بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 أبريل 2015

الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (8) .



الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (8) .

لنبدأ في هذه الحلقة من حيث انتهينا : لماذ فشلت الحركة القومية ونجحت الحركات الدينية في الوطن العربي ..؟ وهو سؤال  ذو شقين كما يبدو .. شق عن الفشل ، والشق الآخر عن النجاح .. مما يوحي بأن المسألة محسومة على هذا الوجه الذي يسير في اتجاه التراجع الجماهيري عن الولاء للمشروع القومي واتخاذها بديلا عنه المشروع الذي يعادي وحدة الامة ، وبناء نهضتها ، وهو غير صحيح .. اذ أن المجتمعات رغم أنها تتأثر سلبا أو ايجابا أثناء تطوّرها بواقع الناس ، فتشهد تسارعا أو ركودا خلال حركتها ، الا أن ذلك التأثر لا يمكن أن يقود الى نتائج مضادة لاتجاه تطور المجتماعت ، والواقع القومي هو تلك الحصيلة التي أفضى اليها اتجاه االتطور منذ قرون ، فلا يمكن أن يكون المجتمع العربي استثناءا ، ولا بد أن يعود مطلب الوحدة بأكثر حدة في المستقبل رغم كل العقبات الموجودة حاليا وذلك لعدة اسباب أهمها :      
ـ أولا : لأن المشروع القومي هو المشروع الوحيد الجامع ، الذي يمكن أن تحتمي به كل الكيانات الصغيرة ، وهو المشروع الوحيد أيضا ، الذي يستطيع أن يستوعب كل المتناقضات ، ويحافظ على التنوّع والاختلاف ، دون أن يشعر أي طرف بالهيمنة أو بالتهميش في أطار وحدة المجتمع والمصير القومي ، في ظل دولة قومية موحدة ، هي دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية ..
ـ وثانيا : لأن كل المشاريع المطروحة وأولها المشروع الديني هي مشاريع طائفية ، تفتيتية ، لا تؤدي في النهاية الا الى التفرقة والتقسيم ، إما على أسس ايمانية عند المتطرفين (مؤمنين وكفار مثلما يحدث الآن لبعض الجماعات في سوريا والعراق) أو دينية (مسلمين ومسيحيين ، .. كما حدث في السودان خلال فترة حكم الاخوان ، أو كما يحدث في لبنان منذ عقود مضت ) ، أو على أسس مذهبية ( سنة وشيعة وعلويين ويزيديين .. كما يحدث الآن في العراق واليمن وسوريا ) ، وهكذا الى ما لا نهاية .. على غرار الصراع الطائفي الذي امتد ـ عند البعض ـ منذ الفتنة الكبرى في عهد الخلافاء الراشدين الى اليوم ، بنفس الأحقاد ، ونفس الثارات ، ونفس الأساليب وكأن العالم لم يتغير أبدا ..           
ـ وثالثا : فان المجتمع العربي الذي ظل يواجه موجات الغزو والهيمنة منذ قرون ، لا يمكن ان يكون استثناءا ، فيفرّط  في أمنه واستقراره وثرواته التي تمثل مصدر عيشه حاضرا ومستقبلا .. وبالتالي فانه سيكتشف حتما ـ حتى ولو طالت معاناته ،  بأن التفتيت والتجزئة عاجزين عن توفير تلك الشروط اللازمة لبقائه وتطوّره ، وسيكون مطلب الوحدة اختيار الضرورة ان لزم الأمر، ولو بين أقطاره الأكثر فقرا ، وصراعات ، وتخلفا ..     

قد يتسائل البعض لماذا المقارنة بين الحركات الاسلامية والحركة القومية في حديث عن المشروع القومي ..؟
وقد يتساءل البعض الآخر لماذا لا يتم التقارب بين المشروعين في الوطن العربي ، لتحقيق الوحدة في اطارها القومي ومضمونها الاسلامي ..؟                                                                      
 قد تكون كل هذه الاسئلة مشروعة .. غير أن الهوّة بين المشروعين قد زادت في الآونة الأخيرة ، وبالتالي فان فرص التحالف بينهما باتت ضعيفة الى ابعد الحدود باعتبار الطبيعة الانعـزالية للحركات الاسلامية ، وتطرف شرائح كبيرة منها كما هو حاصل الآن في أماكن متفرقة من الوطن العربي .. فضلا عن ولائها لقوى اقليمية رجعية ، وقوى أخرى دولية معادية لمصالح الأمة ، الى جانب خياراتها الاقتصادية الليبرالية التي تتعارض مع خيارات الحركة القومية ..  

والواقع  فان الحديث عن النجاح والفشل ، يمكن أن يأتي في اطار محاولة الفهم لما يحدث في المجتمع العربي من تقلبات ، قد يرى فيها البعض حسما وانتصارا نهائيا ، وهو غير صحيح .. فالحلول الأكثر تخلفا ، يمكن أن تكون أكثر رواجا في فترة من الفترات .. مثلما حدث في المجتمعات الأوروبية التي عرفت اسوأ أنواع التخلف والتطرف حتى غرقت في تلك الحروب والصراعات الدموية التي راح ضحيتها  عشرات الملايين من البشر .. انتهت كلها بتوحيد أممها ، ثم بانتقالها الى قيادة العالم في مجالات العلم والتكنولوجيا والديمقراطية وحقوق الانسان .. 

 ( نشرية القدس العدد 171 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق