الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (12) .
( القدس عدد 178 ) .
لقد شرع الاخوان في بناء امبراطوريتهم المالية منذ نشأتهم ، حتى صارت أواخر
القرن الماضي بلا حدود .. وقد كانت بعض مواردهم معروفة وبعضها الآخر مجهولا تماما
حتى للاعضاء والقيادات .. !!
وفي سياق الحديث عن الامكانيات الضخمة التي مكـنت الحركات الاسلامية من التغوّل ، والامتداد بالرغم مما اشتهرت به
من ارهاب وتطرف وأسلوب دموي ، فاننا نجد
مبررا لكل هذا حينما نعرف ما يمكن ان يفعله المال السياسي بالناس في المجتمعات
التي يتفشى فيها الفقر والجهل ، وفي هذا نجد تقريرا وافيا في الموسوعة الحرّة ( ويكيبيديا
) عن علاقة الاخوان بالنظام السعودي الذي يسعى من وراء
ذلك ـ كما هو معـلوم ـ الى " تسليفهم " وتحويلهم الى الوهابية ..
تقول الموسوعة بعد التعريف بالتجمع اليمني للاصلاح الذي يصنف كحزب
اخواني في اليمن أن " جذور الحزب تعود لما عرف " بالـجبهة الإسلامية" عام 1979، وهي ميليشيا مرتبطة بالإخوان
المسلمين ظهرت بدعم سعودي خلال حرب
الجبهة مع الجبهة
الوطنية الديمقراطية المدعومة من اليمن
الجنوبي .." كما يقول التقرير بأن " التجمع اليمني للإصلاح ،
مُعروف منذ فترة طويلة كعميل للمملكة ، لعلاقة قياداته القبلية والعسكرية والدينية
بالسعودية منذ الستينات ، وقد طوّر الحزب علاقة زبائنية خاصة معها وإن لم يكن الوحيد. واعترفت قياداته بتلقي مرتبات من الحكومة
السعودية . كما تموّل المملكة العديد
من المدارس
الوهابية التي يديرها الحزب بشكل غير رسمي . وهي مدارس تــُـتـهـم بتفريخ إرهابيين
ومتطرفين .."
وفي جانب التعريف
أكثر بالحزب يقول نفس المصدر : " برغم تصنيفه أنه الفرع اليمني للإخوان
المسلمين ، ولكنه في الحقيقة خيمة
كبيرة تشمل الإخوان والوهابية ومصالح قبلية وتجارية وعسكرية مختلفة ، فهو لا يشبه الأحزاب الإسلامية
في المنطقة
العربية ، و يمكن تعريفه بأنه ائتلاف معقد بأجندات مركبة " .
و في دراسة أعدها عمرو حمزاوي لمؤسسة
كارنيجي للسلام الدولي ، يقول عن مواقف الحزب : " أن مكونات هذا الحزب المختلفة منعته
من تطوير منصة نيابية واضحة ، فهو يوازن مصالح قبلية وسياسية مختلفة بصورة رئيسية ، ويتأرجح
بين " المعارضة " وموالاة السلطة . لذلك ،
لا يعرف أحد ماهية مواقف الحزب الحقيقية والحزب نفسه لا يعرف كيفية تحقيق أي كانت
تلك الأهداف التي يريد تحقيقها .. "
كما تكشف الموسوعة جوانب مهمة للعلاقة بين السعودية وأطياف الاسلام السياسي في اليمن
تبين بكل وضوح كيف يكون المال السياسي آداة
لصنع العملاء ، والطابور الخامس الذي تحركه الآيادي الخفية عن طريق الاموال المرصودة لخدمة أجنداتها وأهدافها ..
ويقول المصدر أن " عبد الله بن حسين الأحمر وهو
مؤسس الحزب ، كان يتلقى قرابة مليون
وسبعمائة ألف دولار شهريا من السعودية. وهو لم يكن الشيخ القبلي
الوحيد الذي يتلقى مرتبات من السعودية ولكنه
الأبرز .. واعترف عضو الهيئة العليا للحزب حميد الأحمر بتلقيه رشاوى من السعوديين وقال أن
هدفها هو تعبير السعودية عن "وشائج القربى" .. !!
ويضيف
نفس التقرير أن علي محسن الأحمر قد
" تلقى تمويلاً سعودياً جديرٌ
بالإعتبار ، عام 1990 وخلال
المراحل الأولى لتأسيس الحزب " ..
وأن
" المبلغ المقدم من الحكومة السعودية لحزب الإصلاح غير معروف تحديداً، ولكنه
يصل إلى 3.5 مليار دولار سنوياً لكل عملاء المملكة داخل اليمن منتمين لحزب الإصلاح
وآخرين ويُعتقد أنه تم تقليص المبلغ عقب التوقيع على اتفاقية الحدود عام 2000 .. إذ
انخفض راتب الأحمر من مليون وسبعمائة ألف دولار إلى ثمانمائة ألف دولار شهريا ..
"
وفيما
يخص الآليات يشير التقرير الى أن " اللجنة الخاصة" وهي لجنة تابعة لوزارة الدفاع السعودية، تقوم
بتوزيع الأموال والهدايا على عملاء للمملكة السعودية داخل اليمن ،
هدف اللجنة من توزيع الأموال على القبائل عرقلة الحكومة المركزية في بسط نفوذها على
كامل أراض الدولة .."
وعن
التغلغل السعودي في اليمن يقول التقرير أن " هناك تسعة آلاف شيخ قبلي في اليمن ، ستة آلاف منهم يتلقون
أموالاً عن طريق " اللجنة الخاصة " نقداً بدون بنوك أو
تحويلات .. "
ثم
يضيف : " وفي 2005 ، قدرت أعداد متلقي الرواتب السعودية بحوالي
18,000 شخص.
والحكومة اليمنية تعرف ذلك بل ان علي عبد الله صالح ، خلال مفاوضات الحدود مع
السعودية ، اشترط عليها أن تدفع الرواتب عبر قنوات تتحكم فيها الحكومة اليمنية
..." !!
وفي ما يخص علاقة الحزب بالسلطة تقول الموسوعة أن " حزب
التجمع اليمني للإصلاح كان "معارضة موالية " لعلي عبد الله صالح وبديلا
لحزب المؤتمر الشعبي العام سواء
كان في السلطة أو خارجها وهو ما خلق مناخا ديمقراطيا مزيفاً في اليمن ويعد
حزب الإصلاح الضامن الأبرز لبقاء السعودية في
هذه اللعبة . فزبائن السعودية ليسوا حكراً على فصيل واحد
ولكن حزب الإصلاح هو الأوضح .. ".
ولعل
السلطة اليمنية التي كانت تقبل الى حد ما بالتدخل السعودي ، وتعمل على احتوائه وتاطيره ، كانت تشعـر فعلا بالعجز على
مقاومة هذا التدخل الذي أصبح متغلغلا بين صفوف القبائل الموالية للنظام السعودي ، حيث كان التمويل
السعودي للوهابية كما يقول المصدر "
مستعملا لممارسة ما يشبه القوة الناعمة على اليمنيين .. ". وكانت " المدارس
الدينية ( الوهابية ) ،
و " دور القرآن والحديث " والمعاهد العلمية
كما تُسمى ، تموّل من السعودية ويشرف
عليها حزب الاصلاح بشكل غير مباشر .
فتوفر
هذه المدارس ميزانية مستقلة للحزب تقدر بثلاثين مليون دولار سنويا .."
هكذا
تتضح ابعاد مخطط نظام آل سعودي الذي شرع في تغيير استراتيجيته مطلع الخمسينات ، من
تركيز اسس الدولة الدينية في الداخل ، الى تاسيس قوة سياسية في الخارج تابعة له فكريا وحركيا ، يواجه بها المد القومي المتصاعد في تلك الفترة ، والذي
امتد كالنار في الهشيم من المحيط الى الخليج ، واصبح يمثل خطرا حقيقيا يهدد عروش الانظمة الخليجية
بالزوال ، باعتبار طبيعته الوحدوية .. فكان الدين ، والمذهب الوهابي هو السلاح ..
ورغم
ان التقارب بين الملك عبد العزيز آل سعود و الاخوان قد بدأ منذ الاربعينات ، الا
أن اسس التعاون قد اصبحت لا تقتصر على ما يجهر به كل طرف ، بل وأيضا على ما يضمره
من عداء للمشروع القومي الذي بدأت تتحدد ملامحه منذ منتصف الخمسينات ، وبداية
مرحلة الصدام بين ثورة 23 يوليو من جهة ، و الاخوان والنظام السعودي من جهة ثانية
..
وتدعيما لهذا الاستنتاج ، يقول عبد الله بن بجاد
العتيبي في دراسة له بعنوان " الإخوان المسلمون والسعودية : الهجرة والعلاقة " ،
متحدثا عن : " سعي المملكة لمواجهة
المدّ الناصري الثوري خصوصاً وأنّ عبد الناصر ناصب الملكيات العربية العداء ، وكان
يصفها بالرجعـية ، ويسعى للإطاحة بعـروشها ، ونجح مسعاه في ليبيا واليمن وضربت
طائراته المناطق الجنوبية في السعودية ، فتبنّت السعودية دعم التضامن الإسلامي في
وجه المدّ الناصري . وكان أقوى خصوم عبد الناصر في الداخل حينها هم جماعة الإخوان
المسلمين ، فكان استقطاب الإخوان على مبدأ
عدوّ عدوّي صديقي .. " .
ثم ينهي
العتيبي هذه الدراسة بطرح سؤال مهم يقول فيه :
" هل كانوا على وعيٍ بمحاولة عددٍ من الدول استخدامهم في ضرب التيارات القومية
واليسارية فاستغلوا ذلك الوضع لبسط سيطرتهم ونفوذهم على المؤسسات وعقول الأجيال
وتوفير مصادر الدخل للجماعة ...؟ " .
للحديث بقية ...( القدس عدد 178 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق