دروس من الهزيمة ( 1 ) .
لكل امّة محطات شموخ
و كبرياء ، ومحطات انكسار و انتكاسات . هكذا حدث للامريكان طوال فترة الاحتلال و
السيطرة الاجنبية حين كان المواطنون يدفعون الضرائب لبريطانيا كأعظم مشهد للهيمنة
و الاذلال .. و قد كان لزاما على الامريكيين ان ينتظروا حتى سنة 1775 تاريخ انطلاق
حرب الاستقلال التي انتهت باعتراف بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة سنة 1783 ..
و قد كانت الحرية خطوة أولى تبعتها الوحدة الشاملة التي فرضها الثوار بالقوة على الانفصاليين
سنة 1865 ، حتى صارت القوة الاولى في العالم اليوم ..
و هكذا حصل لفرنسا يوم دخلتها جيوش الحلفاء في مناسبتين الاولى سنة 1813 و الثانية سنة 1815 ، حيث وقع اسر القائد الفرنسي و الامبراطور العظيم نابليون مرتين و نفيه في مناسبتين ايضا انتهت الثانية بموته في احدى جزر المحيط الاطلسي ، و قد كانت تلك الهزائم و الشماتة من أهم الدروس التي تعلمتها فرنسا و هي من بين الدول الكبرى في العالم اليوم ..
و هكذا تماما حدث لالمانيا النازية التي انتهت نكباتها خلال الحرب العالمية وحدها ، باخضاعها و انتحار او فرار قادتها ، ثم احتلالها و تقسيمها و اذلال شعبها عندما بقي يدفع التعويضات الى الآن .. و ها نحن نراها اليوم من اقوى الدول في العالم بعد أن استعادت وحدتها في نهاية القرن العشرين ..
وهكذا حدث لليابان عندما قــُــصفت بالقنابل النووية ، ولبريطانيا العظمى التي لم تسلم من الهزائم سواء في حروبها الاروبية او في المستعمرات .. كما حدث مثل ذلك او أبشع منه بالنسبة لاعظم الامبراطوريات عبر التاريخ البشري الطويل مثل الامبراطورية الفارسية و الرومانية و البيزنطية التي كانت تملك اكبر القادة واكبر الجيوش ..
لم تكن هزيمة يونيو 1967 استثناء في التاريخ ، بقدر ما كانت درسا من الدروس القاسية التي عاشتها الجماهير العربية مثلها مثل اي شعب مني بالهزيمة .. و ليس غريبا ان نرى القوى المعادية لعبد الناصر وقد اتخذت مما حدث لمصر يوم 5 يونيو مناسبة دائمة للهجوم عليه شخصيا . لكن الغـريب فعلا ان يتحول ذلك الحقد على المشروع القومي الى تلذذ و شماتة بالهزيمة كما عبرت عنه العديد من القوى المعادية للثورة داخل مصر وخارجها .. فقد صدر بعد نكسة جوان 67 كتابا بعنوان " ستة ايام من الحرب " لاحد الكتاب اليهود الذي يقدم وجهة النظر الصهيونية مما حدث يوم 5 يونيو وهو امر عادي و طبيعي ، غير ان الغريب في الامر كما يقول الدكتور صفوت حاتم الذي نقل تفاصيل هذه الرواية ان تتولى دار نشر سعودية ترجمة الكتاب اولا ثم ان تقوم تلك الدار بنشر آية قرآنية في الصفحة التي تلي الاهداء مباشرة يدل السياق الذي وردت فيه على ان الهزيمة العسكرية كانت عقابا من الله لعبد الناصر ، وهو ما يعـني تبعا لذلك بأن اسرائيل كانت مؤيدة بنصر من الله .. !!!، و قد وردت الآية الكريمة من سورة العنكبوت في هذا السياق لتبلّغ هذا المعنى ، قال تعالى : " فكلا أخذنا بذنبه .. فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا .. ومنهم من أخذته الصيحة .. ومنهم من خسفنا به الأرض .. ومنهم من أغرقنا .. وماكان الله ليظلمهم .. ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " .. ثم تمادى ناشرو الكتاب في سوء النية وفي الشماتة ، حيث لم يكتفوا بذلك بل انهم اضافوا على الغلاف الفاخر للكتاب من الخلف تعليقا فاضحا لايهود باراك رئيس الوزراء و قائد الجيش الصهيوني يتحدّث فيه عن الحرب و السلام في المنطقة .. وتقريبا لم يختلف الامر كثيرا بالنسبة للاخوان المسلمين ، اذ كانت هزيمة مصر في تلك الفترة تعني بالنسبة لهم فرصة لا تعوّض للانتقام من عبد الناصر .. وقد صدرت مواقف عديدة و غريبة من عدة شخصيات بعضها محسوب على تيار الاخوان مثل الشيخ يوسف القرضاوي و أخرى مستقلة لكنها من نفس المدرسة ابرزها الشيخ شعراوي ، و و كيل الازهر في فترة مبارك الدكتور محمد عبد الله ماضي ، وغيرهم .. لكنها كانت كلها شطحات تؤكد رؤيتهم المحدودة و جهلهم بمتطلبات المرحلة و مقتضيات الواقع الذي تدور فيه الاحداث اضافة الى تعصبهم الاعمى الذي عمى بصيرتهم تجاه الوطن ..
من أغرب تلك الشطحات هي التي وردت من الشيخ متولي الشعراوي الذي قام بالسجود ركعتين عندما سمع بالهزيمة سنة 67 !!! .. ، و الواقع انه قد ندم على ذلك قبل وفاته ، فزار ضريح عبد الناصر و قرأ عليه الفاتحة وتوجه له بالدعاء .
أما القرضاوي و في اطار نقله لبعض تصريحات تلك الشخصيات التي اعتبرت الهزيمة حدثا ايجابيا فانه بعد ان نقل قول الدكتور محمد عبد الله ماضي الذي جاء فيه " إننا لو انتصرنا ـ على ما كان بنا من عيوب وانحراف لـازددنا جرأة على محارم الله ". فانه يورد بيتا من الشعـر تأكيدا لهذا الرأي يقول "كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا " !!!
ثم نجد اكثر الشطحات اثارة للسخرية متمثلة فيما ورد على لسان المرشد العام الحالي لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع في الحوار المنشور بصحيفة الأهرام يوم 18 / 3 / 2011 حيث يقول : " إن هزيمة 56 جاءت رداً على ما حدث للإخوان عام 54 ، وأن هزيمة 67 جاءت رداً على ما حدث لهم عام 65 ، وأن هذه وتلك كانت انتقاماً من الله لما حدث للإخوان " !!! وقد فاته استنتاج مهم - بناء على هذا الاعتراف - مفاده ان في كلا المرحلتين هناك اقتران بين تـآمر الاخوان في الداخل و تدبير العدوان من الخارج ، و هو أمر يستحق الوقوف والانتباه ..
تلك مفارقات عجيبة و وجه آخـر للحقيقة الغائبة ، يهـُم الجيل الجديد من الشباب العربي ان يعرفها خاصة اذا كان بعضها له علاقة بشكل أو بآخـر بكثير من النتائج الكارثية التي عاشتها الامة .. وهي رغم مرارتها تــُـعتبر بمثابة الدروس القاسية التي يجب الاستفادة منها ، و من ابرزها ان جزءا هاما من الفشل و الهزائم كانت تقف وراءه قوى متداخلة تجذب الى الخلف ، فتفـتعـل معارك وهمية و تقف بوعي او بدون وعي في صف القوى المعادية للثورة ، ثم تتهمها بالهزائم .. في الوقت الذي كانت فيه ثورة يوليو تحشد كل الامكانيات لمواجهة التجزئة و حل مشاكل التنمية و التخلف والتصدي للاحتلال الاجنبي وهي مجالات تحققت فيها نجاحات كثيرة ظاهرة وملموسة .. غير ان تلك القوى التي لم تختلف عن بعضها البعض في اسلوبها او في اتهامها للثورة بالديكتاتورية ، و هي لا تدري كيف تحقق الديمقراطية الا بما يكفي للوصول الى الحكم ، في مجتمع يعاني من الفقر والجهل والاستغلال الفاحش وسيطرة الاقطاع و رأس المال الى جانب تكالب القوى الاستعمارية و الصهيونية ، انما كانت تعـبـّرعن عمق ازمتها في فهم الواقع و طبيعة المرحلة ..
ان المحك الوحيد الذي لا يخطئ في فرز المواقف الصحيحة هي بلا شك معارك الواقع ، و مدى الالتزام بثوابت العمل الوطني والقومي كما فهمته ثورة يوليو في تلك المرحلة الدقيقة ، من خلال تلازم عدة مسارات لا يقـبل المنطق السليم تغليب واحدة منها على الأخرى .. فلا يجوز مثلا الحديث الصاخب عن الديمقراطية السياسية مع السكوت عن الاستغلال الذي يؤدي الى سيطـرة فئة على اخرى . ولا يجوز الحديث عن الشريعة مع مهادنة الانظمة العميلة المتحالفة مع الاعداء ثم التآمر على امن الوطن في الداخل . و لا يجوز من حيث المنطق المطالبة بحرية التعـبيـروالصحافة دون محاربة الاقطاع والراسمالية الفاحشة التي تستأثر بكل وسائل الدعاية والاعلام دون عامة الشعب . كما لا يجوز مقايضة التنمية والاستثمار بالتبعـية والهيمنة او السكوت عن الاحتلال والتنازل عن القضايا المصيرية للامة أو القبول بالتجزئة التي تسبب ضعـفها و تشتـتها ..
تلك مبادئ و أفكار لا تتجزّأ في تحقيق التقدم الحقيقي تفوّق بها جمال عبد الناصر عن جميع القوى التي بقيت تراوح مكانها و هي ترفع شعارات الليبرالية الفضفاضة والرأسمالية المستغلة ، او المتاجرة بالدين دون تعمّق في فهم مبادئه الانسانية الشاملة ..
ان الموقف السليم اليوم يبدأ بلحظة الشك تجاه اي طرف في الوطن العربي سواء كان فردا او حزبا او دولة تتــّــفق مواقفه مع المواقف الرسمية للعدو الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية وكثير من الدول الغـربية وبعض الشخصيات الرسمية التابعة لها .. و قديما حسمها المجاهد عبد الرحمان بن باديس رحمه الله عـندما قال قولته الشهيرة : " والله لو أن فرنسا قالت لي : قل لا إله إلا الله ما قلتها " وهو الذي يعـرف قـيمة الشهادة حق المعـرفة ، وإنما دفعه إلى ذلك شعوره الوطني الذي جعله يعبّر عن رفضه الاشتراك مع العدو حتى في كلمة التوحـيـد..
و هكذا حصل لفرنسا يوم دخلتها جيوش الحلفاء في مناسبتين الاولى سنة 1813 و الثانية سنة 1815 ، حيث وقع اسر القائد الفرنسي و الامبراطور العظيم نابليون مرتين و نفيه في مناسبتين ايضا انتهت الثانية بموته في احدى جزر المحيط الاطلسي ، و قد كانت تلك الهزائم و الشماتة من أهم الدروس التي تعلمتها فرنسا و هي من بين الدول الكبرى في العالم اليوم ..
و هكذا تماما حدث لالمانيا النازية التي انتهت نكباتها خلال الحرب العالمية وحدها ، باخضاعها و انتحار او فرار قادتها ، ثم احتلالها و تقسيمها و اذلال شعبها عندما بقي يدفع التعويضات الى الآن .. و ها نحن نراها اليوم من اقوى الدول في العالم بعد أن استعادت وحدتها في نهاية القرن العشرين ..
وهكذا حدث لليابان عندما قــُــصفت بالقنابل النووية ، ولبريطانيا العظمى التي لم تسلم من الهزائم سواء في حروبها الاروبية او في المستعمرات .. كما حدث مثل ذلك او أبشع منه بالنسبة لاعظم الامبراطوريات عبر التاريخ البشري الطويل مثل الامبراطورية الفارسية و الرومانية و البيزنطية التي كانت تملك اكبر القادة واكبر الجيوش ..
لم تكن هزيمة يونيو 1967 استثناء في التاريخ ، بقدر ما كانت درسا من الدروس القاسية التي عاشتها الجماهير العربية مثلها مثل اي شعب مني بالهزيمة .. و ليس غريبا ان نرى القوى المعادية لعبد الناصر وقد اتخذت مما حدث لمصر يوم 5 يونيو مناسبة دائمة للهجوم عليه شخصيا . لكن الغـريب فعلا ان يتحول ذلك الحقد على المشروع القومي الى تلذذ و شماتة بالهزيمة كما عبرت عنه العديد من القوى المعادية للثورة داخل مصر وخارجها .. فقد صدر بعد نكسة جوان 67 كتابا بعنوان " ستة ايام من الحرب " لاحد الكتاب اليهود الذي يقدم وجهة النظر الصهيونية مما حدث يوم 5 يونيو وهو امر عادي و طبيعي ، غير ان الغريب في الامر كما يقول الدكتور صفوت حاتم الذي نقل تفاصيل هذه الرواية ان تتولى دار نشر سعودية ترجمة الكتاب اولا ثم ان تقوم تلك الدار بنشر آية قرآنية في الصفحة التي تلي الاهداء مباشرة يدل السياق الذي وردت فيه على ان الهزيمة العسكرية كانت عقابا من الله لعبد الناصر ، وهو ما يعـني تبعا لذلك بأن اسرائيل كانت مؤيدة بنصر من الله .. !!!، و قد وردت الآية الكريمة من سورة العنكبوت في هذا السياق لتبلّغ هذا المعنى ، قال تعالى : " فكلا أخذنا بذنبه .. فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا .. ومنهم من أخذته الصيحة .. ومنهم من خسفنا به الأرض .. ومنهم من أغرقنا .. وماكان الله ليظلمهم .. ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " .. ثم تمادى ناشرو الكتاب في سوء النية وفي الشماتة ، حيث لم يكتفوا بذلك بل انهم اضافوا على الغلاف الفاخر للكتاب من الخلف تعليقا فاضحا لايهود باراك رئيس الوزراء و قائد الجيش الصهيوني يتحدّث فيه عن الحرب و السلام في المنطقة .. وتقريبا لم يختلف الامر كثيرا بالنسبة للاخوان المسلمين ، اذ كانت هزيمة مصر في تلك الفترة تعني بالنسبة لهم فرصة لا تعوّض للانتقام من عبد الناصر .. وقد صدرت مواقف عديدة و غريبة من عدة شخصيات بعضها محسوب على تيار الاخوان مثل الشيخ يوسف القرضاوي و أخرى مستقلة لكنها من نفس المدرسة ابرزها الشيخ شعراوي ، و و كيل الازهر في فترة مبارك الدكتور محمد عبد الله ماضي ، وغيرهم .. لكنها كانت كلها شطحات تؤكد رؤيتهم المحدودة و جهلهم بمتطلبات المرحلة و مقتضيات الواقع الذي تدور فيه الاحداث اضافة الى تعصبهم الاعمى الذي عمى بصيرتهم تجاه الوطن ..
من أغرب تلك الشطحات هي التي وردت من الشيخ متولي الشعراوي الذي قام بالسجود ركعتين عندما سمع بالهزيمة سنة 67 !!! .. ، و الواقع انه قد ندم على ذلك قبل وفاته ، فزار ضريح عبد الناصر و قرأ عليه الفاتحة وتوجه له بالدعاء .
أما القرضاوي و في اطار نقله لبعض تصريحات تلك الشخصيات التي اعتبرت الهزيمة حدثا ايجابيا فانه بعد ان نقل قول الدكتور محمد عبد الله ماضي الذي جاء فيه " إننا لو انتصرنا ـ على ما كان بنا من عيوب وانحراف لـازددنا جرأة على محارم الله ". فانه يورد بيتا من الشعـر تأكيدا لهذا الرأي يقول "كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا " !!!
ثم نجد اكثر الشطحات اثارة للسخرية متمثلة فيما ورد على لسان المرشد العام الحالي لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع في الحوار المنشور بصحيفة الأهرام يوم 18 / 3 / 2011 حيث يقول : " إن هزيمة 56 جاءت رداً على ما حدث للإخوان عام 54 ، وأن هزيمة 67 جاءت رداً على ما حدث لهم عام 65 ، وأن هذه وتلك كانت انتقاماً من الله لما حدث للإخوان " !!! وقد فاته استنتاج مهم - بناء على هذا الاعتراف - مفاده ان في كلا المرحلتين هناك اقتران بين تـآمر الاخوان في الداخل و تدبير العدوان من الخارج ، و هو أمر يستحق الوقوف والانتباه ..
تلك مفارقات عجيبة و وجه آخـر للحقيقة الغائبة ، يهـُم الجيل الجديد من الشباب العربي ان يعرفها خاصة اذا كان بعضها له علاقة بشكل أو بآخـر بكثير من النتائج الكارثية التي عاشتها الامة .. وهي رغم مرارتها تــُـعتبر بمثابة الدروس القاسية التي يجب الاستفادة منها ، و من ابرزها ان جزءا هاما من الفشل و الهزائم كانت تقف وراءه قوى متداخلة تجذب الى الخلف ، فتفـتعـل معارك وهمية و تقف بوعي او بدون وعي في صف القوى المعادية للثورة ، ثم تتهمها بالهزائم .. في الوقت الذي كانت فيه ثورة يوليو تحشد كل الامكانيات لمواجهة التجزئة و حل مشاكل التنمية و التخلف والتصدي للاحتلال الاجنبي وهي مجالات تحققت فيها نجاحات كثيرة ظاهرة وملموسة .. غير ان تلك القوى التي لم تختلف عن بعضها البعض في اسلوبها او في اتهامها للثورة بالديكتاتورية ، و هي لا تدري كيف تحقق الديمقراطية الا بما يكفي للوصول الى الحكم ، في مجتمع يعاني من الفقر والجهل والاستغلال الفاحش وسيطرة الاقطاع و رأس المال الى جانب تكالب القوى الاستعمارية و الصهيونية ، انما كانت تعـبـّرعن عمق ازمتها في فهم الواقع و طبيعة المرحلة ..
ان المحك الوحيد الذي لا يخطئ في فرز المواقف الصحيحة هي بلا شك معارك الواقع ، و مدى الالتزام بثوابت العمل الوطني والقومي كما فهمته ثورة يوليو في تلك المرحلة الدقيقة ، من خلال تلازم عدة مسارات لا يقـبل المنطق السليم تغليب واحدة منها على الأخرى .. فلا يجوز مثلا الحديث الصاخب عن الديمقراطية السياسية مع السكوت عن الاستغلال الذي يؤدي الى سيطـرة فئة على اخرى . ولا يجوز الحديث عن الشريعة مع مهادنة الانظمة العميلة المتحالفة مع الاعداء ثم التآمر على امن الوطن في الداخل . و لا يجوز من حيث المنطق المطالبة بحرية التعـبيـروالصحافة دون محاربة الاقطاع والراسمالية الفاحشة التي تستأثر بكل وسائل الدعاية والاعلام دون عامة الشعب . كما لا يجوز مقايضة التنمية والاستثمار بالتبعـية والهيمنة او السكوت عن الاحتلال والتنازل عن القضايا المصيرية للامة أو القبول بالتجزئة التي تسبب ضعـفها و تشتـتها ..
تلك مبادئ و أفكار لا تتجزّأ في تحقيق التقدم الحقيقي تفوّق بها جمال عبد الناصر عن جميع القوى التي بقيت تراوح مكانها و هي ترفع شعارات الليبرالية الفضفاضة والرأسمالية المستغلة ، او المتاجرة بالدين دون تعمّق في فهم مبادئه الانسانية الشاملة ..
ان الموقف السليم اليوم يبدأ بلحظة الشك تجاه اي طرف في الوطن العربي سواء كان فردا او حزبا او دولة تتــّــفق مواقفه مع المواقف الرسمية للعدو الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية وكثير من الدول الغـربية وبعض الشخصيات الرسمية التابعة لها .. و قديما حسمها المجاهد عبد الرحمان بن باديس رحمه الله عـندما قال قولته الشهيرة : " والله لو أن فرنسا قالت لي : قل لا إله إلا الله ما قلتها " وهو الذي يعـرف قـيمة الشهادة حق المعـرفة ، وإنما دفعه إلى ذلك شعوره الوطني الذي جعله يعبّر عن رفضه الاشتراك مع العدو حتى في كلمة التوحـيـد..
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق