بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 يونيو 2012

دروس من الهزيمة ( 2 ) .



 دروس من الهزيمة ( 2 ) .

حصلت هزيمة عسكرية يوم 5 يونيو 67 فسمّاها من كان يأمل في النصر بـ " النكسة ". و سمّاها بـ " النكبة الثانية " من كان يتشفى في خصومه السياسيين ، فبادر في اطار الانحياز المطلق ضدهم الى تضخيمها و جعلها مصيبة كبرى حلت بالامة جمعاء تضاهي من حيث تاثيرها وانعكاساتها نكـبة فلسطين الاولى .. ثم انبرى يحصي عدد الشهداء والمفقودين وعدد الذين وقعوا في الاسر والمعدّات التي وقع تدميرها والاراضي التي وقع احتلالها الخ .. والمهم في النهاية ان يستـنـتـج بان جمال عبد الناصر وحده المسؤول عن تلك الهزيمة وما تبعها من خسائر ضخمة ، بسبب سياسته التي حمـّـلت مصر اكثر من طاقـتها .. حيث كان عليه ان لا يهتم بمساندة ثوار الجزائرالذين كانت تـنكل بهم فرنسا ، و كان عليه أن لا يهتـم بمساندة ثوار اليمن الذين كانت تـنكل بهم بريطانيا و تساندها في ذلك االمملكة السعودية ، و كان أولى به أن لا يساند الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية في لبنان ، و كان عليه أن لا يلتـفت الى الشعـب السوري الذي هب تلقائيا تحت تأثير التهديدات الغـربية والتركية والصهيونية إلى طلب الوحدة مع مصر سنة 58.. كما كان عليه أن لا يعادي الإقطاع والرأسمالية في الداخل و أن يمنح السلطة على طبق من ذهب للباهوات والباشوات أو للإخوان المسلمين من خلال لعـبة الانتخابات التي ستمكـنهم من سرقة الثورة .. كما كان أولى به أن يهتم بمصالح مصر الحيوية فيربط علاقات متينة مع الولايات المتحدة ، تلك القوة العظمى الصاعدة .. حتى و ان وقفت في صف العدو ، أو حتى وهي تريد فرض شروطها المجحفة و المذلـة حينما أرادت مصر ان تبني معها علاقات ندّية في بداية الثورة .. و كان عليه أيضا أن لا يجاهـر الغـرب العداء ، وان يتجـنب العدوان الثلاثي الذي شنته بريطاننيا وفرنسا واسرائيل سنة 56 فيقـبل بالسيطرة الكاملة على شركة قـناة السويس بوابة مصر الى العالم ودعامتها الاقـتصادية ، والتي تريدها بريطانيا موطئ قدم للهيمنة والنفوذ بعد انسحاب قواتها .. كما كان عليه ان لا يفضح مخططاتها في المنطقة ، و ان لا يعمل على افشالها كما افشل حلف بغداد منتصف الخمسينات ، وأن يعـتـرف في النهاية بالكيان الصهيوني ليريح مصر من كل تلك الأعـباء ..
ذلك هو منطق " العقلاء " و " الحكماء " في قراءة اسباب الهزيمة في معـركة كان يخوضها عبد الناصر نيابة عن الامة باكملها ، و بامكانيات دولته الاقليمية وحدها في حين انها معـركة تقـتضي حشد كل الامكانيات القومية ، و هي المعـركة التي لا تقف فيها اسرئيل بمفردها في مواجهة مصر ، بل تقف معها كل الدول الغـربية الداعمة لها سياسيا و اقتصاديا وعسكريا و على رأسها الدول العظمى .. ثم تقف الى جوارها و تسندها الحركة الصهيونية في جميع أنحاء العالم ، وتجمع لها التبرعات من جميع اليهود وتضمن لها التأييد من جميع البرلمانات الغـربية ، كما تملك أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم التي تجـنـد لها العملاء في كل العواصم و منها عواصم الدول العـربية .. اضافة الى اغلب الانظمة العـربية والحكام الذين ناصبوا الثورة العداء منذ أول يوم خوفا على مصالحهم المرطبة بالاعداء                       ..
و قد جاءت مثل هذه القراءة " العـبقـرية " للهزيمة في ما صدر عن الشيخ " العلامة " يوسف القرضاوي من مذكرات كـتـبها في السنوات الاخيـرة بعد غـزو العراق يقارن فيها ما حلّ بمصر بما حلّ بالعراق ، و ما حصل لعـبد الناصر بما حصل لصدام حسين ، كأكبر تعـبيـر عن الشماتة ، لا يتصور عاقل ان تاتي من شيخ يدّعي مسؤوليته الدينية عن أمة لا يقل عددها عن مليار من المسلمين .. ورغم انه عبـّر في جملة بانه لا يؤيد هذه الآراء التي نقـلها بدهاء في سياق الاستدلال على ظلم الحكام الذين دفعوا الناس كما قال الى ان يستبدلوا " شرا بشر " الا انه باستعماله مثل هذه العـبارات من عـنده ، و باجتهاده في تبرير تلك المواقف الشاذة ، التي قام بتضخـيـمها و أوحى بانها منـتـشـرة بين المواطنين ، قد قـبل عمالــتهم و خيانتهم لاوطانهم عندما تحالفوا مع الاحتلال وسهّـلـوا مهمته في العـراق ، اوعـندما اكتـفـوا بقـبوله أو بقبول الهزيمة في مصر ، تحت ذريعة لا يجوز ان تكون محل نقاش او تبرير ... و ان من يقرأ تلك المذكرات المليءة بالحقد و الاكاذيب و التعميم ، لا يجد سوى التشكيك وبث روح الهزيمة والاحباط ، الى جانب السطحـية في فهم ما جرى للامة على مدى قـرون ، ناسيا او متـناسيا أن ما حصل كان في الواقع نتيجة مخطط مدروس و حصار رهيب مضروب على المشروع النهضوي .. و قد فهمت - منذ زمن مبكـر- كل القوى الطامعة في ثروات الامة ان بقاءها موحّدة ، معـناه استحالة اخضاعها و السيطرة عليها ، فبادرت قـبل ان يبدأ اي انسان يفكـر في بناء الدولة القومية ، الى تقسيم الوطن العـربي وتكريس مشروع التجزئة ، ثم قامت بزرع كيان يعطل الى الابد تحقيق الوحدة الشاملة التي لا يمكن منطقـيا وعمليا ان تتحقق الا بازالته .. و من أجل ذلك ايها " الحـُـكماء " كانت تتعـرض ثورة يوليو للهجوم المنظم والعدوان والحصار، الذي ساهمت فيه أطراف متعددة بما فـيها تلك التي تتحدث عن الهزيمة الى اليوم ، عـندما اختارت بوعي او بدون وعي الوقوف في صف الثورة المضادة ، وعندما تحالفت مع الإقطاع والرأسمالية والرجعـية العـربية التي مانفكت تتآمر على مستقبل الامة خدمة لمصالحها لا غير                                 ...
ولعل فضيحة رسالة الملك فيصل التي وجهها سنة 1966 للرئيس الامريكي جونسن طالبا فيها صراحة العدوان على مصر ، أكبر دليل على جرائم تلك الانظمة في حق الامة .. حيث يقول نص الرسالة الواردة في كتاب عـقـود من الخيبات للكات حمدان حمدان الطبعة الاولى 1995 عن دار بيسان ص 489 والتي اورد فـيها الملك فـيصل عدة مقـترحات لكسر شوكة مصر نهائيا منها :
"
أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية ، لتضطرها بذلك لا إلى سحب جـيشها صاغـرة من اليمن فقط ، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أى مصرى رأسه خلف القـناة ، ليحاول إعادة مطامع محمد على وعبد الناصر فى وحدة عربية . بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفـية أجساد المبادئ الهدامة ، لا فى مملكتنا فحسب ، بل وفى البلاد العـربية ومن ثم بعدها ، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبـيهاتها من الدول العـربية إقتداءا بالقول ( أرحموا شرير قوم ذل ) وكذلك لإتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام ".                                           
ان هـزيمة 5 يونيو 67 تؤكد بأكبر قدر من الوضوح ، ومنذ ذلك الوقت الى الآن ، أن الصراع القائم في الوطن العـربي انما هو بالاساس على مضامين اجتماعـية تحررية قائمة بين التقـدميـيـن والرّجـعـيـيـن من أي فـئة أو طائفة أو عـرق أو دين أو مذهب ، وليس على أي اساس آخـر مغلوط
  .. 




( القدس ) .
 



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق