بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 مايو 2012

في ذكرى الـنــّــكبة ... دروس وعـبر ...



    في ذكرى الـنــّــكبة ... دروس وعـبر ...

يوافق يوم 15 ماي من كل سنة يوم مشؤوم في تاريخ العرب والمسلمين ، ذلك اليوم الذي أُعلن فيه الصهاينة عن قيام دولة " اسرائيل " في فلسطين العربية بعد عقود من الصراع  بين العرب والحركة الصهيونية التي وجدت في الدول الاستعمارية ، خير سند لتحقيق اهدافها باقامة دولة عـنصرية غـريـبـة عن الجسم العـربي سنة 1948 .. .  وقد ساعدت ظـروف  الواقع العربي المتدهورة آن ذاك في تحقيق المشروع الصهيوني ، منها ضعف دولة الخلافة ورغبة الأتراك في المحافظة على وحدتهم مقابل التفريط  في وحدة العـرب ، حيث بدأت الدول الاستعمارية تـنهب الأقطار العـربية الواحد تلو الآخر ، وتجعلها تحت الحماية أو الانتداب ..
و قد كانت نتائج السياسة الدولية في مطلع القرن الماضي  وخيمة و مدمّرة بالنسبة للامة العـربية  من خلال مشروعين لا تزال تعاني منهما الى الآن  ، بسبب تكريس واقع  الاحتلال  والتجزئة معا .. الاوّل مشروع سايكس بيكو سيّء الذكر الذي صدر سنة 1916  وقد كرّس  تقسيم الوطن العربي الى اقطار متعددة ووضعها تحت السيطرة الاجنبية ، والثاني  وعد بلفور  الصادر سنة 1917  من طرف المحـتل البريطاني الذي لا يملك ، فاعطى وعدا  لمن لا يستحق من الصهاينة باقامة وطن لليهود ... ولم يلبث أن تحوّل ذلك الوعد الى عمل ميداني بدأ خلسة  بتجميع اليهود من كافة الجنسيات والقوميات في فلسطين  ، و بالتحيـّـل والخداع  والتسهيلات لشراء الارض ،  ثم  تواصل بالسكوت عن جرائمهم ودعمهم بالسلاح  والمعدات ، والدفاع عنهم في منظمة الامم المتحدة ، حتى انتهى  باقامة كيان غريب على الارض العربية واخراج اصحابها الاصليين الذين تحولوا في ظرف وجيز الى لاجئين  ومنكوبين ..
 ان احياء ذكرى اغتصاب فلسطين هو تقليد نضالي انطلق منذ احتلال فلسطين ، واقترن فيه  تذكـّر الوقائع الاليمة التي عاشتها الامة العربية قبل النـّـكبة وبعدها  بالتذكير دائما بالثـّوابت  المتمثـّلة في التـّمسّك بالارض وبحق العودة اللامشروط ، كما كان دائما يوما غاضبا تحييه الجماهير العربية بالمسيرات  والاحتجاجات ، والجماهير الفلسطينية بالمصادمات مع قوات الاحتلال الصهيوني في الداخل  ..
أكثر من نصف قرن يمر على اغتصاب الارض شهدت الامة  العربية خلالها  تأرجحا بين العديد من الحلول ، اختلفت من حقبة الى اخرى حسب طبيعة القوى التي تــُـدير الصّراع . فلقد مثلت الحقبة الناصرية تصاعد المواجهة مع الاعداء  والتمسك بالثوابت والحقوق التاريخية مهما كانت النتائج ،  دون التنازل  لاجل مصالح آنية ، امنية كانت او اقتصادية .  وقد استطاعت تلك الخيارات ان تامّن العديد من المكاسب للقضية والجماهير  رغم الهزيمة العسكرية  في بعض المعارك التي كان يحسمها دائما التفوّق العسكري وتحالف الاعداء والعملاء مع الصهاينة ودعمهم اعلاميا وماديا وعسكريا  ...
وقد كان من أهم هذه المكاسب شعور المواطن العربي بالكرامة  والكبرياء ، وتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب لدعم خيارات المواجهة ، وتطهير الوطن العربي من الاستعمار والاحلاف المشبوهة كحلف بغداد ، واسقاط انظمة الامامة المتخلفة في اليمن والعراق ، والوقوف الى جانب الثورات الشعبية ضد المستعمر في الجزائر وتونس وفلسطين .. كما ساهمت في  قيام سياسة عدم الانحياز على المستوى العالمي ، وانشاء مشاريع التصنيع الكبرى التي عرفتها مصر  والجزائر والعراق ... ومحاصرة المشاريع الانهزامية  والرجعـية ،  حيث كان مجرّد النطق بالتطبيع او الوقوف في مؤتمرات دولية يشارك فيها االعدو  جريمة كبرى ، لا يجرؤ على ارتكابها احد .. و رغم هذه الانتصارات  فان القوى المضادة لم تكن مستسلمة بل انها كانت تعمل دائما ، و بكل الوسائل لافشال تلك النجاحات ، وتحويلها الى يأس وهزيمة على المستويين النفسي والميداني .. الى ان جاءت الحقبة الساداتية في مصر التي ادّت الى خروج مصر عن الخط القومي ، بل انّها دخلت في صف الاعداء ، فانتكست الامة باكملها ..
ولعل من ابرز الدروس المستفادة في هذا مجال  ان نتذكر بان الامة العربية لم يتمكن منها اعداؤها تاريخيا الا في الفترات التي كانت تشهد فيها تشتتها وتمزّقها ، والدليل على ذلك هزيمة العرب في مناسبتين امام الصليبيين  والتتار ، حيث كانت تمر فيهما بالفرقة والضعف والهوان .. كما ان الامة العربية لم تستطع تاريخيا دحر اعدائها  والانتصار عليهم الا عندما استعادت  قوّتها و وحدتها لتتمكن بذلك من النصر على نفس الاعداء :
انتصرت على الصليبيين في الحالة الاولى بعد انقضاء قرن كامل  استطاع في نهايته صلاح الدين الايوبي من تحقيق النصر باسترجاع بيت المقدس واجلاء الجيوش الغازية الى ما وراء البحار  بعد ان قام بتوحيد مصر والشام و ليمن ..
كما انتصرت على التتارفي الحالة الثانية بعد انقضاء نصف قرن من الحروب  والهزائم  استطاع في نهايتها قادة مصر  والشام و بلاد الرافدين من تحقيق النصر النهائي على فلول التتار والصليبيين بعد توحيد كلمتهم وجيوشهم .. واذا كان العرب اليوم في زمن فرقـتهم  قد فقدوا أرضهم ومكانتهم  بسبب ضعفهم امام الصهاينة والقوى المتحالـفة معها ، فان النصر يبقى رهـيـن بالـتـنـبّه الى ما يستحقه من تغـييـر لازم للظروف  كما حصل في الماضي ... وتـلــك العــبـــرة لمن يعــتـبـر ..
 ( نشرية القدس العدد 19 ) .                                                                               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق