وينوا البترول ..؟
موضوع الثروات الوطنية يعتبر من المواضيع القديمة
المطروحة منذ الستينات ، حينما بدأت حملات
التأميم في مصر وفي عدة دول أخرى في أمريكا اللاتنية وفي اوروبا الشرقية للقضاء
على احتكار الثروة ، ونهبها من طرف القوى الخارجية وعملائها في الداخل .. ، فجاء
الرد في تونس مشبوها ومبتورا للتشويش على
المطالب من خلال بعث مشروع التعاضد الذي
اثار سخطا شعبيا باعتباره مشروعا للسطو على الأملاك الخاصة ، دون تحقيق لأي مكاسب
شعبية ، في الوقت الذي كان يجري فيه افتكاك
الاراضي من كبار الملاك واعطائها للفلاحين في دول أخرى مثل مصر في نطاق ما سمي
هناك بالاصلاح الزراعي ، فكان الفشل هو المصير الحتمي للتعاضد في تونس بسبب ما لحق
به من شبهات ، قيل وقتها انه مشروع " شيوعي " ، باعتباره قد طرح أسبابا
وتبريرات واهية ، من أهمها القول بتشتت الملكية الزراعية بسبب الميراث ، رغم أن
الواقع كان غير ذلك كما يقول المسؤول عن الاتحاد المركزي للتعاضديات الفلاحية في
ذلك الوقت ، السيد محمد بالحاج عمر في شهادته لمعهد التميمي حول تجربة
التعاضد حين صرح بـ" أنه لم يكن متفقا مع أحمد بن صالح حول طبيعة التعاضديات " لأنها
حسب رأيه " كانت رأسمالية ولم تكن إشتراكية .." ولعل مساندة مشروع التعاضد
من طرف الولايات المتحدة ، وتمويله من الصندوق الدولي أكبر دليل على توجهاته
وطبيعته .. !!
وقد ظل ملف الثروات الوطنية حاضرا ومفتوحا ، خلال كل
التحركات والأزمات التي عرفتها البلاد باعتبار الرصيد المادي الذي يمثله من الثروة
الوطنية من ناحية ، وباعتبار الغموض والتلاعب بالصفقات والعقود وما رافقها من فساد
منذ فترة الاستعمار الى اليوم ، من ناحية ثانية ..
وحتى بعد صدور قوانين مجلة المحروقات في 17 اوت 1999 فان
الصفقات المبرمة مع شركات التنقيب عن البترول ظلت من صلاحيات كبار المسؤولين في
الدولة ووزير الاقتصاد و الطاقة ، والعائلة الحاكمة ، بعيدا عن الشفافية والرقابة
اللازمتين لتحقيق المصلحة الوطنية ..
وهكذا ظل موضوع
الثروات الوطنية بصفة عامة ، موضوعا محرّما حتى جاءت الثورة ، وجاء الدستور الذي
نص في الفصل 13 منه على أن " " الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس
الدولة السيادة عليها باسمه. تعرض عقود الاستثمار المتعلقة
بها على اللجنة المتخصصة بمجلس نواب الشعب. وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في
شأنها على المجلس للموافقة " الا ان هذا المبدأ لم يطبق بحذافره الى حد الآن
باعتبار تواصل الشبهات والغموض حول الصفقات ..
والواقع فان حملة وينوا البترول ، وبالرغم مما فيها من مضامين ثورية ،
واصلاحات وحقوق ، الا ان اختيار الظرف الاحتجاجي المتميز بهشاشة الوضع الامني ،
وبتصدر قوى مشبوهة ، تستغل بعض المطالب المشروعة لتحريك الوضع ، وكسب مواقع سياسية
على حساب تأزيم الوضع الأمني ، ودون الذهاب في المطالب الى المدى المطلوب هو ما
يبعث على الشك في مصداقية الحملة التي استطاعت فعلا ان تستقطب قوى شبابية واعدة ،
مدافعة بجدية عن الثروات ، انظمت الى الحملة بنوايا صادقة ، وعزيمة وطنية .. لذلك
ردّدت عدّدة شعارات لا تتوقف عند البترول ، بل تتعداه الى جميع مظاهر الفساد والاستغلال
والنهب بجميع صوره ، مطالبة بالمحاسبة لجميع المسؤولين القدماء منهم والحاليين .. ( نشرية القدس العدد 179 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق