حينما أعلنت قوانين الاصلاح الزراعي بعد شهر  من قيام الثورة   ( 9 سبتمبر ) وعندما بدأت في تطبيق تلك القوانين بعد شهر آخر  ( 15 اكتوبر ) ، معلنة بذلك انتصارا لا رجعة فيه وانحيازا غير مشروط للطبقات الكادحة التي هبّـت بدورها لحماية الثورة من كل اعدائها داخل مصر وخارجها ..  وفي مثل هذه الاجواء من الصراع بين قوى الثورة والثورة المضادة ، قد يبدو الامر غريبا  فعلا ،  ان تستمر الثورة  وهي تخوض حربا على عدة جبهات وفي وقت واحد على الاقطاعيين والراسماليين  بنفوذهم واموالهم وعلاقاتهم وعلى الاحتلال البريطاني الجاثم على ارض مصر بقواعده  وصواريخه وطائراته ، وعلى امريكا والصهيونية وحلف بغداد ، وكل الانظمة العميلة في المنطقة  .. غير ان  الاجابة تبدو على قدر كبير من الوضوح  : وهي ان الثورة انتصرت بمن انتصرت لهم من عمال وفلاحين حين وجّهت اولى ضرباتها للاقطاع ثم للراسمالية ..  فأصدرت قوانين تحديد الملكية ووزّعت الاراضي على الفلاحين ، وفرضت عديد المكاسب للعمال كتخفيض ساعات العمل وتحسين الاجور ومنع الفصل التعسّفي من العمل ، وعمّمت التعليم وبنت المستشفيات والمعامل والمصانع وامّمت الشركات والبنوك وبنت السدود ...  ثم ارست الثقافة البديلة والتعليم البديل والفن البديل .. و قضت على المحسوبية واصلحت الادارة ، ومنحت حق التمثيل في المجالس المحلية وفي مجلس النّواب للعمال والفلاحين ..
باختصار ، لقد انتصرت ثورة يوليو على أغلب أعدائها لانها احتمت بالقوة التي لا تقهر وهي قوة الشعب ، فالثورة لا يحميها الا اصحاب المصلحة فيها عندما يشعرون فعلا ان الثورة ثورتهم ، بما تحققه لهم من مكاسب  ملموسة لا غير ..

 ( نشرية القدس العدد 4 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق