بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 نوفمبر 2015

معايير الحرب و السياسة ..

في الوطن العربي أو في غيره من الأوطان في العالم ، يمثل التدخل الخارجي للقوى الكبرى ، اعتداء على السيادة الوطنية والقومية ، وهو عادة لا يكون تدخلا مجانيا ، ودون  مطامع اقتصادية وسياسية وسيادية احيانا .. ولعل من أكثر التدخلات الدولية المرفوضة في الوطن العربي ، التدخل الامريكي المعروف لدى العام والخاص بانحيازه للعدو التاريخي للامة العربية ، ومساندته اللامشروطة لكل مخطاته وسياساته وعدوانه منذ نشأته الى الآن .. والمعروف أيضا بأهدافه في فرض السيطرة والهيمنة والتبعية وغيرها .. 
وهكذا شاهدنا موجة الانتقادات ، والحملات الاعلامية الساخنة ضد التدخل الروسي الاخير في سوريا ، فمن قائل بانه تدخل استعماري مرفوض ، وأنه يهدف لانقاذ النظام .. الى قائل بأنه تدخل  نظام شيوعي ضد الاسلام ، او أنه معادي لثورة الشعب السوري الخ ..   !!
كما نجد في الجانب الآخر قوى متحفضة أو متذبذبة ، أو غير مهتمّة ، وصولا الى القوى المبتهجة والمؤيدة باعتبار ما سيحدثه مثل هذا التدخل من تغيير جذري في موازين القوى ، ثم في نتائج الصراع التي يرجى تحقيقها  .. فكيف يمكن التعامل موضوعيا مع هذه المعادلة ، ووفق أي معايير يمكن الحكم على الاحداث الجارية ..؟؟ 
في البداية لا بد أن نذكّر بتلك المعايير الثابتة في الحرب أو في السلم ، التي تقود التحالفات والعلاقات الدولية ، وهي المصلحة الوطنية والقومية العليا ، بكل ما تعنيه ، من محافظة على كرامة الشعب  واستقلال الوطن وسيادة الدولة على مياهها وثرواتها وقرارها الوطني ، وفي هذا لا نلوم الا أنفسنا اذا كنا نتبع ما يضر بهذه المصالح ، ولا نلوم القوى الدولية على ما تفعله من أجل جرنا للوقوع تحت هيمنتها .. غير أنه من الضروري القول ايضا بانه ليس كل تعامل بين الدول ، او تعاون أو تحالف ، يؤدي بالضرورة الى التبعـية ، والاخلال بتلك المصالح .. وهذا يمكن ان نحكم عليه من خلال عدة معايير ثابتة ايضا في العلاقات الدولية ، وهي المبرّرات الموضوعية التي تؤكد حاجة الدولة والشعب لمثل تلك العلاقة ، والضوابط القانونية التي تحدد مجالات  التعامل ، وبنود الاتفاقيات بما فيها من أهداف وآليات وسقف زمني ، وصولا الى النتائج الحاصلة على الارض  ، والمصالح المتحققة للدولة والشعب والوطن من وراء تلك العلاقات ، وهذا فضلا عما يجب أن يتوفر من شروط  لتحقيق العلاقات المتوازنة لتكون في خدمة المصالح المشتركة ، دون أن تؤدي الى سيطرة طرف على الآخر  فيفقد هيبته ، او قراره السيادي الذي يهدّد استقلاله الوطني ومصالحه ومستقبله الخ ..  وفي خصوص التدخل الروسي في سوريا  لا بد من النظر الى وجهي المعادلة ، حيث يُظهر الوجه الاول الطرف الروسي وهو لاشك يدافع عن مصالحه مثل اي متدخل آخر في الحرب ، حيث لا يعقل ان تعرّض اي جهة مصالحها ، أو معداتها ، و جنودها ، الى الخسائر والمخاطر دون مقابل ، سواء على المدى القريب أو البعيد ، وهو عمل مشروع  تسعى كل الدول الى تحقيقه ، اذا كان  يؤدي فعلا الى التعاون و تبادل المصالح .. أما الوجه الثاني فهو المتعلق بمن يقبل التدخل ـ اي النظام السوري ـ الذي يحق له كما يحق لغيره أن يقدر المصلحة الوطنية في مثل تلك الظروف ليعمل على تحقيقها باي طريقة يراها مناسبة .. غير أن ما يهمنا في هذا الجانب هو مدى مطابقة هذه التقديرات لتلك المصلحة الوطنية والقومية التي حدّدناها ، وانعكاسات هذا التدخل على سيادة سوريا واستقلالها ، وهو المعيار الذي يجب أن تخضع له أيضا كل  المواقف الرافضة والمؤيدة  في نفس الوقت ، وليس الى اي معيار ذاتي ، أو عاطفي ، أو حزبي ، لأي جهة كانت  ..
بالنسبة للظروف والملابسات ـ  وبقطع النظر عن الموقف من النظام ـ  فيبدو أنه النظام العربي الوحيد الذي لم يقبل الى حد الآن أي تنازل من اي نوع ، ولأي طرف ، رغم الحصار والابتزاز الذي ظل يتعرض له  خلال حرب الخليج وما بعدها ، من طرف الولايات المتحدة .. في حين تتنازل باستمرار كل الانظمة والاحزاب اليمينية والدينية ـ التي تنتقد التدخل الروسي وتقبل بالتدخل الامريكي بكل ما يفرضه عليها من تبعية وخضوع للولايات المتحدة ، ولا تتعامل معها على اساس الصديق والحليف والشريك  فحسب ، بل على اساس السيد الذي يأمر وينهى وهي تنفذ ..       
أما بالنسبة للتدخل في حد ذاته ، فيمكن ان يقاس على الوضع الذي أدّى اليه .. هل حدث مثلا في ظرف السلم ، طلبه النظام عمالة ورغبة في الخضوع لروسيا كما تفعل عادة كثير من الدول عمالة وخضوعا وتنازلا عن السيادة  للولايات المتحدة الامركية  .. ؟؟ وهل هو مفروض بالقوة على النظام مثلما يحدث في حالات الغزو ، أو الهيمنة التي تخضع لها الدول تحت الضغط والمساومة والتهديد  ، كما هو جاري بالفعل في دول عربية مغلوبة على أمرها ..؟
 والجواب بلا ، دون شك .. لأن هذا التدخل يكفيه في الجوانب القانونية الغطاء الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة " لما يسمى الحرب على داعش " وتظاهرت بالمشاركة فيه أطراف اروبية وعربية  متورطة في دعم الارهاب ..   
ومن الناحية الزمنية والظرفية ، فان التدخل الروسي ليس هو الوحيد ، وليس هو الأول ولا الاخير في هذه الحرب الضارية التي خاضها الجيش العربي السوري ، ضد العصابات التكفيرية المدعومة من أطراف تسمح لنفسها بالتدخل الذي يؤدي الى انتهاك السيادة السورية ، وتنادي بالمزيد من التدخل لاسقاط النظام ، ثم تنتقد التدخل الروسي ، ومثل هذه المواقف الانتهازية واللاأخلاقية تمثلها تركيا وبعض الدول العربية الرجعية العميلة ، التي تفوق النظام السوري عشرات المرات تخلفا واستبدادا  ..  ثم من ناحية الحاجة والظرورة والمصلحة ، فان سوريا يحق لها  بناء التحالفات التي تراها مناسبة دفاعا عن وجودها وسيادتها ومصالحها وهي التي تتعرض منذ خمس سنوات الى حرب ابادة وعدوان همجي لم تشهد البشرية مثله من قبل ، تنفذه عصابات قادمة من جميع انحاء العالم لا علاقة لها بسوريا ، ولا بمشاكلها ، أو بمستقبلها وثورتها .. بل ترتبط فقط بالمخططات الدولية والاقليمية ذات المصلحة في ضرب الثورات الحقيقية وليس العكس ..
 أما من ناحية النتائج ، فان الحكم عليها  يبدو سابقا لأوانه ، وهو يتوقف بالاساس على الأجوبة التي نحتاجها لمثل هذه الأسئلة  :  
هل سيؤدي هذا التدخل الى سيطرة روسية على الشؤون الداخلية لسوريا ؟ وهل هذه الدولة التي يقع تدخلها محل شبهة ، تملي سياساتها وخياراتها على النظام السوري ؟ وهل سينتهي تدخلها بقواعد عسكرية مثلا ، أو باحتلال ، او بتبعية وعمالة للسوفيات الخ ..

الواقع لا يحمل اي مؤشرات دالة على ذلك  .. 


( نشرية القدس 204 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق