الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (13) .
أولا - اسلوب التخفي الخطير الذي تتبعه داخل المجتمع حيث يصبح النسيج الاجتماعي نفسه حاضنة طبيعية ، تترعرع داخله ثم تنقلب عليه وتدمّره .. وهي بهذا الفعل تتحول الى وضع شبيه بالخلايا السراطانية التي تنشأ في نقطة ما من الجسم السليم ، ثم تنتشر فيه خلال مرحلة هادئة ، مليئة بالسكون الخداع ، الذي سرعان ما ينتهي بهجوم المرض على الجسم معلنا تدميره دفعة واحدة ..
ثانيا - الحاضنة الدينية التي يتميز بها مجتمعنا حيث يمثل الحضور الديني عند المواطن العربي المسلم أحد أهم الاسباب التي يقع استغلالها في تجنيد المنتمين الى صفوفهم وبالخصوص مع غياب الوعي الديني الكامل للحدود الفاصلة بين ثوابت الدين كمجال من مجالات المحكم الذي يجب اتباعه ، وبين مجالات المتشابه منه حينما يتحول الى فقه على يد المجتهدين ، وهو الذي يمكن مخالفته دون حرج ، باعتباره مجالا من المجالات الخاضعة للتطور والتغير ، التي يصيبها من الاجتهاد ما يصيب كل مجالات الحياة في كل عصر من العصور ..
ثالثا ـ الساحة العالمية المفتوحة التي أصبحت مجالا واسعا وخصبا لتفريخ الفكر الوهابي بين أبناء الشعوب المسلمة الجاهلة تماما بلغة القرآن ، وبتاريخ الاسلام ومذاهبه وظروف نشأته ، حيث يحل الدعاة والايمة المتطرفون بين ابناء المسلمين في مساجد أوروبا ، ودول البلقان والاتحاد السوفياتي ، وافريقيا ، والهند ، وماليزيا ... وفي كل أنحاء العالم ، أين تكون السلطة المركزية في أغلب تلك الدول عاجزة عن مراقبة المساجد أو التدخل فيها وهي لا تملك مرجعية دينية ، ولا مؤسسات خاصة للقيام بتلك الوظيفة .. فيجد هؤلاء المتطرفون فرصتهم كاملة للسيطرة المساجد ، واستغلالها في نشر أفكارهم المذهبية المتطرفة ، ذات النزعة العدوانية ، الاستئصالية التي ينسبونها للاسلام ، فيشوّهون بها عقيدة المسلم .. وهو ما جعل للحركة الوهابية حاضنة عالمية في جميع المجتمعات .. وفي هذا الصدد نجد شاهدا على ما يجري لدى بعض الشعوب المسلمة من أنشطة دعوية متطرفة يذكرها الكاتب الروسي رومان سيلانتيِف الأستاذ المساعد في جامعة موسكو للألسنية في مقال بعنوان " الحركة الوهابية في شمال القوقاز ، النشأة ، والصعود والمستقبل ، نشره موقع " الأوان " بتاريخ 25 آذار / مارس 2010 ، يورد فيه تفاصيل مهمّة عن التغييرات المذهبية التي حصلت في تلك الربوع بسبب النشاط الوهابي المكثف ، ففي الأصل ـ كما يقول التقرير ـ " ينتمي مسلمو شمال القوقاز أساساً إلى اثنين من مذاهب الإسلام السنّي ، هما المذهب الحنفي ( المنتشر في كلّ مكان ) ، والمذهب الشافعي ( الذي يعتنقه أساساً الشيشان والإنغوش وأكثر سكان داغستان) ... غير أن البداية كما يقول الكاتب ـ لم تكن بنت الأمس ... " فقد كانت هناك معلومات موثوقة منذ خمسينات القرن الماضي حول وجود خلايا وهّابية في داغستان ... تمثِّل قوّة ذات وزن ، ثم لم تلبث أن أعلنت عن نفسها بصوت عالٍ عام 1989. يومها تمكّن الوهابيون في بلدان آسيا الوسطى وداغستان من القيام بانقلابات في الإدارات الدينية في تلك المناطق وإبعاد المفتيين عن مراكزهم هناك . وسرعان ما أدّى ذلك في شمال القوقاز إلى سقوط دار الفتوى، وانشقاق المسلمين في داغستان وفقاً لانتماءاتهم القومية .. ويرتبط التزايد العاصف في عدد الوهابيين خلال أواسط التسعينات بعودة المجموعات الأولى من أولئك الطلاب الذين كانوا يدرسون في الخارج . ومن جهة أخرى، ساعد على انتشارهم نشوب الحرب الشيشانية الأولى التي قدّمت لهم عوناً جباراً في هذا المجال، وشارك فيها مئات من الوهابيين المرتزقة .... كما أنّ الوهّابيين، الذين كانوا يفضِّلون أن يسمّوا سلفيين ، أفادوا من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد ، إذ كانت تصلهم من المسلمين في الخارج معونات مالية لا يستهان بها ساعدتهم على تجنيد أنصار جدد بسهولة . على أنّ عملية إرسال الشباب إلى المدارس الدينية في البلدان العربية وتركيا هي التي لعبت الدور الحاسم في تقوية الإسلام غير التقليدي هناك .." .
( القدس عدد 180 ) .
لقد كانت العروبة
ووحدة الوجود القومي هما الأكثر استهدافا
في الفترة الأخيرة ، نظرا لما شهده الوطن العربي من تصعيد وهجمات على كيانه ومصيره
بشكل عام من خلال استهداف مكوّناته الاجتماعية التي استقر عليها بعد فترة طويلة من
التطور والتعايش في ظل الاختلاف الديني ، والعرقي ، والمذهبي ، والطائفي مثله مثل
كل الكيانات القومية التي نشأت في العالم على تلك القاعدة الجامعة ، التي صارت في
المجتمعات المتقدمة علامة تحضّر وتقدّم
وارتقاء بالانسان ، حيث تتحوّل كل مظاهر الاختلاف في المجتمع الواحد الى عناصر
ثراء وتنوّع تماشيا مع سنن الحياة التي
سارت على هذا النهج منذ انطلاقها قبل
ملايين السنين ..
والغريب ان الامة العربية التي كانت مركز الفعل خلال حقب
طويلة لعبت فيها دورا محوريا في استقطاب وتوحيد شعوب مختلفة تحت راية الاسلام ،
صارت فريسة سهلة ولقمة سائغة لكل الطامعين
حينما خرجت السلطة المركزية من يد ابنائها ، بعد فترات صعبة من الضعف والضياع ،
واصبحت هي الحلقة الاضعف في دولة الخلافة والاقل قيمة عند العثمانيين الذين كما
يقول الدكتور إبراهيم علوش " بفرضهم للتخلف ، وبإعادة إنتاجه على مدى قرون ،
لم يحموا الوطن العربي من الأوروبيين بمقدار ما أضعفوه و نخروه ، فلما قرر
الأوروبيون أن الدولة العثمانية قد استنفذت إمكانياتها التاريخية وحانت ساعتها ،
وأن فائدتها كحاجز جغرافي سياسي في مواجهة روسيا القيصرية ومشاريع النهضة العربية
قد نفذت ، راحوا يلتقطون الأقطار العربية كما يلتقط الضبع خرافا بلا راع ، فاحتلت
مصر عام 1882 ، واحتلت السودان عام 1898 ، وفرضت اسبانيا وفرنسا الوصايا على
المغرب عام 1906 ، وبدأ الاستيطان اليهودي في فلسطين في العقود الأخيرة من القرن
التاسع عشر .." ، وهذا فضلا عن احتلال
الجزائر وتونس وليبيا وتقسيم المشرق الى دويلات ووضعها تحت الانتداب الفرنسي أو
البريطاني الخ ..
كل ذلك كما يقول
علوش في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أحد الشخصيات التاريخية التي يقدسها
الاسلاميون .. !! وهي القراءة القاصرة
التي لا تزال تحكم مواقفهم الى اليوم حينما يبالغون في التحالف مع تركيا باعتبار
دورها القديم الذي يسقطونه على الحاضر وهي التي تتحرك في الواقع وفق ما تتطلبه
مصالحها القومية الحالية ، فيضيعون مصالح امتهم بناء على أوهام دولة الخلافة التي
تهاون العثمانيون في الحفاظ عليها حينما كانت السلطة بيدهم وليست بيد العرب ..
وقد كان الخلل في فهم العلاقة بين العروبة والاسلام في
مجتمعنا ، والعجز عن استيعاب تلك التحولات التاريخية الكبرى التي شهدتها البشرية ،
مدمّرا للكيان القومي العربي ، الذي بقي يعاني من التناقض المفتعل في اذهان البعض
بين الهوية الدينية والهوية القومية منذ مطلع القرن الماضي الذي شهد ضعف
الامبراطورية العثمانية ، وتفككها ، تحت وطأة وفعالية قوانين التطور التي دفعت
بالمجتمعات الى تجاوز عصر الامبراطوريات في العالم معلنة عن انتقال البشرية الى
حقبة تاريخية جديدة من التطوّر في ظل موجات التوحيد القومي التي اجتاحت العالم
بأكمله لتوحّد كيانات قبلية وعرقية مختلفة تحت راية واحدة هي راية الامة ، بعد أن
اكتمل كيانها في هذا العصر بقيام الدولة القومية ... غير ان هذا العجز عن فهم
الواقع ، لم يتوقف عند هؤلاء في حدود الجمود الفكري ، بل تعداه الى رفض مطلق لكل
مظاهر الحياة العصرية .. مما أدى بالكثيرين الى الانفصال التام عن الواقع والتعامل
معه كوعاء يرشح بمواد غير صالحة يجب افراغه منها ، وملأه من جديد بما عندهم من
وصفات جاهزة ، وهو ما قاد في النهاية الى حملات التطهير التي واجهوا بها مجتمعاتهم
في الفترة الأخيرة حيث تحولت عمليات الشحن الى آداة هدم وتدمير ذاتي لم يعرف لها
التاريخ مثيلا من قبل في جميع العصور .. وهو ما حوّل هذه الجماعات الى أكبر
عدو من أعداء الامة وأخطره على الاطلاق ، لما يملكه من المواصفات التدميرية
الهائلة على كيان المجتمع بعكس كل القوى المعتدية الأخرى رغم وسائل عدوانيتها
الحربية وهمجيتها التي عرفها مجتمعنا في بعض الفترات .. وقد تعود خطورة الجماعات
الاسلامية الناشطة حاليا على الساحة العربية والعالمية الى عدة عوامل أهمها :
أولا - اسلوب التخفي الخطير الذي تتبعه داخل المجتمع حيث يصبح النسيج الاجتماعي نفسه حاضنة طبيعية ، تترعرع داخله ثم تنقلب عليه وتدمّره .. وهي بهذا الفعل تتحول الى وضع شبيه بالخلايا السراطانية التي تنشأ في نقطة ما من الجسم السليم ، ثم تنتشر فيه خلال مرحلة هادئة ، مليئة بالسكون الخداع ، الذي سرعان ما ينتهي بهجوم المرض على الجسم معلنا تدميره دفعة واحدة ..
ثانيا - الحاضنة الدينية التي يتميز بها مجتمعنا حيث يمثل الحضور الديني عند المواطن العربي المسلم أحد أهم الاسباب التي يقع استغلالها في تجنيد المنتمين الى صفوفهم وبالخصوص مع غياب الوعي الديني الكامل للحدود الفاصلة بين ثوابت الدين كمجال من مجالات المحكم الذي يجب اتباعه ، وبين مجالات المتشابه منه حينما يتحول الى فقه على يد المجتهدين ، وهو الذي يمكن مخالفته دون حرج ، باعتباره مجالا من المجالات الخاضعة للتطور والتغير ، التي يصيبها من الاجتهاد ما يصيب كل مجالات الحياة في كل عصر من العصور ..
ثالثا ـ الساحة العالمية المفتوحة التي أصبحت مجالا واسعا وخصبا لتفريخ الفكر الوهابي بين أبناء الشعوب المسلمة الجاهلة تماما بلغة القرآن ، وبتاريخ الاسلام ومذاهبه وظروف نشأته ، حيث يحل الدعاة والايمة المتطرفون بين ابناء المسلمين في مساجد أوروبا ، ودول البلقان والاتحاد السوفياتي ، وافريقيا ، والهند ، وماليزيا ... وفي كل أنحاء العالم ، أين تكون السلطة المركزية في أغلب تلك الدول عاجزة عن مراقبة المساجد أو التدخل فيها وهي لا تملك مرجعية دينية ، ولا مؤسسات خاصة للقيام بتلك الوظيفة .. فيجد هؤلاء المتطرفون فرصتهم كاملة للسيطرة المساجد ، واستغلالها في نشر أفكارهم المذهبية المتطرفة ، ذات النزعة العدوانية ، الاستئصالية التي ينسبونها للاسلام ، فيشوّهون بها عقيدة المسلم .. وهو ما جعل للحركة الوهابية حاضنة عالمية في جميع المجتمعات .. وفي هذا الصدد نجد شاهدا على ما يجري لدى بعض الشعوب المسلمة من أنشطة دعوية متطرفة يذكرها الكاتب الروسي رومان سيلانتيِف الأستاذ المساعد في جامعة موسكو للألسنية في مقال بعنوان " الحركة الوهابية في شمال القوقاز ، النشأة ، والصعود والمستقبل ، نشره موقع " الأوان " بتاريخ 25 آذار / مارس 2010 ، يورد فيه تفاصيل مهمّة عن التغييرات المذهبية التي حصلت في تلك الربوع بسبب النشاط الوهابي المكثف ، ففي الأصل ـ كما يقول التقرير ـ " ينتمي مسلمو شمال القوقاز أساساً إلى اثنين من مذاهب الإسلام السنّي ، هما المذهب الحنفي ( المنتشر في كلّ مكان ) ، والمذهب الشافعي ( الذي يعتنقه أساساً الشيشان والإنغوش وأكثر سكان داغستان) ... غير أن البداية كما يقول الكاتب ـ لم تكن بنت الأمس ... " فقد كانت هناك معلومات موثوقة منذ خمسينات القرن الماضي حول وجود خلايا وهّابية في داغستان ... تمثِّل قوّة ذات وزن ، ثم لم تلبث أن أعلنت عن نفسها بصوت عالٍ عام 1989. يومها تمكّن الوهابيون في بلدان آسيا الوسطى وداغستان من القيام بانقلابات في الإدارات الدينية في تلك المناطق وإبعاد المفتيين عن مراكزهم هناك . وسرعان ما أدّى ذلك في شمال القوقاز إلى سقوط دار الفتوى، وانشقاق المسلمين في داغستان وفقاً لانتماءاتهم القومية .. ويرتبط التزايد العاصف في عدد الوهابيين خلال أواسط التسعينات بعودة المجموعات الأولى من أولئك الطلاب الذين كانوا يدرسون في الخارج . ومن جهة أخرى، ساعد على انتشارهم نشوب الحرب الشيشانية الأولى التي قدّمت لهم عوناً جباراً في هذا المجال، وشارك فيها مئات من الوهابيين المرتزقة .... كما أنّ الوهّابيين، الذين كانوا يفضِّلون أن يسمّوا سلفيين ، أفادوا من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد ، إذ كانت تصلهم من المسلمين في الخارج معونات مالية لا يستهان بها ساعدتهم على تجنيد أنصار جدد بسهولة . على أنّ عملية إرسال الشباب إلى المدارس الدينية في البلدان العربية وتركيا هي التي لعبت الدور الحاسم في تقوية الإسلام غير التقليدي هناك .." .
رابعا ـ الحاضنة
الاجتماعية داخل المجتمع المتّسمة في أغلبها بالجهل والفقر معا ، وهما العنصران
اللذان يسهل بهما اختراق تلك الفئات البسيطة من الناس ، تحت وطأة الحاجة ، حينما
يتم استغلال سلاح المال من طرف تلك الجماعات .. وهو ما يعيدنا في النهاية الى
مصادر التمويل ..
وبالفعل فقد كان الحديث في الحلقات السابقة في مجمله عن
التنظيم العالمي للاخوان المسلمين ، ووسائله المختلفة في جمع المال ، في حين تتحدث
العديد من المصادر عن موارد أخرى بالنسبة للجماعات المتطرفة قد تكون أكثر سخاء
عليهم لغزو المجتمعات بالمال الفاسد ، حيث يبدو أن العبرة بالنسبة لهم تكون
بالنتائج التي تتحقق في الواقع ، لا بالأخلاق .. فما هي اذن مصادر التمويل عند هذه
الجماعات ..؟؟
للحديث بقية ..( القدس عدد 180 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق