ذكرى 9 افريل بين عهدين ..
عندما يكون جزءا هاما من تاريخنا مزيّف يكون
من الاهمّ التدقيق في كل كبيرة وصغيرة منه ليس لتصحيحه فقط وانما لانصاف الكثيربن
ممن ضحوا بارواحهم وهم اوّل من شملهم النسيان طوال العهد البائد ...
ففي كل عام تأتي ذكرى مرّ عليها أكثر من سبعين عاما ، هي ذكرى الشهداء الابرار الذين استشهدوا يوم 9
افريل 1938 عندما خرجوا الى الشوارع غاضبين ،
مطالبين بالحرية والكرامة ورحيل المستعمر واقامة حكم ديمقراطي تحت مظلّة
برلمان منتخب وحكومة وطنية .. فواجتهم سلطة الاستعمار الفرنسي بالرصاص ..
وقد كانت تلك المظاهرات الحاشدة التي خرج فيها الرجال
والنساء على حدّ السّواء محطة فاصلة في تاريخ النضال الوطني ، اذ كسر الشعب من خلالها حواجز الخوف وشق طريق
النضال الصحيح نحو نيل مطالبه بالقوّة وليس بالتوسّل أو بالمساومة .. وهذا ما وقع
فعلا اذ سرعان ما ظهر أثر ذلك على وعي الناس بقضيتهم فتبلورت فكرة المقاومة المنظـّمة والمسلـّحة وتشكّلت في
الاربعينات والخمسينات بداية بظهور جماعات شعبية مسلحة تقاوم المستعمر مثل فلاقة
المرازيق ( 1943 – 1944 ) وفلاقة زرمدين ( 1945 – 1948 ) .. ثم بتصدي اتحاد العمّال
لسياسة القمع الاستعمارية .. كما ظهر تنامي الحس القومي لدى التونسيين بمساندة القضية الفلسطينية وبالخصوص بعد صُدور قرار التقسيم سنة 1947 وحتى قيام الدولة العبرية سنة 1948 ..
لقد كانت هذه المرحلة فترة مخاض الثورة المسلــّحة الحقيقية التي بدأت بوادرها
تظهر للعيان ليشتد عودها في بداية الخمسينات من خلال العديد من مظاهر المقاومة
الشعبية في الشمال والوسط والجنوب . حيث شهدت كل هذه المناطق نماذج مختلفة من
المقاومة فكانت سياسة القمع تزداد في نفس الوقت ضد المواطنين ، منها قمع التحركات بجهة الساحل في فيفري 1952
، واغتيال فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952 والهادي شاكر في سبتمبر 1953 ، وقيام
المقاومة المسلحة بالارياف سنة 1954 ، ثم
وقع تتويج كل هذه المحطات بالمقاومة الواسعة بعد اعلان الاستقلال الداخلي الذي رأى
فيه اليوسفيون بقيادة صالح بن يوسف غدر بثورتي الجزائر والمغرب من خلال اختيار
بورقيبة للمسار المنفرد . كما رأوا فيه
كذلك انتقاصا من سيادة تونس واستقلالها فشدّدوا على نيل الاستقلال التام دون شروط
مع جلاء القوات الاستعمارية عن ارض الوطن . وهو ما شكل نقطة خلاف جوهرية أدّّت الى ظهور الازمة اليوسفية البورقيبية ، وملاحقة
هذا الاخير لليوسفيين ، والتنكيل بهم وقتلهم في ساحات القتال بالتحالف مع الجيش الفرنسي
ثم تتبّعهم بالمحاكمات والاعدامات والتعذيب وحرمان ذويهم من حقوقهم ومضايقتهم لمدة
عقود بأكملها ..
و في الحقيقة لقد ظـُـلم ثوار تونس العديد من المرات :
* اوّلا عندما نُسب كل ما قام به هؤلاء الذين
ضحوا بارواحهم الى شخص واحد وزعيم أوحد طوال فترة حكم بورقيبة الذي اختزل تونس بأكملها في شخصه المفدّى
، فكان المجاهد الاكبر والمفكر والعبقري والمنقذ الخ ..
* ثانيا لقد ظُـلم هؤلاء الثوار والشهداء في كل احتفال رسمي بذكرى
الشهداء حيث يقع كل سنة اختزال اعترافنا بما قدّموه في وقفة لرئيس الجمهورية في
مقبرة الشهداء و قراءة الفاتحة و وضع اكليل من الزهور ليتحوّل بعد ذلك استغلال هذه
الذكرى للتنويه بما يقوم به الرئيس و ليس بما فعله الشهداء ..
* ثالثا لقد ظـلموا جميعا و أُخذوا غدرا من اوّل
شهيد منهم الى آخرهم عندما وقع تزوير تاريخ الحركة الوطنية باكمله واصبحت فصوله تدور كلّها حول شخص هو في تلك القراءة ،
الرمز الوحـيد لتونس الذي كان الاكثر وعيا في شعب كلّه جهل فلا يستحق حتى الانتخابات
النزيهة لذلك لم تشهد تونس طوال فترة حكمه والذين أتوا من بعده إلا التسلّط والاستهتار
بقدرة الشعب الذي عاش في الزيف على مدى خمسين عام من الحكم الفردي المقيت ..
* رابعا لقد ظـّـلم هؤلاء جميعا عندما اُدين من بقي
على قيد الحياة من اخوانهم بسبب المقاومة فوقعت محاكمتهم ثم حبسهم وتعذيبهم او إعدامهم
او تشريدهم ، لأنهم حملوا السلاح وصمّموا
على اخراج المستعمر تماما كما نادى بذلك شهداء 9 افريل ...
* وأخيرا وليس آخرا لقد ظــُـلم هذا الشعب
باكمله ، عندما تنكّر حكّامه لهويته التي ضحّى من اجلها رجال آمنوا بعروبتهم و إسلامهم
، فدافعوا عنهما بدمائهم طوال فترة الاستعمار الفرنسي قادها المتعلّمون من رجال الزيتونة وغير
المتعلـّمين من رجال تونس الذين تربّوا على قيم الحضارة العربية الاسلامية ، لذلك
انظمّ اغلب التونسيين الى الحركة اليوسفية التي قادت معارك الدفاع عن استقلال
الوطن وهويته العـربية الاسلامية ...
( نشرية القدس العدد 14 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق