دروس من الهزيمة ( 4 ) .
حين حصلت
الهزيمة في 5 يونيو سنة 1967 لم تذهب بالارواح الـزكـيـة التي حصدتها الحرب ومعها
الخسائر المادية في الآليات والمعدات فحسب ، بل أخذت جزءا هاما من مجهود الشعـب
العـربي في مصري الذي أصبح لـزاما تخصيصه لأعادة بناء القوات المسلحة ، وتوفـيـر
كل ما تحتاجه من تجهـيـزات ومعدّات لازمة للمعـركة القادمة ، التي يجب ان تكون على
درجة عالية من التجهـيـز والتخطيط لتحقـيـق النصر القادر وحده على اعادة الثقة
والاعتبار سواء للجنود والقادة الميدانيين والسياسيين أو لعامة الشعـب الذي أصيب
بالذهول والاحباط ، وللأمة العـربية قاطبة .. وقد كانت تلك المهمّة من أصعـب
المهمّات على القيادة ، كما كان النجاح فيها من أكبر التحديات على الاطلاق ..
ولعل ما حدث يومي 9 و 10 يونيو 67 لم يكن حدثا عاديا في مصر والوطن العربي والعالم ، حيث لم يشهد التاريخ القديم والحديث تمسك الجماهـيـر بقائد مهـزوم ، مثلما حدث لجمال عبد الناصر ، الذي صار لـزاما عليه أيضا بعد هذا التفويض والاستفتاء العفوي من الشعب ، أن يبدأ أولا وقـبـل كل شئ بتحديد المسؤولية والمحاسبة ، متخذا كل التدابـيـر اللازمة لتطهـيـر القوات المسلحة وبقـيـة مؤسسات الدولة وأجهـزتها من الفاسديـن ، ثم الالتفات الى تعـديل الخطط الاقـتصادية للتـّحوّل من اقـتصاد الحرب الباردة الهادف الى تحقيق التـنمية والـرخاء ، الى اقـتصاد الحرب الفعلية القائم على التقشف والتقـتـيـر .. الى جانب الشروع في ابرام الصفقات العسكرية لاعادة التسليح ، والبدأ في وضع الخطط الحربـية والتدريب عليها الخ ..
وقد كان من المدهش والمذهـل حقا ، ان يرى العالم مصر التي كانت تمـرّ بأحـلـك الفـتــرات وهي تسجل أعلى درجات النمو الاقـتصادي في تلك الفـتـرة الحرجة ، ليصل الى ما لا يقـل عن 8 % أواخـر الستينات .. وهي نسبة لم تحقـقها حتى الدول الصناعـية المتقدمة وهي في حالة السلم ماعدا اليابان وبعض الدول الاشتراكـية .. ليكون ذلك دليلا شاهدا على تضحـيات الشعـب ونجاح الخـيارات الاقـتصادية التي يقودها القطاع العام ، ذلك المكسب الوطـني الذي حقـقـته مصر ليكون ركـيـزة اساسية في مواجهة الهـزّات والازمات .. ولكي تبرهن الثورة أن الهزيمة هي مجرد حدث عارض لا شك أن كل الأمم والشعوب في العالم قد تعـرّضت له ولو مـرّة في تاريخها ..
غير أن الاصلاحات التي وقعت على أعلى مستوى في جميع مؤسسات الدولة ، الى جانب نقل العمل العسكري من السير التـلقائي ، ومن ردود الفعـل السلبـيـة الى التخطيط العلمي ، الذي ظهر من خلال نجاح مصر في ادارة الصراع مع العـدو وفق متطلبات تلك المرحلة حين وقع جـرّه الى صراع طويل بدل الضربات الخاطفة التي كان يعتمدها ، مما أدّى الى استنزاف قدراته ، وتحطيم معنوياته ، ليصل في الوقت المناسب الى دفع الثمن كما حصل في حرب أكـتوبـر سنة 1973 .. وقد كان كل ذلك - بلا شك - دليلا شاهدا على أخطاء الماضي التي ساهمت في الهـزيمة .. تماما مثلما تؤكد العديد من المظاهـر السلبية التي ظهرت قبل الهـزيمة في المجـتمع والجـيش وأجهـزة الأمن على أن كل ذلك لم يأت من فـراغ ..
ولعـلـّـنـا بالرجوع منذ البداية الى الخطوات التي اتخـذتها الثورة كبديل لحل الاحزاب سنة 1953 ، نلاحظ أن المؤسسات الشعـبـية التي تم تأسيسها لملء الفراغ بداية بهـيئة التحرير ، مرورا بالاتحاد القومي ، ووصولا الى الاتحاد الاشتـراكي ، كانت بمثابة الشباك الذي يقع سحبه في البحر فيجرف كل ما يقع في طريقه من الحيتان والأسماك الكبيـرة والصغـيـرة على حد السواء ، الى جانب الطحالب وكل أنواع الكائنات البحرية والموجودات الضارة والنافعة ، لتكون بعد ذلك عـبءا ثـقـيلا على الصيادين لما يـبـذلونه من جهد ، وما يمضونه من وقـت في فـرز غـثها من سمينها .. وبالرغم مما فـي تلك المؤسسات من عـبقرية ثورية ، ومضامين ديمقراطية متفوّقة على المضامين الليبرالية الا أن هيكلتها كانت تمثل الحلقة الأضعـف والثغـرة التي استطاعت الرجعـية والانتهازية وأعداء الشعـب النفـاذ منها ، لتـتسلق من خلالها الى أعلى هـرم السلطة المحلية والمركـزية بعد أن أصبحت تلك المؤسسات تساهم في تعـيـيـن المتـرشحيـن وانتخابهم لتولي أعلى المسؤوليات في الدولة .. إذ أن كل الذين أجـبـرتهم الثورة على مغـادرة أحـزابهم بعـد أن قامت بحلها في 16 يناير 1953 ، لم يتوقـفوا عن ممارسة نشاطهم السياسي ، بل اندسّوا - وهم الأكـثـر خبـرة و دهاء - في تلك الأطـر ، فملؤوها شعارات وصخبا ثوريا ، ثم حوّلوها الى زفــّـة مهمّـتها نفاق القيادة والشعـب لتحقـيق أغـراضهم .. وهم الذيـن تسبّـبوا في ظهور العـديد من السلبـيات والفساد في مؤسسات الدولة رغم ما تبذله الثورة من جهـد للارتقاء بالوعي الثوري والممارسة الثورية ، الى المستوى المطلوب .. والواقع فان تفطن القـيادة لتلك الثغـرات بعد سنوات مريـرة من التجارب منذ بداية الثورة حتى صدور الميثاق وقوانين يوليو مطلع الستينات التي جاءت متضمّنة كثيرا من التعـديلات الخاصة بالفـرز والمراقـبة والعـزل السياسي ، لم يكن كافـيا لتغـييـر الواقع الذي كان يستحق كل الحلول التي أتت بعـد الهـزيمة وأكـثـر ..
لقد علمتنا هـزيمة 5 يونيو 1967 أعظم الدروس في هذا الجانب مفادها أن الفـردية فاشلة ، لأن الفرد مهما كان صدقه و ولاؤه لوطـنه وأمته ، ومهما كانت عـبقـريـته والتفاف الجماهـيـر حوله ، فهو لا يقدر وحده على تحقـيق المشروع النهضوي ، وضمان استمراره .. ويـبـقـى التـقـدّم على خطى الديـمقـراطـية و بناء المؤسسات الخاضعة للقـانـون والمراقبة الفعّـالة والمحاسبة هو الطـريـق الصحيح للتقدم والرخاء وتحقيق الـنـصـر ..
ولعل ما حدث يومي 9 و 10 يونيو 67 لم يكن حدثا عاديا في مصر والوطن العربي والعالم ، حيث لم يشهد التاريخ القديم والحديث تمسك الجماهـيـر بقائد مهـزوم ، مثلما حدث لجمال عبد الناصر ، الذي صار لـزاما عليه أيضا بعد هذا التفويض والاستفتاء العفوي من الشعب ، أن يبدأ أولا وقـبـل كل شئ بتحديد المسؤولية والمحاسبة ، متخذا كل التدابـيـر اللازمة لتطهـيـر القوات المسلحة وبقـيـة مؤسسات الدولة وأجهـزتها من الفاسديـن ، ثم الالتفات الى تعـديل الخطط الاقـتصادية للتـّحوّل من اقـتصاد الحرب الباردة الهادف الى تحقيق التـنمية والـرخاء ، الى اقـتصاد الحرب الفعلية القائم على التقشف والتقـتـيـر .. الى جانب الشروع في ابرام الصفقات العسكرية لاعادة التسليح ، والبدأ في وضع الخطط الحربـية والتدريب عليها الخ ..
وقد كان من المدهش والمذهـل حقا ، ان يرى العالم مصر التي كانت تمـرّ بأحـلـك الفـتــرات وهي تسجل أعلى درجات النمو الاقـتصادي في تلك الفـتـرة الحرجة ، ليصل الى ما لا يقـل عن 8 % أواخـر الستينات .. وهي نسبة لم تحقـقها حتى الدول الصناعـية المتقدمة وهي في حالة السلم ماعدا اليابان وبعض الدول الاشتراكـية .. ليكون ذلك دليلا شاهدا على تضحـيات الشعـب ونجاح الخـيارات الاقـتصادية التي يقودها القطاع العام ، ذلك المكسب الوطـني الذي حقـقـته مصر ليكون ركـيـزة اساسية في مواجهة الهـزّات والازمات .. ولكي تبرهن الثورة أن الهزيمة هي مجرد حدث عارض لا شك أن كل الأمم والشعوب في العالم قد تعـرّضت له ولو مـرّة في تاريخها ..
غير أن الاصلاحات التي وقعت على أعلى مستوى في جميع مؤسسات الدولة ، الى جانب نقل العمل العسكري من السير التـلقائي ، ومن ردود الفعـل السلبـيـة الى التخطيط العلمي ، الذي ظهر من خلال نجاح مصر في ادارة الصراع مع العـدو وفق متطلبات تلك المرحلة حين وقع جـرّه الى صراع طويل بدل الضربات الخاطفة التي كان يعتمدها ، مما أدّى الى استنزاف قدراته ، وتحطيم معنوياته ، ليصل في الوقت المناسب الى دفع الثمن كما حصل في حرب أكـتوبـر سنة 1973 .. وقد كان كل ذلك - بلا شك - دليلا شاهدا على أخطاء الماضي التي ساهمت في الهـزيمة .. تماما مثلما تؤكد العديد من المظاهـر السلبية التي ظهرت قبل الهـزيمة في المجـتمع والجـيش وأجهـزة الأمن على أن كل ذلك لم يأت من فـراغ ..
ولعـلـّـنـا بالرجوع منذ البداية الى الخطوات التي اتخـذتها الثورة كبديل لحل الاحزاب سنة 1953 ، نلاحظ أن المؤسسات الشعـبـية التي تم تأسيسها لملء الفراغ بداية بهـيئة التحرير ، مرورا بالاتحاد القومي ، ووصولا الى الاتحاد الاشتـراكي ، كانت بمثابة الشباك الذي يقع سحبه في البحر فيجرف كل ما يقع في طريقه من الحيتان والأسماك الكبيـرة والصغـيـرة على حد السواء ، الى جانب الطحالب وكل أنواع الكائنات البحرية والموجودات الضارة والنافعة ، لتكون بعد ذلك عـبءا ثـقـيلا على الصيادين لما يـبـذلونه من جهد ، وما يمضونه من وقـت في فـرز غـثها من سمينها .. وبالرغم مما فـي تلك المؤسسات من عـبقرية ثورية ، ومضامين ديمقراطية متفوّقة على المضامين الليبرالية الا أن هيكلتها كانت تمثل الحلقة الأضعـف والثغـرة التي استطاعت الرجعـية والانتهازية وأعداء الشعـب النفـاذ منها ، لتـتسلق من خلالها الى أعلى هـرم السلطة المحلية والمركـزية بعد أن أصبحت تلك المؤسسات تساهم في تعـيـيـن المتـرشحيـن وانتخابهم لتولي أعلى المسؤوليات في الدولة .. إذ أن كل الذين أجـبـرتهم الثورة على مغـادرة أحـزابهم بعـد أن قامت بحلها في 16 يناير 1953 ، لم يتوقـفوا عن ممارسة نشاطهم السياسي ، بل اندسّوا - وهم الأكـثـر خبـرة و دهاء - في تلك الأطـر ، فملؤوها شعارات وصخبا ثوريا ، ثم حوّلوها الى زفــّـة مهمّـتها نفاق القيادة والشعـب لتحقـيق أغـراضهم .. وهم الذيـن تسبّـبوا في ظهور العـديد من السلبـيات والفساد في مؤسسات الدولة رغم ما تبذله الثورة من جهـد للارتقاء بالوعي الثوري والممارسة الثورية ، الى المستوى المطلوب .. والواقع فان تفطن القـيادة لتلك الثغـرات بعد سنوات مريـرة من التجارب منذ بداية الثورة حتى صدور الميثاق وقوانين يوليو مطلع الستينات التي جاءت متضمّنة كثيرا من التعـديلات الخاصة بالفـرز والمراقـبة والعـزل السياسي ، لم يكن كافـيا لتغـييـر الواقع الذي كان يستحق كل الحلول التي أتت بعـد الهـزيمة وأكـثـر ..
لقد علمتنا هـزيمة 5 يونيو 1967 أعظم الدروس في هذا الجانب مفادها أن الفـردية فاشلة ، لأن الفرد مهما كان صدقه و ولاؤه لوطـنه وأمته ، ومهما كانت عـبقـريـته والتفاف الجماهـيـر حوله ، فهو لا يقدر وحده على تحقـيق المشروع النهضوي ، وضمان استمراره .. ويـبـقـى التـقـدّم على خطى الديـمقـراطـية و بناء المؤسسات الخاضعة للقـانـون والمراقبة الفعّـالة والمحاسبة هو الطـريـق الصحيح للتقدم والرخاء وتحقيق الـنـصـر ..
محمد عامر
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق