الخطاب القومي في ظل الواقع الاقليمي ..
لا شك ان الساحة العربية والقطرية تعج بالمشاريع والاطروحات والافكار ،
منها الاقليمي والديني والطائفي والمذهبي ، والشعوبي والقبلي والاممي والقومي ..
وقد تحوّل المشهد من الصراع الفكري والايديولوجي الذي عرفته الساحات منذ الخمسينات
الى الآن ، الى الصراع الدموي والاقتتال الداخلي باعتبار الطبيعة الاستئصالية المتطرفة لبعض المشاريع التي اصبحت تمثل خطرا
حقيقيا ليس على الوجود القومي ومصيره فحسب ، بل وحتى على النسيج الاجتماعي داخل
الدول الاقليمية ذاتها حاضرا ومستقبلا .. وفي مثل هذه الظروف التي يعج فيها الواقع
القطري بالمشاكل والصراعات والفوضى أحيانا ، يعتقد البعض أن التوجه الى الناس
بالخطاب القومي غير ملائم لمتطلبات المرحلة ، وهو اعتقاد غير صحيح لعدة اعتبارات ..
ـ أولا : لأن عجز
الدول القطرية على مواجهة التحديات بسبب ضعف امكانياتها مقابل الامكانيات القومية المتاحة في الأمة ، يجد
له مبررا في طرح الحل القومي لكي يكون هدفا شعبيا بدل أن يظل هدفا نخبويا ، وهذا
لا يعني بالضرورة ـ كما يفهم البعض ـ أن
يتحول الخطاب القومي الى الطوباوية ، فيهرب من معالجة المشكلات في اطارها الاقليمي ، بل لكي تظهر الصورة الصحيحة للطرح القومي
حينما يكون خطابه منسجما مع منطلقاته ،
رغم أن القوميين لا يستطيعون ـ في هذه المرحلة ـ الا العمل مخلصين لتغيير واقعهم
الاقليمي الذي يحقق اكبر قدر من التحرر المادي و المعنوي للانسان العربي في
الاقطار حتى يستطيع التفرغ لتحمل أعباء الواجب القومي ..
ـ وثانيا : لأن
انفجار الوضع العربي بسبب الصراعات والتناحر والحروب يعطي المبرر أكثر للحديث عن
الحل القومي الذي يستطيع وحده أن يستوعب كل المتناقضات ويصهرها في اطار وحدة الوجود القومي
كما هو حاصل في جميع الامم ، وهو ما يجب أن يصل الى الجماهير التي تتعرض باستمرار
الى القصف الاعلامي واغتصاب العقول الذي يدفع بالانسان العربي اما الى اختيار
الحلول الاقليمية معتقدا أن الوحدة القومية غير ممكنة في ظل التناقضات والصراعات
الراهنة التي تغذيها ـ في الأصل ـ تلك الأطراف نفسها حينما تعمل على تثبيت تلك
الصورة في ذهنه .. أو الى اختيار الحلول المعادية للقومية وخاصة منها التي تقوم
على نزعة دينية متطرفة كالتي نراها اليوم على الساحة العربية وهي تشوّه الدين
وتخرب الامة فلا يستفيد منها سوى أعداءها ..
ـ وثالثا : لأن
الجماهير العربية يحركها في الاصل ولاؤها القومي الذي يظهر من حين الى آخر في
مواقفها المنحازة الى القضايا القومية
كلما تعرّض الوجود القومي الى التهديد ، وفي الرغبة الجارفة للتطوع والمساهمة في تحرير الارض
المغتصبة في فلسطين أو غيرها ، وهو ما يؤكد ان تقبل المشروع القومي لا يحتاج الا
الى طرح مبسط يأتي في اطار رؤية ملائمة لخصوصيات المرحلة ..
ـ ورابعا : لأن الطرح القومي يجد له مبررا أكبر للحديث عن مبادء العروبة والاسلام في ظل الارهاب الذي يعبث بالوجود القومي باسم الاسلام ، ويهدده بالمزيد من التجزئة والتفتيت ، وفي ظل الفهم الرجعي للدين الذي يقدمه البعض كنقيض لكل العلاقات الانسانية الاخرى التي نشأت خلال مراحل التتطور التي عرفها المجتمع العربي منذ آلاف السنين ..
ـ وخامسا : لان
الحل القومي يجد له المبرر ـ في ظل الواقع المتردي اقتصاديا وسياسيا ـ للحديث فيه عن الحلول الجذرية التي لا يمكن ان تتحقق في ظل الفوضى الاقتصادية
والتبعية والنهب المنظم للثروات والتهديد المستمر للأمن القومي وكيانه المستقل .. وفي هذا مبرر اكبر
لتعريف الناس بهذا الطرح القائم :
ـ في جوانبه
الاقتصادية على مبادئ العدالة الاجتماعية القائمة على التخطيط الاقتصادي الشامل ، الذي يؤدي الى توظيف كل
الامكانيات القومية ، المادية والبشرية في
خدمة التقدم والنهوض بالمجتمع العربي ..
ـ وفي جوانبهه
السياسية على قيم العدل والمساواة بين جميع الافراد والمكونات الاجتماعية ،
المستمدة من قيم المجتمع الحضارية
والدينية ، ومن القيم العليا التي انتهت اليها الانسانية جمعاء ، في الديمقراطية
وحقوق الانسان ، التي تتاكد بمضامينها
الاجتماعية الحقيقية ، ولا تتوقف على
الشكل والقشور ..
وهذا فضلا عن الجوانب العلمية والمعرفية المتصلة بكل جوانب الحياة من اجل بناء نهضة واسعة وشاملة في مجتمع يعطي الاولوية اولا وأخيرا للانسان ، دون تمييز على اساس طائفي او عرقي او ديني او مذهبي حتى تكون العروبة فعلا وعاءا شاملا لكل المكونات الحضارية التي اكتمل بها الوجود القومي منذ عشرة قرون او أكثر في ظل الاسلام ...
( نشرية القدس العدد 181 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق