الارهاب ظاهرة
دولية وعالمية تجتاح العالم طولا وعرضا ، لكنها تكاد تستقر اليوم في الوطن العربي
لتتحوّل الى ظاهرة عربية بامتياز بعد أن صارت تستهدف دولا وجيوشا عربية بعـينها ..
وهو ما يفسر تورط العديد من الأطراف الخارجية التي تحرك الحركات الارهابية على غرار قطر وتركيا
والسعودية والولايات المتحدة الامريكة التي تشترك جميعا في تأجيج الصراع في سوريا والعراق و اليمن لتدمير هذه
الدول وادخالها في دوامة العنف الطائفي والديني .. ولهذا فان تونس ليست بمنأى عن
هذه المخططات ، والتجاذبات والصراعات الواقعة في هذه المواقع الساخنة من الوطن
العربي ، باعتبار ما تمثله من هامش
للحريات من ناحية أولى تسمح بتواجد الارهابيين .. وباعتبار ضعف المؤسسة الامنية والعسكرية
بسبب المرحلة الانتقالية التي شهدتها تونس بعد الثورة من ناحية ثانية .. فضلا عما
تمثله تونس بالنسبة للحركات الدينية
المتطرفة من أهمية استراتيجية للانطلاق والتوسع شرقا وغربا مثلما لعبت هذا الدور
في السابق انطلاقا من مدينة القيروان في عهد عقبة بن نافع .. !! فالتاريخ بالنسبة
لهؤلاء يمكن أن يعيد نفسه .. !!
ولعل تتالي الاعتداءات الارهابية في تونس
تؤكد عدم تراجع الارهابيين عن التمادي في مخطتهم المتمثل في تهديد الامن وارباك
الدولة والمؤسسات الامنية والعسكرية وهو ما يتطلب مواجهة محسوبة و حاسمة في اطار
استراتيجية واضحة ومحكمة طويلة المدى تأخذ بكل الجوانب السياسية والاقتصادية والدينة
والاجتماعية والتعليمية والاعلامية وغيرها ..
فالدولة التي تعمل على مقاومة الارهاب وتسعى في نفس
الوقت لحماية عناصرها في الأمن والجيش ، لا بد لها ـ لكي تنتصر عليه ـ أن تعيد
النظر في عدة جوانب تخص القدرات القتالية لرجال الأمن ، الذين ابتعدوا عن التدريب منذ انهائهم لفترة التربص التي مروا بها في بداية انتدابهم ،
في حين يتدرب الارهابيون بشكل دائم و مستمر مباشرة على أرض المعـركة ... كما
يستوجب تأهيل عدد أكبر من الوحدات الخاصة والمتخصصة القادرة
على التصدّي للهجمات المحتملة في الوقت المناسب والمكان المناسب ..
هذا ولا بد للـدولة في نفـس الوقـت أن تـراجـع نوعـيـة الاسلحة المستعملة
ومدى فاعليتها في التصدي للارهابيين الذين يمتلكون معدات متطوّرة وفعالة .. كما لا بد للخطة الاستراتيجية المعدّة لمقاومة الارهاب أن تسد منافذ الاستقطاب
على جميع الواجهات ومنها نافذة الاعلام
على شبكة الانترنات ، والتمويل الخارجي ، وجمع المال المتخفي بالأعمال الخيرية
ومساعدة المحتاجين وهي مجالات حسّاسة يجب
أن تبقى خاصة بالدولة .. الى جانب متابعة نشاط الجمعـيات بجعلها تحت المراقبة
الخاصة والمحاسبة المالية في اطار ما يضبطه القانون دون المس من استقلاليتها وحرية
ممارستها لنشاطها .. ان نجاعة خطة الدولة في محاربة الارهاب ، تقتضي أحيانا تدخلها في بعض المجالات التي تمس نسبيا من الحريات
الفردية للأشخاص أو للجماعات العمومية تحسبا لكل الأخطار المحتملة التي تهدد سلامة
الافراد والجماعات .. غير أن مثل هذه الممارسات قد تكون على درجة هامة من الخطورة حينما تكون غير راجعة لعلم الدوائر القانونية
المختصة ، أو حينما يكون مثل هذا التدخل بغـيـر سند قانوني نابع من المؤسسة
التشريـعـية التي اختارها الشعب ..
اضافة الى كل ذلك ، لا بد للتشريعات والحلول المتبعة في مكافحة الارهاب أن تمسّ بالمعادلة الاقتصادية ، فتكون ضامنة للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية
القائمة بالاساس على حق الشغل والتوزيع العادل للثروات بين الفئات الاجتماعية والجهات
.. ولا بد لتلك
التشريعات أن تمسّ من محتوى البرامج التعليمية والدينية التي يفترض أن تعـيد
التوازن للفرد ، وتعمل على تجذيـره في محيطه العربي والاسلامي .. كما يستوجب أن
تساهم في اعداد الفرد وتربيته على قيم المواطنة السليمة والسلوك السوي ، وقبول
الاختلاف بكل مظاهـره في الحياة والمجتمع ..
( نشرية القدس العدد 147 ) .