بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 يناير 2015

شاهد عيان ..


شاهد عيان ..

كانت الساحة الجامعـية بالعاصمة تعج بالنشاط خلال الأيام الأخيرة لشهر ديسمبر 1984 بعد الاعلان عن الزيادة في سعـر الخبز والمواد الأساسية .. وكان جموع الطلبة يتناقلون الأخبار الواردة من الجهات .. كما كانت الأطراف الساسية الناشطة على الساحة الجامعـية تصعّد من تحرّكاتها .. اجتماعات عامة  هنا ، وحلقات نقاش هناك .. حالة من التأهّب والاستنفار في جميع الأجزاء  ..  
 لقد اندلعت الشرارة الأولى في مدن الجنوب يوم 29 ديسمبر 1984 ، وامتدت من جهة الى أخرى حتى اتسعت دائرتها بأقصى سرعة الى مدن الشمال  حيث بدأت تتواتر أخبار الشهداء .. وهكذا بلغت الأحداث وتيرتها القصوى يوم 3 جانفي لتعمّ الانتفاضة وينتشر الغضب في كل مكان ..
لازلت اذكر تفاصيل ذلك اليوم ، حيث انطلقنا من مقر الاقامة بالمبيت الجامعي بحي الزهور سيرا على الاقدام ، ثم ملنا الى كلية الطب التي دخلناها قبل الساعة الثامنة .. ومن ثمّ كان الانطلاق في اتجاه شارع 9 افريل أين كانت تصب مسيرات الطلبة والتلاميذ المتدفقة من بقية المؤسّسات المحيطة به مثل كلية الآداب والمعهد الفني بتونس والعديد من المعاهد الاخرى المجاورة  .. فضلا عن  الجماهير الشعبية القادمة من كل صوب وحدب .. وهكذا انطلقت تلك الجموع الغاضبة قاصدة وسط العاصمة .. دخلنا من شارع الى آخر حتى وصلنا الى ساحة الباساج ، ومنها الى شارع باريس .. لقد كان الحماس يدفعـنا للذهاب الى شارع بورقيبة ..  لم نعد نشعـر بالوقت أوبطول المسافة ، كما لم نعد نشعـر بالتعـب ، ولا بالجوع أوبالعطش .. ومع طلوع النهار أدركنا أن قوات الأمن لم تعد تقدر على الدخول الى أي شارع من أي جهة كانت ، كما لم نعد نـرى الا الطائرة المروحية وهي تحلق فوق رؤوسنا ..
 وفي شارع بورقيبة كان التحدّي .. وكانت قوات  الأمن تتمركز في الجهة الشرقية القريبة من وزارة الداخلية .. هناك كانت الأحداث أكثر تسارعا وأكثر دموية .. اذ سرعان ما تعالت أصوات الرصاص .. فكان التراجع الى الخلف بمحاذاة الجدران الأمامية لنزل " الأنترناسيونال " بنصف قامة تقريبا .. وعند انقطاع الصوت ، التفتت الجموع الى الوراء حيث كان أحد المتظاهرين ملقى على الأرض .. !! أخذه بعض الطلبة وانسحبوا به غربا وهو فاقد الوعي ، والدماء تلطخ ثيابه في مستوى البطن .. مالعمل ..؟ الجميع في حالة هستيرية ..!!  لا بد من اسعاف المصاب بأقصى سرعة ..!! عندها التفّ البعض حول سيارة راسية في الشارع ، وتمكّـنوا من خلع أبوابها .. هكذا وجدت نفسي أدفع معهم السيارة  مسافة من الطريق .. ولكن لم أعلم بعدها كيف وصلوا الى المستشفى ..في حين تراجعـت المسيرات الى الوراء في اتجاه شارع الحرية  ، ومنه سرنا الى جهة البلفديـر .. لكن بمرور الوقت المتسارع في يوم الشتاء ، بدأنا نلاحظ الانسحابات .. كل الى الوجهة التي جاء منها .. أو الى وجهة أخرى قريبة .. فأجـبـرني موقعي في تلك الناحية للذهاب الى معهد الفلاحة بالمنزه اين قضيت ليلة الرابع من جانفي .. وفي الغد عدت سيرا على الأقدام الى المبيت الجامعي بحي الزهور من جهة باردو .. وبوصولي تبدّد القلق من وجوه الزملاء بعد أن لازمهم في تلك الليلة بسبب غيابي .. وهناك علمت  بأن الشاب الذي سقط  واستشهد هو الفاضل ساسي رحمه الله ..


( نشرية القدس العدد  157 ) .  





 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق