بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 ديسمبر 2015

الوطنية الزائفة .. (1) .

                            الوطنية الزائفة .. (1)                

قبل الانتخابات كانت القنوات الخاصة تعج بالسياسيين وهم يتكلمون عن الوطنية بحماس وبأصوات عالية ، ويطرحون المشاكل ، ويتفننون في شرحها  .. وعندما جاء موعد الترشحات  وجدنا الكثيرين منهم على رؤوس القائمات  ، ثم رايناهم يخرجون الى الناس لطرح البرامج ، والوعود .. فيتحدثون كثيرا عن الشغل ،  والمعيشة ، وقفة المواطن ، وكرامته ، وحقوقه .. وفي الاثناء يفسحون المجال  للمال السياسي الذي بحوزتهم ليقنع من لم يقتنع ، ومن لم يفهم ، ومن لا يهتم كثيرا بالقول دون العمل .. لينتهي الامر في النهاية الى ما كان منتظرا قبل الانتخابات : سيطرة من كان بيده المال والاعلام على المشهد السياسي .. وجني ثمار الديمقراطية المعطوبة التي تعود عليهم وحدهم بالحرية والمنفعة والمكاسب والمناصب وغيرها .. فكان لا بد ان يحين الوقت لكي نقرأ التقارير المشبوهة التي تنصح  بالمزيد من اللجوء الى الخوصصة  وتحرير الاقتصاد ورفع الدعم  ، واعفاء الدولة من أعباء مواطنيها .. !!  وكان لا بد ان نسمع ـ سواء دالخل البرلمان أو خارجه ـ من ينادي بالاعفاء الجبائي باسم التشجيع على الاستثمار ، والمساهمة في حل الازمة الاقتصادية .. وكان لا بد أن نرى ـ سواء في الحكومة أو داخل البرلمان وكواليسه ـ من يريد تمرير القوانين المخاتلة للشعب ، والتي تنادي باعفاء اللصوص والعصابات من المحاسبة والعقاب على الجرم الذي اقترفوه في التلاعب بالمال العام  الذي يقول عنه المسؤولون اليوم أنه مال حلال من عرق الجبين  .. !!  
أما الواقع الحالي بكل ما فيه من فوضى اقتصادية ، وتهريب ، وتهديد  مباشر للأمن والاستقرار في المجتمع ، فلا أحد يقدر على حل اللغز ، ولا أحد يفكر في المواجهة الجدية لهذا الوضع ، وهو ما يثير الشبهة الفعلية  حول تورط السياسيين الذين يتكلمون عن الداء ، ولا يفعلون شيئا سوى معاقبة الضحايا انفسهم حينما يظهرون في الصورة اثر حملات التفتيش الخاطفة ، ولا تظهر فيها أبدا تلك الحيتان الكبيرة المتخفية عن الأنظار .. !!   
وحتى موضوع الارهاب نفسه ، لا يقدر أحد في تونس  أو خارجها أن يشكك في علاقته بالمافيا الاقتصادية التي تديرها وتحركها لوبيات الفساد المالي على نطاق واسع .. لأننا ببساطة ، حينما نتتبع خيوط اللعبة  ، ونبدأ بتأمل الجوانب الظاهرة منها ، نجد أن حجم البضاعات التي يقع ترويجها في الاسواق الداخلية في كل قرية وفي كل حي من الشمال الى الجنوب يفوق طاقة أي انسان عادي على جلبها ، ويكفي أن ننظر الى البضاعات المحجوزة في بعض المناسبات ، والتي تقدر أحيانا بمئات الملايين من الدينارات ، لنعرف فعلا ان المتورط في هذه الاعمال ليس المواطن المنتفع من الترويج ، بل هم اولئك الأباطرة الذين يعملون في الخفاء معتمدين على ما لديهم من علاقات في الداخل والخارج ، وعلى ما بحوزتهم من امكانيات مادية ضخمة لا يقدر على توظيفها انسان بسيط وهم الذين لا يتردّدون  في المتاجرة بكل شئ ، بحثا عن الرّبح ، ثم المزيد من الرّبح .. !!
فالمسألة تقتضي سيولة مادية ضخمة بالعملة الصعبة تقدّر احيانا بالمليارات ، وتحتاج الى علاقات على مستوى رفيع لادارة الصفقات في الخارج ، وتحتاج أيضا الى شبكات رهيبة من المهربين في الداخل من ذوي الخبرة بالتخفي ، ومعرفة المسالك ودفع العمولات والرشاوي والتهديد والمجازفة بالعنف اذا لزم الامر .. ثم الى وسائل النقل ، والمخازن الضخمة ، والعلاقات التي تؤدي في النهاية الى الترويج .. ويبقى السؤال المحير مطروحا دائما : لماذا  لا تقدر الدولة على قطع الطريق أمام هؤلاء في اي مرحلة مهمة من هذه المراحل .. ولا يظهر حزمها وشدتها ، ووطنيتها ، الا في المرحلة الاخيرة التي يكون فيها المواطن البسيط  ضحية وكبش فداء  .. !!


( نشرية القدس عدد 206 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق