بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 أغسطس 2015

الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (19) .

                الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (19) .


ـ ثالثا : الثوابت  :  

1 - نظرة  عامة  ..

إن الاعتراف بأولوية الإنسان أصبح أمرا مفروغا منه داخل الحركة القومية عامة .. فهو القائد ، والمغير للظروف والمطوّر للواقع ... وفي إطار هذه المسلمات الأولية ، يصبح  الواقع الذي يعيشه الناس مجتمعين  واقعا اجتماعيا تنتقل فيه  بالضرورة إيقاعات حركة الجدل الفردي إلى المجتمع المتكوّن من جميع الأفراد ،  ليأخذ صورته الاجتماعـية في حل المشكلات داخله عن طريق الجدل الاجتماعي ( الديمقراطية ) ..
قد يكون هذا مفيدا بالنسبة للبعض ، لان التسليم بهذه الأفكار يؤسس لمفهوم الديمقراطية على أساس منهجي جاعلا منها :
- ساحة واسعة لممارسة الجدل بين الناس ، وفرز الحلول الصحيحة اللازمة لتغيير الواقع ..
- واطارا يحفظ الوحدة بين مكونات المجتمع من خلال الحسم الديمقراطي باختيار الحل الاغلبي .. سواء كان ذلك المجتمع جماعة ، أو حزبا ، أو مؤسسة ، أو وطنا بأكمله ..
وحتى في غياب هذه المسلمات المنهجية ، فان مبدأ الديمقراطية القائم على المشاركة في طرح المشكلات ، والبحث المشترك عن حلول للواقع والتزام الجميع باختيار الحل الأغلبي ، مسلم به اليوم على نطاق واسع ، ويؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة القائلة بأن " الديمقراطية هي الأسلوب الأمثل لتطور المجتمعات "..
وفوق هذا فان مثل هذا " التأطير" المنهجي  مفيد فعلا  في فهم مشكلة التشتت التنظيمي داخل الحركة القومية ، وما يتبعه من معارك كلامية  وسجالات ، مبنية كلها على  جدل عقيم ، لا يزيد المشكلة إلا تعقيدا .. قد يكون بعضه بسبب سوء الفهم ، أو لسوء الظن بالآخرين ، أو بسبب الاعتقاد الخاطئ في امتلاك الحقيقة كاملة ، أو لأي سبب ذاتي متعلق بالاشخاص .. غير أن وراء تلك الظاهرة سبب موضوعي يتعلق بقيام المشكلة الأم واستمرارها  ..
اذ أن المشكلات الفردية التي تواجه الناس لا تلبث أن تتحول الى مشكلات اجتماعية تتطلب مشاركة جماعية في تبادل المعرفة بالمشكلات التي يطرحها واقعهم ، ومشاركة جماعية في البحث لها عن حلول ، ومشاركة جماعية ايضا في تنفيذ ما يختارونه من حلول ..  وهو ما يعني في المقابل ـ وقياسا على الواقع الاجتماعي عامة ـ  أن مشكلة الفردية والتشرذم والتشتت بين القوميين لا تتوقف على ظاهرة التعدد التنظيمي الموجودة في الواقع ، بل تتعدّاه الى  تفتيت المقدرة الجدلية بينهم ، وهو ما يؤدي الى فهم الواقع بطرق مختلفة ، فتكون الحلول المفرزة بين صفوفهم بعدد الجماعات والاحزاب والكتل الموجودة على الساحة أو أكثر من ذلك بكثير .. أي أن ظهور المواقف المتباينة والتأويلات المختلفة ، تحصيل حاصل ، وأمر حتمي حتى ولو كره الكارهون ..
ورغم ان المشكل لا يكون ناتجا مباشرة عن مجرد الاختلاف ، الا أن المصالح المتباينة التي تحرك كل فصيل في معترك السياسة ، ستتحول بعد ذلك الى صراع مشاريع وتنافس لا يلبث بدوره أن يتحول ـ على المدى الطويل ـ الى صدام قد يأخذ أشكالا وأساليبا متباينة على غرار ما هو حاصل في العديد من الساحات ..
والواقع أن مثل هذه الحالة المتردية ظلت تتفاقم بسبب ما يترتب عنها من تأويلات لا تعود في أغلبها الى سبب الظاهرة وحدها ، بل الى ما فيها من مضامين قائمة على غياب الديمقراطية والخلافات الشخصية التي تظهر في شكل تراشق ، واتهامات ، وتخوين .. سرعان ما تكون لها انعكاسات سلبية شديدة على القواعد والكوادر الصادقة ، المنتمية لتلك الأحزاب ، والتي تلتجئ للاستقالات اما رفضا ، أو هروبا ، أو بحثا عن حلول جديدة .. لتبقى تلك الانفعالات تقود العمل القومي الى الاسوء باستمرار ..
وهكذا ظل أمل قيام الحركة العربية الواحدة معلقا على وهم الوحدة الفكرية من الالف الى الياء ، وهو أمر لا يستقيم بين الناس مطلقا ، حتى وان كانوا على دين واحد ، ومذهب واحد ومنهج واحد الخ ..
أما وقد تأخر موعد قيام الحركة العربية الواحدة لكل الاسباب الموضوعية والذاتية التي يعرفها القوميون ، الى جانب الخطر المحدق بالوجود الخاص والعام للانسان العربي في هذا العصر ، فلا بد من اللجوء الى وحدة الصف ولو على قاعدة  : " الوحدة في ظل التعدد " ..
قد يكون العمل من أجل تجسيد هذا الشعار خطوة أولية لازمة لتمهيد الطريق نحو الوحدة التنظيمية المنشودة ، أو على الأقل للحفاظ على الحد الأدنى الذي يعكس مبدأ الوحدة في صفوف الحركة القومية لتستقيم دعوتها مع الممارسة .. وهو ما لا يكلف اصحاب الغاية الواحدة أكثر من الالتقاء ثم الالتزام بخط سياسي عام يمثل الثوابت أو( المحكمات ) ، من أجل الوصول الى بناء مشروع شامل يحدد التوجّه النضالي العام الذي يضبط الحركة وفقا لتلك الضوابط " المحكمة " ، والتي لا يسمح بالخروج عنها ـ فرديا أو حزبيا ـ مهما كانت المتغـيـرات ، وهي التي لا تدخل في باب الضرورات تبيح المحضورات .. وما عدى ذلك يضبط داخل الاطر التنظيمية بعيدا عن المزايدات ، لانها جوانب يمكن ان يقع فيها الاختلاف حسب المقدرة الجدلية للأشخاص ، وحسب الظروف والمتغـيـرات ، دون الخروج عن الخط العام المتفق عليه .. وهو ما يعني ـ بعد ذلك ـ ان الاختلاف في مثل هذه الجوانب الفرعية لا يجوز فيها التخوين و لا الشتم او الاستهزاء او التشهير باصحابها أو ادعاء امتلاك الحقيقة فيها سواء داخل التنظيم الواحد أو بين مختلف التنظيمات القائمة .. كما لا يجب التشبث فيها بالرأي الا  للإقناع ، ثم لا يجوز  اللجوء فيها الى الانسحاب أو الاستقالة الحزبية ، طالما أن الاحتكام في حسم الاختلاف في وجهات النظر يخضع دائما للوسائل الديمقراطية التي  يكون فيها رأي الاغلبية هو النافذ داخل كل فصيل ..  ليكون بعد ذلك ، الالتزام بهذا الخط النضالي القائم على تلك الثوابت ، هو المحك الذي لا يخطأ في اظهار صدق الولاء القومي والنقاء العقائدي في آن معا ..
 
  2 – أمثلة :

موضوع الثوابت ( المحكمات ) ، قد يكون شائكا ومتفرّعا على العديد من النقاط الجوهرية التي يرتكز عليها المشروع القومي منها :
* في جانب العقيدة : 
لا يختلف القوميون حول حرية العقـيدة والتدين كـمبدأ ثابت في جميع الاديان ، غير أن الاسلام يبقى دين الاغلبية في المجتمع .. وأن حضارة المجتمع هي الحضارة العـربية الاسلامية التي تكوّنت في ظل هذا الدين الحنيف من خلال التعايش الذي نشأ بين مكونات الامة طوال قـرون من التفاعل والتواصل بلغة القرآن حتى جعل منهم أمة واحدة ..
* وفي جانب الحرية :
ترفض الحركة القومية كل ما يمس من  قـريـب أو من بعـيد بأمن أمتها أرضا وشعـبا ، ولذلك  نجـدها :
تتصدى منذ نشأتها للاستيطان والاستعمار بجميع مظاهـره : ( احتلال ، قواعد عسكرية ، تدخل خارجي ، تبعـية اقتصادية واملاءات الخ .. ) ، وهو ما يجعلها في كـثـيـر من الاحـيان تتصادم مع الحـركات السياسية في الداخل والانظمة التي تـتوخى هذه الاساليـب لتجـرّ الامة وتوقعها في فخ التبعـية والهـيـمنة ..
وهي تعـمل سياسيا على تحقيق الديمقراطية الحقيقية في دولة مدنية تحكمها قوانين عادلة لا تتناقض مع ثوابت المجتمع الدينية والحضارية وتتماشى مع متطـلبات عصرها ، وهي خطوات لا تتحقق دون القضاء على الخوف داخل كل فـرد في المجـتـمع حـتى يتحقـق الابداع الانساني بواسطة التـفـكـيـر الحـر، ويتحقق التعايش عـن طـريق المشاركة الواعـية بين الناس ، ليتحقق في النهاية الاستقـرار والنهوض بالمجتمع ..
* وفي جانب وحدة الوجود القومي :
ترفض الحركة القومية كل ما يمس من وحدة الامة وتعـتبـره عدوانا عليها مهما كان اسلوبه ، وهي ترفض كل ما حصل من احتلال أو اقـتـطاع لأجزاء من الارض العربية كما هو الحال  في فلسطين والعراق والجزر الاماراتية والاحواز ولواء الاسكندرون وجزر سبتة ومليلة المغـربية .. أو بواسطة مخططات التجزئة والتفتيت لما هو مجزء أصلا كما حصل في السودان ، وكما يجري الاعداد له في العـراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا .. ولذلك فهي تعمل بكل طاقاتها على تدعيم كل ما يعـيد وحدة الامة ويعيد لها حقوقها في اطار الاولويات .. وتقاوم في نفس الوقت كل ما يعـيق تلك  الأهداف .
* وفي الجانب الاقتصادي :
فان الاشتراكية نظامها الذي تسعـى من خلاله لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بكل ابعادها السياسية والاقتصادية حيث لا يمكن تحرير الارادة الانسانية دون القضاء على الاستغـلال بجميع مظاهـره  .. كما لا يمكن الحديث عن المساواة بين الناس دون توزيع عادل للثروات بين الافراد والجهات .. ودون ضمان لحق الشغل ، وتوفير الضروريات من مأكل وملبس ودواء وحاجيات فكرية وثقافية كحد أدنى لتحقيق الكرامة للانسان ..
* ... ثم ، لا بد من التأكيد على أن هذه المبادئ لا تتجزأ أبدا ، حيث لا يمكن أن تتحقق الحرية في ظل التبعـية ، ولا الديمقراطية في ظل الاستغـلال ، ولا العدالة والتقدم في ظل التجزئة والعـبودية ..

ـ رابعا : عينة من الواقع ..

بالنظر الى الواقع كثيرا ما نرى أن بعض المشاكل بين القوميين سببها تقييم ذاتي لمواقف وسلوك بعض الافراد  حينما يقع الاختلاف معهم في بعض القضايا فيتحول هذا التقييم الى تهجم على الآخرين .. وهنا يمكن تثور اسئلة مهمّة :
هل يمكن ان نطلب من القوميين جميعا  أن يكونوا على موقف واحد ، ورأي واحد تجاه كل القضايا المطروحة في الكل العربي والاجزاء ..؟
وهل يجوز أن ننتظر منهم أن يكونوا على نفس الدرجة  من الوعي والتفكير والكفاءة والعطاء ، لنحاسبهم على الاختلاف في اجتهاداتهم ..؟
وهل يجوز أن يكون كل القوميين في موقع واحد ، وعلى نفس المسافة من جميع الاطراف الموجودة على الساحة سواء في الحكم أو في المعارضة ، ليتحوّل سلوك الواحد منهم ، في هذا الاتجاه أو ذاك الى جرم لا يغتفر ..؟
لا شك أن الجميع سيجيب بلا .. غير أن الواقع لا يثبت هذه البداهة في الاجماع ، لغياب الحدود الفاصلة بين المحكم والمتشابه في صفوف القوميين .

ـ خامسا : الجانب العملي ..

في الجانب العملي ، فان تحديد الثابت والمتغير بالنسبة للعمل القومي على المدى القريب والبعيد ،  لا يستطيع أحد تحديده بالنيابة عن اصحاب الشأن  :  فالقوميون التقدميون ، هم الذين يتولون بأنفسهم وضع ثوابت العمل القومي ومحكماته وفقا لما يرونه صالحا لمرحلتهم الحالية والقادمة ، وبالاسلوب ، والآليات التي يختارونها وفقا لمهماتهم القادمة ..

( القدس عدد 189 ) . 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق