بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 مارس 2025

ملامح القرار الفلسطيني المقبل .

  ملف القبس : المحور الثاني .

ملامح القرار الفلسطيني المقبل .

د.عصمت سيف الدولة :

- اعلان حكومة فلسطينية مؤقتة الغاء فعلي لمنظمة التحرير وانجازاتها .

- استثمار الانتفاضة بتطويرها لمرحلة ثورية أكثر فاعلية وليس بيعها .

القبس عدد 5917 بتاريخ 1 نوفمبر 1988 .

يقال أن الساحة الفلسطينية تمر بحالة من "المخاض" القوي ، وتقف أمام "منعطف جذري" وهناك "ملامح" قرار قادم لم يعد سرا .. وأنه لا بد من "استثمار" فرصة الإستعاضة التي لن تتكرر قبل جيل كامل ، ويريد القائلون تشكيل حكومة مؤقته بشخصيات "معتدلة" وبرنامج سياسي "معتدل" "يكسر" الفيتو الأمريكي الصهيوني ويغتنم فرصة الوفاق الدولي لقطف الثمار بالذهاب إلي "مؤتمـر دولي" بانت إمكانيات انعقاده كبيرة .. فماذا نقول :

نقول باسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ول قوة إلا بالله ونعوذ به من شر ما خلق . إني أسمي مثل هذه التجمعات اللفظية حديثا عنقوديا إذ هو من أخطر ما يقال ولا حدّ لتأثير كلماته القابلة للانتشار والتأثير لأنها تبدو كما لو كانت معقولة فمقبولة . ويقبلها المختلفون أساسا لأنها قابلة ليفهمها كل من يشاء على ما يريد . تصفية خطر هذه الكلمات التي وضعنا أمثلة منها بين أقواس تكون بتصفية دلالة كل كلمة منها ومعرفة مفهومها بدون شوائب .

أولا : الحكومة هي المؤسسة التي تقوم بممارسة السلطة في الدولة . هذا لا خلاف عليه في علم القانون الدولي والقانون الدستوري . الدولة إذن شرط سابق ولازم لوجود الحكومة . ومع ذلك يعرف الكافة من الكهول أو الشيوخ أن خلال الحرب العالمية الثانية تشكلت في "لندن" مؤسسات محاربة حليفة للمحاربين أسميت حكومات المنفى لتجميع المقاتلين وتوجيههم في كل دولة أخلتها الدولة النازية . كما يعرفون أنه في مرحلة الإنتقال من الثورة المنتصرة إلى إعلان الإستقلال تكونت في الجزائر حكومة مؤقتة لتتلقى من فرنسا الإعتراف بانتصار الثورة وتتفق معها على سبيل حل مشكلات ترحيل المستوطنين . وقد كانت مؤقتة لأن الحكومات غير المؤقتة لا تقوم إلا استنادا إلى إرادة شعبية تختارها طبقا لإجراءات معينة لا تتوافر إلا بعد الاستقلال . فما هي الحكومة التي يراد تشكيلها لفلسطين ولا نقول في فلسطين المتحررة أن تكن حكومة في المنفى ، فحكومات المنفى لم تكن مؤسسات حكم بل كانت مؤسسات إعلامية ورموزا لإرادة الاستمرار في القتال إلى أن تتحرر أرض الوطن . وقد انتهت جميعا وتلاشت بمجرد التحرير وتشكلت الحكومات الحقيقية فوق الأرض المتحررة . وللثورة الفلسطينية مؤسسة مماثلة تؤدي دور تلك الحكومات في المنفى وأكثر منها فاعلية إسمها منظمة تحرير فلسطين وقد كسبت دوليا الإعتراف بها كقائدة لحركة تحرير وطني ولها في أنحاء كثيرة من الأرض دول حليفة تعترف بها ممثلة شرعية لشعب فلسطين . أما الحكومة المؤقتة فسيأتي دورها حين يقع على عاتق الثورة التحررية المنتصرة التعاون الدولي على حل مشكلات الصهاينة الذين قدموا من بلادهم إلى فلسطين وليس قبل ذلك ، وهي مؤقتة لأن مهمتها مؤقتة بطبيعتها .

المهم ما هو العائد الفعلي من تشكيل حكومة مؤقتة أو حكومة في المنفى الآن .

أولى نتائجه إسقاط الشرعية الدولية عن منظمة تحرير فلسطين وانتقال الإعتراف الدولي بالشرعية من المنظمة إلى الحكومة . النتيجة الثانية إعادة فتح باب الإعتراف أو عدم الإعتراف بالقيادة الفلسطينية الحكومية . ولما كانت السيطرة الفعلية على الأرض والشعب شرط دولي للإعتراف بشرعية أية حكومة فإن الحكومة المقترحة غير قابلة دوليا للإعتراف بها . النتيجة الثالثة أن الحكومة الفلسطينية ستكون مقيدة بما يقيد الحكومات من قواعد القانون الدولي . عدم التدخل في شئون الدول الأخرى ، عدم شرعية ضم أرض بالقوة وهذه القواعد لا تفيد الآن منظمة تحرير فلسطين إذ تتمتع بامتيازات حركات التحرر الوطني التي يعترف بها المجتمع الدولي بشرعية استعمال القوة لتحرير الأرض . إذن فالحكومة الفلسطينية هي إلغاء فعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكل ما حققته ويمكن أن تحققه في ظل الشرعية الدولية لنشاطها التحرري . وهذا ما هو المقصود من فكرة الحكومة . إنهاء الثورة وأساليبها لحساب حكومة لا تملك من الأساليب إلا "الكلام" ، وعلى وجه محدد المقصود حذف كلمة الثورة وكلمة التحرير من قاموس التاريخ الفلسطيني ، إلى من يكون في شك من هذا يقدم اقتراحا إحراجيا فليكن اسم منظمة تحرير فلسطين "حكومة تحرير فلسطين" أو حتى "حكومة فلسطين الحرة" كما فعل ديجول ، حينئذ سيمتعض الذين يلوكون كلمة "حكومة" ولعلهم سينفعلون ويقولون ولماذا كلمة تحرير أو حرية .. فينكشف المستور من دوافعهم .

ثانيا : استثمار الإنتفاضة . الإنتفاضة مرحلة ثورية متقدمة ومتطورة عن مراحل قبلها وهي وإن كانت ثمرة نضال قاس سبقها إلا أنها تصحيح جذري لمسار الثورة . فالأصل أن تكون الإنتفاضة هي بداية الثورة لتحرير الأرض ولكنها جاءت متأخرة لأسباب أسهمت فيها الدول العربية بأكثر مما أسهمت المقاومة الفلسطينية . على أي حال . وعفا الله عما سلف ، يستطيع المؤرخون فيما بعد أن يقولوا أن ثورة تحرير فلسطين قد بدأت عام 1987 بانتفاضة شعبية في الأرض المحتلة بعد أن كانت قد مهدت لها مقاومة فلسطينية من خارج الأرض تحوم حولها متنقلة من قطر عربي إلى قطر عربي نتيجة الحصار العربي والمطاردة العربية لقوى الثورة . ولكن ما هي دلالة كلمة "استثمار" ؟. هنا دلالتان محتملتان :

الدلالة الأولى إنهاء الإنتفاضة (بيعها) مقابل كسر الفيتو الأمريكي "فيتو على ماذا ؟" هناك فيتو أمريكي على تحرير أرض فلسطين وفيتو أمريكي على دولة فلسطين . وفيتو أمريكي على الإعتراف بمنظمة تحرير فلسطين . فما هو الفيتو الأمريكي الذي يراد كسره ؟.. الراجح من أقوال أصحاب الأقوال أنه الفيتو الأمريكي على الإعتراف بمنظمة تحرير فلسطين ممثلا للشعب الفلسطيني في المفاوضة مع الصهاينة ، هذا يعني ببساطة إنها ثورة التحرير في أعلى مراحلها من أجل قبول أمريكا حضور نفر من قادة المنظمة على مائدة المفاوضات مع الصهاينة لا شئ أكثر.

أي حتى بدون ضمان لما تسفر عنه المفاوضة . فهل هذا هو الإستثمار الذي   يقصدون ؟..

الدلالة الثانية للإستثمار هي الإستفادة من الإنتفاضة بعد أن عبرت بالثورة أصبحت العقبات (اقتحام الأرض المحتلة) لتطويرها إلى مرحلة ثورية أكثر فاعلية منها . لعلها أن تكون انتقال قوى الثورة من أشتات الأرض العربية إلى حيث الإلتحام بالانتفاضة ، أو لعلها أن تكون تحقيق العمق الجماهيري الاستراتيجي للانتفاضة الجماهيرية في الداخل ، بمد الإنتفاضة الى الجماهير العربية خارج فلسطين   المحتلة (هذا ما تخشاه الحكومات العربية حتى الموت ومن أجله تحرص على إنهاء الإنتفاضة) أيا كانت المرحلة القادمة فهي " ثمرة " للانتفاضة وعلى هذا الوجه يكون استثمار الأحداث الثورية . ولكن "وأد " ليس "استثمارا" على أي وجه . إنه قتل لحساب الصهيونية والوأد قد يكون فعليا "بإتمام الصفقة" وقد يكون "دعائيا" بمثل القول أن "الإنتفاضة لن تتكرر قبل جيل كامل" . من أين جاءت هذه الصيغة ؟ هل تنبأ أحد قبل عامين فقط ببداية الإنتفاضة حتى يتنبأ بنهايتها ؟ أم تزعمون علم الغيب فتكفرون . أم رسالة اطمئمان موجهة إلى الصهاينة بأن قد قربت نهاية متاعبكم . أم إنذار بالهزيمة موجه إلى أبطال الإنتفاضة .. شئ محير فعلا . في كل دول العالم قوانين تقضي بإعدام كل من يضعف الروح المعنوية للمقاتلين أثناء الحرب ، وكل الثورات الناجحة طبقت هذا الجزاء الرادع على من أرادوا ـ بأية طريقة ـ سلب الشعوب المناضلة من أجل حريتها الثقة في النصر . ولا أزيد وإن كان ما أريد قوله مفهوما ..

ثالثا : نأتي أخيرا لما يسمى  المؤتمر الدولي . ونسأل ما المقصود بالمؤتمر الدولي ؟  إن كان المقصود مؤتمر يضم كل الدول الراغبة في المشاركة فيه المعبر بالتالي عن الرأي العام الدولي . فإنه منعقد من سنين وينعقد كل سنة وما تزال القضية الفلسطينية على جدول أعماله ولقد انتهى هذا المؤتمر الدولي إلى أن الصهيونية حركة عنصرية ، وأن المقاومة الفلسطينية حركة تحرر وطني لها الحق شرعا في أن تقاتل من أجل تحرير فلسطين كما انتهى إلى عشرات القرارات التي تدين المؤسسة الصهيونية المسماة إسرائيل . يعرف هذا المؤتمر الدولي الجامع لكل دول العالم باسم "الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة" التي أنشأها ميثاق الأمم المتحدة كممثل للمجتمع الدولي . هذا هو المؤتمر الدولي حقا لمن يريد مؤتمرا دوليا صدقا أما مؤتمرهم المسمى "دولي" فهو مجموعة محددة من الدول معروفة بأسمائها اعترفت كلها بدولة الصهاينة وعبرت كلها عن رأيها المعادى لتحرير أرض فلسطين ورفضت كلها أو امتنعت عن إدانة الصهيونية بالعنصرية وتنكر كلها على أية دولة فلسطينية كامل السيادة على الأرض التي ترشحها لقيام الدولة ، وتحمل الدولة التي ترشحها للفلسطينيين حق ارتفاق دولي "يضمن أمن دولة الصهاينة" .. على هذا وغيره هم متفقون ومطلوب أن يذهب وفد يختارون هم أعضاءه ليرقص في ساحة المؤتمر على ألحان تلك الدول وتحت رقابتها . .

فلماذا تبيعون تأييد دول العالم كلها بأرض دول خمس ، وما الذي تستفيدون من حضور مؤتمر تلك الدول لتسمعوا قراراتها المعلنة من قبل المؤتمر .. أم أن فينا من يريد أن يبحث عن براءة كاذبة من الاستسلام احتجاجا بأن تلك ـ يا أخي إرادة المؤتمر الدولي ..

رابعا : وآخرا ما المقصود بتعبير "شخصيات معتدلة" و "برنامج سياسي معتدل"؟.. أين يقع موقف الإعتدال بين الحرية والعبودية ، بين الإحتلال والتحرير؟ أين موقف الإعتدال بين اغتصاب الأرض أو اغتصاب العرض ؟..

الملف كامل





 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق