ملف القبس : المحور الاول.
هل الدولة الفلسطينية المستقلة على الأبواب ؟
د.عصمت سيف الدولة :
- الحديث عن الدولة يصبح واردا يوم يتحرر أي جزء من الأرض .
- لا توجد دولة على الأبواب .
- أخشى أن يؤدي الحديث عن الدولة الى تعميق الصراع العربي – العربي .
القبس عدد 5915 بتاريخ : 30 – 10 – 1988 .
الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة "تقف على الأبواب" تنتظر من يفتح لها لتقام وتقيم على أرض فلسطين المحتلة ، حديث شائك . ذلك لأنه لا توجد دولة فلسطينية مستقلة معروضة على الفلسطينيين ، ولا أحد يدري من الذي طرح فكرتها ودفع بها الى مدخل ثورة تحرير فلسطين . العدو الصهيوني يرفضها من حيث المبدأ والتطبيق كليهما منذ أن اغتصب الأرض . حليفه الأساسي الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى كعادتها الرفض الصهيوني . دول أوروبا الغربية لم تعرضها على منظمة التحرير الفلسطينية . لا ولا دول أوروبا الشرقية . قد تريد تلك الدول دولة للفلسطينيين ولكنها دولة غير مستقلة بإقرارها جميعا .
الدول العربية لا تملك المقدرة على تأمين استقلالها ذاتها ، فكل منها يحتمي علنا أو خفية بمن يحميه وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل الصادق . فمن أين هبّت رياح الدولة الفلسطينية لتتحوّل الى إعصار جذب الى دوّامته المدمّرة كل فصائل المقاومة الفلسطينية وكل القوى العربية حتى تكاد تبعثرها أكثر مما هي مبعثرة . وانّا لنخشى أن يكون الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة تقف على الأبواب حديثا صريحا مشاركة مباشرة أو غير مباشرة في تعميق الصراع العربي - العربي الذي هو العدو الألد لوحدة قوى الثورة العربية التي هي الطريق الواقعي الوحيد لتحرير فلسطين وإقامة دولتها المستقلة .
ومع ذلك فلا بد مما ليس منه بد .
وسنحاول بقدر ما نستطيع أن نجعل حديثنا موضوعيا وذلك بأن نرد الفروع الى أصولها ، ونحتكم في أمر المواقف المرحلية والتكتيكية الى الهدف الاستراتيجي ، ونتخذ من المبدأ الذي يحكم الصراع العربي – الصهيوني معيارا لتحديد هذا الموقف . ثم أن نحدّد دلالات الالفاظ "المتشابهة" لنتجنّب مخاطر التأويل المنحرف .
"المبدأ" الذي فجّر الصراع العربي – الصهيوني هو الجواب عن السؤال الأول والأخير : لمن الحق في أرض فلسطين ؟ وهو مبدأ لا خلاف عليه بين طرفي الصراع . لا خلاف على انه المبدأ وان كان لكل طرف جواب نقيض . الصهاينة يجيبون : نحن اليهود أمة . لنا وطن قومي مثل كل الأمم . هذا الوطن هو فلسطين . شرعية انه وطننا موثقة في كتابنا المقدس ، وفي شرحه التلمودي ، به وعدنا الهنا واليه نعود . أما الفتح العربي الإسلامي فانه كان عدوانا واغتصابا غير مشروع . وقد استطاعت حركتنا المنظمة "الصهيونية" أن توجد قوانا القومية وأن تناضل عالميا ومحليا الى أن تمكّنت من "تحرير" وطننا التاريخي عام 1948 فاستعدنا "بعض" الأرض التي كانت لنا منذ البداية . ويقول العرب ان اليهودية دين وليس قومية ، والصهيونية حركة عنصرية وأداة استعمارية وليست منظمة تحرير ولقد كانت فلسطين أرضا عربية حتى قبل الفتح الإسلامي ، وبالفتح الإسلامي جرى عليها ما أجراه التاريخ من انصهار حضاري أصبحت به جزءا من الامة العربية ولم تكن الهجمة الصهيونية عام 1948 الا اغتصابا للأرض وطردا لشعب استمر يهيمن عليها أكثر من أربعة عشر قرنا ، ولم تكن الصهيونية الا أداة استعمارية عنصرية ، فتحرير فلسطين حق للعرب كما هو حق لكل شعب في أن يحرر ارضه .
وبدأ الصراع ولا يزال قائما .
فاذا سلمنا مع جميع الأطراف أن الهدف الاستراتيجي لثورة تحرير فلسطين ، على ضوء هذا المبدأ ، هو استرداد الأرض وفرض سيادة الشعب عليها نكون قد سلمنا جميعا بان تجسيد النصر يكون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على ارض فلسطين . هذا استراتيجيا ، أما مرحليا ، فقد عبرت منظمة التحرير الفلسطينية عن الدولة المستقلة كهدف مرحلي تعبيرا صحيحا يوم أعلنت انها ستقيم تلك الدولة على أي جزء من أرض فلسطين يتم تحريره ولو كان مدينة واحدة .
وهو تعبير صحيح لأن قيام الدولة ، أية دولة ، مرتبط موضوعيا ، ومتوقف دوليا وواقعيا على سيادة شعبها على ارضها (اقليمها) . لم يحدث أن أحدا قد قال ، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى على الأقل ، أن الدولة يمكن ان تقوم مستقلة دون كامل سيادة شعبها على كامل ارضها . ولم يعترف المجتمع الدولي أبدا بدولة لا سيادة لها على الأرض .
متى يصبح الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة واردا ومفيدا ؟ .. مرحليا يوم أن يتحرر أي جزء من ارض فلسطين فتقوم وتفرض سيادة الشعب عليه . واستراتيجيا يوم أن تتحرر ارض فلسطين من البحر الى النهر . في الحالتين يأتي الاعتراف تلقائيا دون مطالبة ودون مساومة ولو جاء بالتدريج . لأن الاعتراف لا ينشئ الدولة ولكنه تعبير عن قيام دولة ذات سيادة على إقليم معين . وهو لا يقيّد الا الدولة المعترفة .
هذا في نظرنا المعيار الموضوعي الذي يُمكننا بتطبيقه على الواقع معرفة ما اذا كانت الدولة الفلسطينية المستقلة على الأبواب أم لا . والواقع غير القابل للإنكار أو التزييف هو أن لا الثورة الفلسطينية ولا الدول العربية ، ولا الدول الغربية أو الشرقية أو دول العالم الثالث استطاعت أن تحرر شبرا واحدا من أرض فلسطين لتقوم عليه دولة . اذن الركن الأول لقيام دولة فلسطينية مستقلة مفتقد في الواقع . وبالتالي لا توجد دولة فلسطينية على الأبواب ، لأن أبواب الأرض الفلسطينية مغلقة دون سيادة الشعب العربي يمارسها على ارضه ، وعندما تفتح أبواب الأرض لأصحاب السيادة عليها ستقوم الدولة الفلسطينية المستقلة عليها .. اما قبل ذلك فسراب ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق