الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (20) .
جدل خلاق وجدل عقيم ، تشابه ام تعارض ام تلاعب بالالفاظ ..؟
انهما جدلان متشابهان متعارضان ، يشتركان في الآداة ، لكنهما لا يختلطان .
سادسا : مقاربات
..
1ـ دردشة فكرية : الجدل الخلاق ..
والجدل العقيم ..
نعني بالجدل الاجتماعي فسح المجال للآراء بكل حرية ودون قيود .
وكلما كان التعبير عن الرأي قائما على الالزام والالتزام باحترام الآخرين ،
يحقق الجدل غايته .. واقصى غايته ان يتطور الناس الذين يحكّـمونه بينهم .. وقبل هذا
واثناءه ، يبقى الجدل الاجتماعي هو الوسيلة الوحيدة الممكنة عمليا لفرز الحلول في
الواقع ، والاسلوب الوحيد أيضا الممكن عمليا لتعويض ما في الجدل الفردي من قصور
نظرا لما في الذات الانسانية من امكانيات محدودة في حركة أو أكثر من حركات الجدل
قد تكون ناتجة عن نقص في مقدرة الانسان على التذكر ، او نقص في مقدرته على الفهم
والالمام بالواقع ، أو نقص في مقدرته على التصور ، والتحليل ، وابداع الحلول ، أو
نقص أيضا في المقدرة على العمل لتنفيذ تلك الحلول .. الخ .. وهكذا فان الجدل الاجتماعي أولا وقبل كل شئ
، يمكّـن الناس من تبادل المعلومات التي تؤدّي حتما الى اغناء معارفهم فيتحول الالمام بالواقع ،
وحيثياته ، وتفاصيله الى علم ومعرفة جماعية تتعاظم بها المقدرة الجدلية أضعافا
مضاعفة ، فتحوّل الامكانيات الفردية المحدودة لحل المشكل الى امكانيات جماعية
هائلة ، تتوفر فيها فرص الاغناء والاضافة والتعديل ، والنقد ، والمراجعة لبناء
حلول جماعية ، ثم وهذا ثانيا ـ في غاية من الاهمية ـ فان تلك المشاركة الجماعية في
الجدل ، تعطي مشروعية الالزام بالتزام الحلول التي لم تعد حلولا فردية خاصة باي
طرف مشارك في الحوار والجدل ، بل هي حلول جماعية حتى وان كان البعض لا تعجبه
بالكامل ، وهو ما يجعل مسألة الالتزام برأي الاغلبية مسالة اخلاقية من ناحية ،
ودرجة عالية من درجات الالتزام الثوري والعقائدي بين القوميين التقدميين من ناحية
أخرى .. وهكذا يمكن ان تتحول القناعة
بفوائد الجدل الى شعار هام مفاده : " لا مشاركة في الجدل ، دون التزام
بالنتائج " فيختفي بهذا ذلك التنصل من المسؤولية ، وتلك الانسحابات الرخيصة
بالنسبة للبعض حتى وان كان لديهم تحفضات خاصة بالقرارات والحلول .. لان المهم وقتها
ليس أن تكون معبرة على رأي شخص ، أو أن تكون صحية ، بل المهم أن يتم اختيارها اختيارا
حرّا ، دون تسلط او قهر من أحد ..
هكذا بكل ببساطة .. لا اكثر ولا اقل .. وفي هذا لا غالب ولا
مغلوب ، بل تعاون ، وتكامل ، واحترام ..
انه الجدل الخلاق ..
اما الجدل العقيم ، فهو نقمة ومحنة لا يقدّم بمن يقع فيه .
جدل خلاق وجدل عقيم ، تشابه ام تعارض ام تلاعب بالالفاظ ..؟
انهما جدلان متشابهان متعارضان ، يشتركان في الآداة ، لكنهما لا يختلطان .
مرد التشابه بينهما خضوع كل منهما لاسلوب المجادلة والحوار الذي يتخذه
المتجادلون فيحصل انطباع بان التعارض والاختلاف يقتصر على الاسماء . في حين ينتفي
هذا التشابه ويقوم التعارض الكامل بينهما بالرجوع الى الخصائص التي يقوم عليها هذا
وذاك .
فالجدل الخلاق ، جدل مفتوح لا صراع فيه الا تنوع الآراء القائمة على قوة الحجة
والاقناع ، بينما الجدل العقيم صراع خالص لا جدل ولا جدال فيه الا تنوع الاساليب
القائمة على حجة القوة والاقصاء .
ومن تلك الخصائص ايضا ان الصراع يتجه دوما للتفرد ، بينما الجدل يقوم اساسا
على التعدّد .. وفي الجدل تجاذب للتواصل مع نية الابقاء على الآخر، اما في
الصراع تنافر لنفيه ، مع نية الازاحة من الطريق .. فتكون دوما غاية الجدل
الاقناع ، اما غاية الصراع الالغاء ...
وهكذا نرى استماتة المتصارعين في التأكيد على صحة آرائهم ، حتى وان دخلوا في
صراع مع الكل ولو كان منهم الاقرب اليهم رأيا .. كتعبيـر صادق
عن عجزهم على انجاز الاقناع او الالغاء ، دون التفطن منذ بداية اتجاه الجدل الى
العقم ، بانه قد تحوّل الى صراع ، وان التنازل من أي طرف قد صار مستحيلا .. كما ان
الاستمرار فيه لا يعني الا مزيدا من السعي الفاشل للالغاء والاقصاء ،
من خلال محاولة المتصارعين فرض التسليم او الاستسلام ..
ولذلك ايضا نرى ان الجدل العقيم يتخذ دائما اسلوبا حادا في التعبير عن نفسه
فتكون نتائجه وخيمة ، قد تنتهي عند ظهور بوادر فشل المسعى ، الى التجريح ، والشتم
، والخصام ...
فمن من القوميين يرضى بمثل هذا الجدل الهدام او بمثل نتائجه ..؟
اعوذ بالله . واستغفر الله ، من كل ذنب ولا حول و
لا قوة الا بالله ...
( القدس عدد 190 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق