بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 يونيو 2015

نشرية القدس عدد 179 .

تحميل العدد 179 .              


             وينوا البترول ..؟


موضوع الثروات الوطنية يعتبر من المواضيع القديمة المطروحة  منذ الستينات ، حينما بدأت حملات التأميم في مصر وفي عدة دول أخرى في أمريكا اللاتنية وفي اوروبا الشرقية للقضاء على احتكار الثروة ، ونهبها من طرف القوى الخارجية وعملائها في الداخل .. ، فجاء الرد في تونس مشبوها ومبتورا  للتشويش على المطالب  من خلال بعث مشروع التعاضد الذي اثار سخطا شعبيا باعتباره مشروعا للسطو على الأملاك الخاصة ، دون تحقيق لأي مكاسب شعبية ، في الوقت الذي كان يجري فيه  افتكاك الاراضي من كبار الملاك واعطائها للفلاحين في دول أخرى مثل مصر في نطاق ما سمي هناك بالاصلاح الزراعي ، فكان الفشل هو المصير الحتمي للتعاضد في تونس بسبب ما لحق به من شبهات ، قيل وقتها انه مشروع " شيوعي " ، باعتباره قد طرح أسبابا وتبريرات واهية ، من أهمها القول بتشتت الملكية الزراعية بسبب الميراث ، رغم أن الواقع كان غير ذلك كما يقول المسؤول عن الاتحاد المركزي للتعاضديات الفلاحية في ذلك الوقت ، السيد محمد بالحاج عمر في شهادته لمعهد التميمي حول تجربة التعاضد  حين صرح بـ" أنه لم يكن متفقا مع أحمد بن صالح حول طبيعة التعاضديات " لأنها حسب رأيه " كانت رأسمالية ولم تكن إشتراكية .." ولعل مساندة مشروع التعاضد من طرف الولايات المتحدة ، وتمويله من الصندوق الدولي أكبر دليل على توجهاته وطبيعته .. !!
وقد ظل ملف الثروات الوطنية حاضرا ومفتوحا ، خلال كل التحركات والأزمات التي عرفتها البلاد باعتبار الرصيد المادي الذي يمثله من الثروة الوطنية من ناحية ، وباعتبار الغموض والتلاعب بالصفقات والعقود وما رافقها من فساد منذ فترة الاستعمار الى اليوم ، من ناحية ثانية ..
وحتى بعد صدور قوانين مجلة المحروقات في 17 اوت 1999 فان الصفقات المبرمة مع شركات التنقيب عن البترول ظلت من صلاحيات كبار المسؤولين في الدولة ووزير الاقتصاد و الطاقة ، والعائلة الحاكمة ، بعيدا عن الشفافية والرقابة اللازمتين لتحقيق المصلحة الوطنية ..
وهكذا ظل  موضوع الثروات الوطنية بصفة عامة ، موضوعا محرّما حتى جاءت الثورة ، وجاء الدستور الذي نص في الفصل 13 منه على أن " "  الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس الدولة السيادة عليها باسمه.  تعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المتخصصة بمجلس نواب الشعب.  وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة " الا ان هذا المبدأ لم يطبق بحذافره الى حد الآن باعتبار تواصل الشبهات والغموض حول الصفقات ..
والواقع فان حملة وينوا البترول ، وبالرغم مما فيها من مضامين ثورية ، واصلاحات وحقوق ، الا ان اختيار الظرف الاحتجاجي المتميز بهشاشة الوضع الامني ، وبتصدر قوى مشبوهة ، تستغل بعض المطالب المشروعة لتحريك الوضع ، وكسب مواقع سياسية على حساب تأزيم الوضع الأمني ، ودون الذهاب في المطالب الى المدى المطلوب هو ما يبعث على الشك في مصداقية الحملة التي استطاعت فعلا ان تستقطب قوى شبابية واعدة ، مدافعة بجدية عن الثروات ، انظمت الى الحملة بنوايا صادقة ، وعزيمة وطنية .. لذلك ردّدت عدّدة شعارات لا تتوقف عند البترول ، بل تتعداه الى جميع مظاهر الفساد والاستغلال والنهب بجميع صوره ، مطالبة بالمحاسبة لجميع المسؤولين القدماء منهم والحاليين ..

( القدس ) .




   

* العمل خير مرآة ترى فيها نفسك .

*  كل الكبار كـبــروا بأمتهم .. 
 طرفة
المذيع : نحن الآن في شهر رمضان ، فماذ تريد أن تسمع في هذا الشهر الكريم ..؟

الصائم : أريد أن اسمع الآذان ..

  ***
نموت كي يحيا الوطن
يحيا لمن ؟؟
نحن الوطن ..
ان لم يكن بنا كريما آمنا ،
ولم يكن محترما ..
 ولم يكن حرا ..
فلا عشنا ،
ولا عاش الوطن .. !!
( أحمد مطر ) .


موساديون حتى النخاع ..!
                                        صبحي غندور. 

خلال حقبة الحرب الباردة، كانت ألمانيا الشرقية تلعب دوراً أمنياً كبيراً وسط الجماعات والمنظمات الشيوعية الدولية التي تقصد موسكو من أجل الحصول على دعمٍ وتدريباتٍ وتوجيهات. وكانت موسكو ترسل هذه الجماعات إلى برلين من أجل تنسيق العلاقات الاستخباراتية وتدريب الكوادر وتوجيهها. وعقب سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية ، تبيَّن أنَّ رئيس الاستخبارات فيها واسمه( ماركوس وولف) كان عميلاً مزدوجاً مع إسرائيل وهو الذي كان يشرف على تدريب وتوجيه كوادر في منظماتٍ عربية شيوعية قام بعضها بعمليات خطف طائراتٍ مدنية وتفجيراتٍ حدثت في مدنٍ أوروبية!.
فماذا يمنع أن تكون المخابرات الإسرائيلية قد جنَّدت أيضاً مجموعة من العملاء المزدوجين (مثل حالة ماركوس وولف) من الشيشان وصولاً إلى نيجيريا، مروراً بمعظم الدول العربية، لتولّي قيادة منظمات تحمل أسماء "إسلامية"، تماشياً مع مرحلة ما بعد "الحرب الباردة" ولخدمة الصراع الجديد المصطنع بين الغرب و" العدو الإسلامي" ؟!.
يكفي أن نستعيد تاريخ الممارسات الإسرائيلية في الستين سنة الماضية ، ومن ضمنها ما حاوله عملاء إسرائيليون في عقد الخمسينات بالقاهرة من تفجير مؤسساتٍ أميركية وبريطانية من أجل تأزيم العلاقات مع مصر عبد الناصر، وهي العملية المعروفة باسم " فضيحة نافون " في العام 1954 .
ثمّ هل يجوز تناسي ظاهرة كوهين العميل الإسرائيلي الذي استطاع الوصول إلى مواقع رسمية سوريّة مسؤولة في مطلع الستينات من القرن الماضي؟. وهل ينسى اللبنانيون والفلسطينيون الأعداد الكبيرة من العملاء الإسرائيليين الذين خرجوا للعلن مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وكذلك ما كشفته السلطات المصرية عدّة مرات عن شبكات تجسّس إسرائيلية ، وما زال بعض عناصر هذه الشبكات معتقلاً ، رغم وجود علاقات طبيعيّة بين إسرائيل ومصر.
فإذا كانت إسرائيل وأجهزتها الأمنية تتسلّل إلى أهمّ المواقع السياسية والأمنية في دول كبرى ومنها الحليف الأكبر لها أميركا ، فلِمَ لا تفعل ذلك مع أعدائها المحيطين بها ؟ إذ رغم كلّ العلاقات الخاصّة يين أميركا وإسرائيل ، فإنّ واشنطن ترفض الإفراج عن جيمس بولارد ، الأميركي اليهودي الذي يقضي منذ العام 1986 عقوبة السجن بتهمة التجسّس لإسرائيل ، وقد انضمّ إليه مؤخّراً عملاء جدد كانوا يعملون لصالح إسرائيل في مواقع أمنية أميركية ، ومن خلال علاقتهم مع منظمة " الإيباك "، اللوبي الإسرائيلي المعروف بواشنطن .
نعم ، هناك عرب ومسلمون يقومون الآن بخوض "معارك إسرائيليّة " تحت رايات " ديمقراطية " أو " إسلاميّة "، وعمليّاً يحقّقون ما يندرج في خانة " المشاريع الإسرائيليّة " للمنطقة من تقسيم طائفي ومذهبي وإثني يهدم وحدة الكيانات الوطنيّة ويقيم حواجز دم بين أبناء الأمّة الواحدة. أليس مشروعاً إسرائيلياً تفتيت المنطقة العربيّة إلى دويلات متناحرة؟ أما هي بمصلحة إسرائيليّة كاملة نتاج ما جرى ويجري في العراق وسوريا من سعي لهدم وحدة الأوطان والشعوب ؟!، وما حدث قبل ذلك في الحرب الأهلية اللبنانية وفي الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثمّ الحرب الأهلية في السودان التي انتهت بفصل جنوبه عن شماله ، ثمّ ما حدث ويحدث الآن في بلدان عربية أخرى؟!
إنّ هذا " الوباء الإسرائيلي" التقسيمي لا يعرف حدوداً، كما هي دولة إسرائيل بلا حدود ، وكما هم العاملون من أجلها في العالم كلّه.
في شباط / فبراير  1982، نشرت مجلة " اتجاهات – كيفونيم " التي تصدر في القدس ، دراسة للكاتب الصهيوني أوديد بينون (مدير معهد الدراسات الإستراتيجية) تحت عنوان "إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينات"، وجاء فيها : " إنّ العالم  العربي ليس إلا قصراً من الأوراق بنته القوى الخارجية في العشرينات (...) وأنّ هذا هو الوقت المناسب لدولة إسرائيل لتستفيد من الضعف والتمزّق العربي لتحقيق أهدافها باحتلال أجزاء واسعة من الأراضي المجاورة لها ، وتقسيم البعض الآخر إلى دويلات على أساس عرقي وطائفي". ثمّ تستعرض دراسة أوديد بينون صورة الواقع العربي الراهن ، والاحتمالات الممكن أن تقوم بها إسرائيل داخل كل بلدٍ عربي من أجل تمزيقه وتحويله إلى شراذم طائفية وعرقية.
وهذا المشروع الإستراتيجي لإسرائيل في ثمانينات القرن العشرين ، والذي يتّصل مع خطّتها السابقة في عقد الخمسينات التي كشفتها الرسائل المتبادلة بين بن غوريون وموشي شاريت ، جرى بدء تنفيذه من خلال لبنان والاجتياح الإسرائيلي له صيف عام 1982، ثمّ إشعال الصراعات الطائفية خلال فترة الاحتلال وفي أكثر من منطقة لبنانية .
وما سبق عرضه عن المخطّطات الصهيونية ، لا يعني أننا ـ كعرب - ننفّذ ما يريد الصهاينة أو أنّنا  جميعاً أدوات وعملاء لإسرائيل ..! بل الواقع هو أنّنا ضحيّة غياب التخطيط العربي الشامل مقابل وجود المخططات الصهيونية والأجنبية الشاملة . لكن يبقى السؤال الهام : هل يجوز أن تكون شعوب الأوطان العربية مطيّةً لتنفيذ هذه المشاريع الصهيونية ..؟
فمن المهمّ التوقّف عند ما حدث ويحدث في المنطقة العربية وخارجها من أعمال عنف مسلّح تحت شعارات إسلامية، وما هو يتحقّق من مصلحة إسرائيلية كانت أولاً ، في مطلع عقد التسعينات ، بإثارة موضوع " الخطر الإسلامي" القادم من الشرق كعدوٍّ جديد للغرب بعد اندثار الحقبة الشيوعية ، وفي إضفاء صفة الإرهاب على العرب والمسلمين، ثمّ فيما نجده الآن من انقسامٍ حاد في المجتمعات العربية وصراعاتٍ أهلية ذات لون طائفي ومذهبي وإثني . فلم تكن بصدفةٍ سياسية أن يتزامن تصنيف العرب والمسلمين في العالم كلّه - وليس بالغرب وحده - بالإرهابيين، طبقاً للتعبئة الإسرائيلية التي جرت في التسعينات ، مع خروج أبواق التعبئة الطائفية والمذهبية والعرقية في كلّ البلاد العربية !!.
ذلك كلّه يحصل في غياب المفاهيم الصحيحة للمقاصد الدينية ولاختلاف الاجتهادات في الإسلام ، حيث أصبح سهلاً استخدام الدين لتبرير العنف المسلّح ضدَّ الأبرياء والمدنيين ، وأيضاً لإشعال الفتن المذهبية والطائفية . وسوء كلا الأمرين يكمّل بعضه بعضاً ..
تساؤلات عديدة ما زالت بلا إجاباتٍ واضحة تتعلّق بنشأة جماعة "داعش" وبمَن أوجدها ودعمها فعلاً ، ولصالح أي جهة أو لخدمة أي هدف !. ومن هذه التساؤلات مثلاً : لِمَ كانت بداية التسمية : " الدولة الإسلامية في العراق والشام " بما يعنيه ذلك من امتداد لدول سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ، وهي الدول المعروفة تاريخياً باسم "بلاد الشام " ؟! أليس ملفتاً للانتباه أنّ العراق ودول " بلاد الشام " هي التي تقوم على تنوع طائفي ومذهبي وإثني أكثر من أيِّ بقعةٍ عربية أو إسلامية أخرى في العالم ؟! ثمّ أليست هذه الدول هي المجاورة لـ " دولة إسرائيل " التي تسعى حكومتها الراهنة جاهدةً لاعتراف فلسطيني وعربي ودولي بها كـ" دولة يهودية " ؟! ثمّ أيضاً ، أليست هناك مصلحة إسرائيلية كبيرة بتفتيت منطقة المشرق العربي أولاً إلى دويلات طائفية وإثنية فتكون إسرائيل " الدولة الدينية اليهودية " هي الأقوى والسائدة على كل ماعداها بالمنطقة ؟!. وأيُّ مصيرٍ سيكون للقدس وللشعب الفلسطيني ولمطلب دولته المستقلّة ولقضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين بعد نشوب الحروب الأهلية العربية والإسلامية ونشوء " الدويلات " الدينية والإثنية المتصارعة ؟!.
 إنّ " داعش " و" النصرة " الآ ن ، ومعهما وقبلهما " القاعدة " وجماعات عديدة أخرى، استطاعوا استقطاب أجيال شابّة في عدة دول عربية وإسلامية وغربية بسبب غياب فعالية الفكر الديني السليم ، الذي يُحرّم أصلاً ما تقوم به هذه الجماعات من أساليب قتل بشعة وجرائم إنسانية بحقّ كل من يختلف معها . إنّ تنظيم " داعش" ينتعش ويستفيد حتّى من قِبَل بعض من يتحدّثون ضدّه شكلاً ويدعمون ضمناً ـ ولو عن غير قصد - مبرّرات وجوده حينما يتّجهون بحديثهم إلى "عدوّهم" الآخر، وهو هنا قد يكون من طائفة أخرى أو مذهب آخر أو من دولة أخرى . فكثيرٌ ممّن يظهرون الآن على الفضائيات العربية يبدأون حديثهم ضدّ " داعش" ، لكنّهم فوراً ينتقلون إلى الحديث عن " الحالة الطائفية والمذهبية "، وعن وجود " الخطر الآخر" في داخل الوطن أو من دولة مجاورة ، ممّا يساهم في إعطاء الأعذار لوجود " داعش" ولممارساتها باسم الإسلام ، الذي هو كدين براء من فكر هذه الجماعات وأساليبها .  فالمواجهة مع جماعات "التطرّف العنفي" تحتاج الآن إلى وقف كل الصراعات والخلافات داخل المجتمعات العربية والإسلامية ، وإلى تحقيق أقصى درجات التوافق الوطني والديني ..




حياته ومكانته :
 الإمام ابن حزم هو احد ائمه مذهب أهل ظاهر، احد مذاهب أهل السنة، وهو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، ولد في منية المغيرة بقرطبة في رمضان عام أربع وثمانين وثلاثمائة نوفمبر 994 م لأسرة موسرة ، وعاش سنواته الأولى في قرطبة ، ثم تنقل هو وأسرته في أرجاء الأندلس بعد نشوب الحرب الأهلية عام 399هـ/ 1008  م ، ومرت به مشكلات أدى بعضها إلى دخوله السجن .. وفي عام أربعمائة وأربعة عشر صار وزيرا للخليفة الأموي المستصغر بالله ، وكان ابن حزم يرى أن هذا المنصب قد يساعده في تحقيق أهدافه السياسية التي يتمثل في وحدة الأندلس، والوقوف صفا واحدا ضد مسيح الشمال الأندلسي، لكن هذا الأمل تلاشى بسرعة حين قتل المستصغر بالله بعد أقل من شهرين من ولايته ، وطورد ابن حزم من خصوم بني أمية مما ادى به الى التفرغ لطلب العلم ، وكان يناهز الخامسة والثلاثين من عمره . وقد اثني على الإمام ابن حزم الكثير من العلماء مع تحفظهم على بعض اجتهاداته ، يقول عنه الإمام الذهبي في السير( الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف الفقيه الحافظ المتكلم الأديب الوزيرالظاهري صاحب التصانيف ، رزق ذكاء مفرطاً وذهناً سيالاً وكتباً نفيسة مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيراً ليته سلم من ذلك ، فإنه رأس في علوم الإسلام ، متبحر في النقل، عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بلفجج العبارة، وسب، وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة هجروها ونفروا منها، وبالجملة فالكمال عزيز، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار، قال الحميدي: كان ابن حزم حافظاً للحديث وفقهه مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة مفنناً في علوم جمة ، عاملا بعلمه ، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين .. ) . ويقول عنه الامام ابن تيمية  ( وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل ، فإنه يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك ، بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره من باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث ، ويقول إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك، وإن كان ابن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيماً له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى ) .
علم أصول الفقه:  اخذ الإمام ابن حزم فى علم أصول الفقه بالاستصحاب،  وخاصة استصحاب البراءة الأصلية : فهو يكثر منه جداً، وهو عمدته في الاستدلال غالباً. والسمة الظاهرة على منهج ابن حزم في الترجيح والاستدلال، أنه يميل إلى الأخذ بالنسخ أكثر منه إلى الجمع بين النصوص، وإن كان في كثير من الأحيان يوافق الصواب في الحكم بالنسخ.
موقفه من الفلسفة  :
يرفض الإمام ابن حزم موقف الرفض المطلق للفلسفة، والقائم على تحريم الفلسفة دون تمييز بين دلالاتها وأقسامها المتعددة ، ويتبنى موقف نقدي منها ، قائم على الأخذ وبالتالي الجمع بين المنع والإيجاب ، و هذا الموقف القائم على افتراض مضمونه أنه ليس هناك تعارض مطلق” دائم” بين الإسلام كدين والفلسفة بصورة عامة ، والفلسفة اليونانية بصورة خاصة ، بل هناك أوجه اتفاق وأوجه اختلاف، وفي حالة الاختلاف يكون الرد والرفض " اى المنع " وفى حالة الاتفاق يكون الأخذ والقبول "اى الإيجاب"، ويتضح هذا الموقف من خلال تقريره أن الفلسفة تتفق مع الدين في الغاية ( إصلاح النفس ) ، لذا يجب الأخذ بها (مادامت محتفظة بهذه الغاية) ، حيث يقول ( إن الفلسفة على الحقيقة إنما معناها وثمرتها ، والغرض المقصود نحوه، ليس شيئاً غير إصلاح النفس بأن تستعمل في دنياها الفضائل ،وحسن السيرة المؤيدة إلى سلامتها في المعاد وحسن سياستها للمنزل والرعية ، وهذه نفسه لا غيره هو غرض الشريعة، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من العلماء بالفلسفة ولا بين أحد من العلماء بالشريعة) (الفصل في الملل والنحل، ج1 ، طبعة القاهرة ، 1317هـ )     .
موقفه من المنطق :
كان الامام ابن حزم من أوائل من استخدم المنطق فى استنباط الأحكام الفقهية ، ودعا إلى ذلك صراحة بتصنيف كتابه العظيم " التقريب لحد المنطق                        "  
موقفه من الفنون :  
 يرفض الإمام ابن حزم موقف الرفض المطلق للفنون ، والقائل بالمنع المطلق لها ، اى تحريم كافه أنواع الفنون ، بكافه أشكالها، ، وقد تتبع الكثير من الأحاديث التي اعتمد عليها أنصار هذا المذهب ، وحمل عليها من جهة سندها ورواتها حيث يقول (إنه لم يصح في باب تحريم الغناء حديث ) .
وهو يتبنى موقف الضبط الشرعي " لمضمون" الفنون، والقائل بالاباحه المقيدة للفنون، اى اباحه الفنون بشرط اتساق" مضمونها "مع الضوابط الشرعية للتذوق والابداع الجمالي، والقائم على ان التحريم الوارد في بعض النصوص ، لا ينصب على كل الفنون بكافه أشكالها ، بل ينصب على أشكال معينه لبعض الفنون ، تتناقض "من حيث المضمون" مع هذه الضوابط الشرعية                                          .
اباحة الاستماع إلى الموسيقى : 

 اتساقا مع موقفه من الفنون فان الامام ابن حزم يرى أن الموسيقى ليست محرمة على الإطلاق، بل يرى أن الاستماع إلى الموسيقى مباح مثل التَّنَزُّه فى البساتين ولبس الثياب الملونة، أما الأحاديث التى وردت فى النهى عنها فيقول ابن حزم إنها ليست صحيحة فى مجملها وإن أغلب الأحاديث التى حرمت الموسيقى إما موضوعة أو منقطعة واحتج على مخالفيه بحديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أن جاريتين كانتا تغنيان فدخل أبو بكر فنهرهما وقال: أبمزمور الشيطان فى بيت رسول الله فقال الرسول : « دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد». ومن المعلوم أن العيد لا يحل الحرام . وقد رد بعضهم الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا غناء بلا آلات . وهذا خطأ لقوله : أبمزمور الشيطان ؟ إذن هى مزامير . ولو قبلنا أن المقصود هنا هو الدف لتوجب أن تحمل النصوص التى يحتج بها المحرمون على نفس المحمل ، وهكذا أخذ يفند الأحاديث واحدا تلو الآخر، حتى إنه رد الحديث الذى رواه البخارى معلقا فى صحيحه وقال إنه معلق وغير مسند.  والمعروف أن المعلق نوع من الضعيف .



لقد كان يومي 9 و 10 يونيو 67 بمثابة استفتاء شعبي مباشر على بقاء الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رغم الهزيمة ، وسابقة تاريخية لم يحصل لها مثيل على مدى التاريخ ، أن يقع التمسك الجماهيري برئيس مهزوم في الحرب ، فكان ذلك أصدق تعبير على ثقة الناس في زعيمهم رغم تلك المحنة الكبيرة       .. 
وقد كان عبد الناصر فعلا في مستوى التحدي والمسؤولية حينما اتجه مباشرة لوضع الاسس التي تحقق بها النصر في ظرف قياسي سنة 73 : من تطهير للمؤسسة العسكرية والدولة ، الى اعادة التسليح ، الى وضع الخطط الحربية ، فكان له ما أراد رغم الغياب  ..

صيحات التجديد الديني (3) .  
 د.رفعت السعيد .                                          
وإذا كنا نؤكد أن رفاعة الطهطاوي هو صاحب الحرف الأول فى كتاب التجديد الديني فإنه قد أتى مستنداً على الفعل التحديثي الذي استنبته محمد علي في التربة المصرية ، فكان هناك الشيخ حسن العطار الذي تتلمذ رفاعة على يديه وكان أدبياً وشاعراً ورحاله زار تركيا وفلسطين وجاب بلاد الشام وخالط ضباط الحملة الفرنسية وعلمائها وقام بتدريس اللغة العربية لهم ، وتعلم حب المعرفة وضرورة التجديد .
ويتذكر رفاعة دوماً ما كرره عليه أستاذه العطار " إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها " . وكان هناك الشيخ عياد الطنطاوي الذي سافر إلى سان بطرسبرج في زمن الإمبراطورية الروسية وقام بتدريس اللغة العربية في جامعتها وأسهم في تطوير الاستشراق الروسي وعاد ومعه كتاباً أسماه " تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا " وهو يشبه إلى حد كبير كتاب رفاعة " تخليص الإبريز في تلخيص باريز" . وكان هناك أيضاً الشيخ حسين المرصفي الذي صاغ كتاباً رائعاً وتجديدياً أسماه " الكلام الثمين .. عن الحق والعدل والحرية ".
يذهب رفاعة إلى باريس ويعود ليخوض معركة التجديد في زمن بالغ الصعوبة وتخيم عليه غيوم التخلف الفكري والانصياع لخرافات وأكاذيب فرضت نفسها على العقول باعتبارها الدين ذاته وهي أبعد ما تكون عن الدين . وكانت قضية الأرض هل هي كرة أم مسطحة ؟ وهل تدور أم لا ؟ ويراوغ رفاعة قائلاً : " قال البعض أن القول بدوران الأرض واستدارتها لا يخالف ما ورد فى الكتب السماوية ، وذلك لأن الكتب السماوية قد ذكرت هذه الأشياء في معرض وعظ ونحوه ، جرياً على ما يظهر للعامة لا تدقيقاً فلسفياً ، مثل ما ورد فى الشرع أن الله تعالى أوقف الشمس ، فالمراد هنا تأخير غيابها عن الأعين وهذا يحصل بتوقيف دوران الأرض ، وإنما أوقع الله الوقوف على الشمس لأنها هى التي يظهر فى الأعين سيرها " [ د. عبد اللطيف حمزة – أبطال الدفاع عن اللغة العربية – مقال مجلة الثقافة – عدد يوليو 1965] ..
والحقيقة أن هذا الموضوع كان مثار تشبث شديد سواء من رجال الدين المسيحى أو الاسلامى وكان تأكيدهم أن الكتب السماوية أكدت أن الأرض مسطحة ولا تتحرك ، لكن رفاعة امتلك رأياً آخر ووجد لنفسه مخرجاً للتعبير عنه. فإذا كان قد اضطر إلى شطب العبارة السابقة والخاصة بوقف دوران الأرض بعد أن أوردها في مسودة كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" فإنه جازف وكتب "ووقعت محاورة بين العلامة الشيخ محمد المناعي التونسي المالكي المدرس بجامعة الزيتونة وبين المفتي العلامة الشيخ محمد البيرم المؤلف لعدة كتب في المنقول والمعقول، وله أيضاً تاريخ دولة بني عثمان ، وجرت المحاورة حول كروية الأرض أو بسطها ، البسط قال به المناعي والكروية للشيخ محمد البيرم ..
 وممن قال من علماء المغرب أن الأرض مستديرة وأنها سائرة ، العلامة الشيخ مختار الكنتاوي بأرض أذوات ، بقرب بلاد تمبكتو ، وهو مؤلف مختصر في فقه مالك ضاهى به متن الخليل ، وضاهى أيضاً ألفية إبن مالك ، وله مؤلفات كثيرة ، وألف كتاباً أسمه " النزهة " جمع فيه جملة علوم ، فذكر بالمناسبة علم الهيئة ، فتكلم عن كروية الأرض وعن سيرها ووضح ذلك ، فتلخص من كلامه أن الأرض كرة ولا يضير الاعتقاد بتحركها أو سكونها [ الطهطاوي - تخليص الإبريز فى تلخيص باريز – ص 97 ] ..
ولعل من حقنا أن نتأمل كتابه هذا المجدد الماكر فى الحديث عن كروية الأرض فهو يتحدث عن الشيخ العلامة محمد البيرم وعن العلامة الشيخ مختار الكنتاوي بما يشبه الإعجاب ويقدمهما للقارئ كعلماء أجلاء لهما أبحاث وكتب عديدة . ومع ذلك فإن رفاعة لم يسلم عن الهجوم لا هو ولا البيرم ولا الكنتاوي ، فيرد في أدب بالغ على علماء الأزهر الذين هاجموه قائلاً "ولا تتوهم إن علماء الفرنسيس هم القسوس . فالقسوس علماء في الدين فقط ، وأما من يطلق عليه أسم العالم فهو من يمتلك معرفة فى العلوم العقلية التي من جملتها علم الأحكام والسياسات وعلم الهيئة [ الطهطاوي - تخليص الإبريز- ص 273 ، 208  ]  ..
وهكذا كاد أن يقول لعلماء الأزهر .. "لا دخل لكم فيما لا تعلمون" ..
ونمضي مع رفاعة مجدداً ..



مديح الظل العالي
محمود درويش

حتى تتوب المجدلية مرة أخرى ،
 ويتضح انتحاري
نم ، يا حبيبي ، ساعة ً
حتى يعود الروم ،
 حتى نطرد الحراس عن أسوار قلعتنا
وتنكســــــر الصــــــواري
كي نصفق لاغتصاب نسائنا في شارع الشرف التجاري
نم يا حبيبي ساعة ً حتى نموت
هي ساعة للانهيار
هي ساعة لوضوحنا
هي ساعة لغموض ميلاد النهار
كم كنت وحــــدك ، يا ابن أمّي
يا ابن أكثر من أب ٍ
كم كنت وحـــــدكْ
القمح مـرٌّ في حقول الآخرين
والماء مالح ، والغيــم فولاذ ٌ
وهذا النجم جارح
وعليك أن تحيــــا وأن تحيــــــا
وأن تعطي مقابل حبـّة الزيتون جلدك
كم كنت وحــــــــدك
لاشيء يكسرنا ، فلا تغرق تماما
                                                    في ما تبقى من دم ٍ فينا


                             في سبيل منهجية جديدة للجدل :                               الجدل من منظور معرفي (3) .
       مختار العربي .
       
الجدل التكليفي : جدل الاستخلاف :
وهو كما ذكرنا سابقاً لا يلغي الجدل التكويني (جدل الإنسان) بل يحده (يقيده) فيكمله ويغنيه أي يكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته. فضلاً عن أن به تتحقق الخطوة الثانية لتجاوز المادية المثالية أي يبتحقيق جدل مطلق والمحدود وبيان ذلك أنه إذا كان النقيض في جدل الإنسان هما الواقع (الظروف) والغايات (المثل العليا) فإن النقيضين في جدل الاستخلاف (في الإنسان) هما المطلق والمحدود. ونعني بقولنا نقيضين في الإنسان أنه لا تناقض بينهما في ذاتهما بل التناقض يعني المساواة بين النقيضين في الدرجة والتوحيد يقوم على الفرق بين درجة الجود المطلق التي ينفرد بها الله ودرجة الوجود المحدود التي يختص بها سواه وبالتالي فإن رالعلاقة بين وجود الله ووجود سواه هي علاقة قيومية (تحديد) لا علاقة تناقض. لكن التناقض بين المطلق والمحدود في الإنسان وبالنسبة إليه، بيان ذلك فيا يتعلق بالمطلق أنه إذا كان التوحيد يقوم على أفراد الوجود المطلق لله تعالى، فإنه يجب التمييز بين درجتي الوجود المطلق: الأولى هي درجة الذات أي عين هذا الوجود المطلق والتي لا يتوافر للوعي الإنساني (إحساساً وإدراكاً وتصوراً ) إمكانية شهودها .
والثانية هي درجة الصفات (أي ما دل على هذا الوجود المطلق) وهي تمزل من الوجود المطبق عن قيود الزمان والمكان (الغيب) إلي الوجود المقيد بالزمان والمكان (الشهادة) دون أن تخضع للتغيير يفي المكان أو التطور خلال الزمان. وبلاتالي لا يتوافر للوعي الإنساني إمكانية شهودها لا من خلال الوحي (لأنه هو عين هذا التنزيل وهي التي عبر عنها القرآن بأسماء الله الحسنى "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها".فهي تمثل المطلق كما يتجلى للإنسان أي النقيض الأول في الإنسان.
أما فيما يتعلق بالمحدود فهو يتمثل في الواقع المادي المحود بالحركة خلال الزمان (يفلت بمجرد وقوعه من إمكانية الإلغاء) والوجود في المكان (جامد). غير أنه طبقاً لقاعدة الموضوعية يجب التمييز بين هذا الواقع الموضوعي المستقل عن وعي اٌنسان وغير المتوقف عليه والواقع كما يدركه الإنسان والأخير هو النقيض الثاني في الإنسان.
والمركب الجدلي للمطلق والمحدود الذي يتجاوزهما كنقيض ويؤلف بينهما هو الإطلاق.
وكون إطلاق هو مركب جدلي يعني أنه ليس تركيب ساكن للمطلق والمحدود بل هو اتساق الحركة الجدلية بينهما فكل درجة من درجات الإطلاق يحمل يفي ذاتها بذور تناقض جديد بين المطلق والمحدود لن يلبث أن يكون صراعاً يؤدي إلي انبثاق مركب جديد (هو درجة جديدة من درجات الإطلاق) وهكذا في سلسلة من الصعود الدائم لذا قرر القرآ أن الوجود الإنساني المتصف بالإطلاق في صعود دائم عبر درجات :
"يرفع الله الدين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".
"ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ".
كما قرر القرآن والسنة أن هذا الوجود الإنسان قائم على صراع المطلق والمحدود وهو ما عبر عنه بالجهاد في الله أو جهاد النفس: فيرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال :"رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر". وأورد أبن تيمية الحديث " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله" .

كما قرر علماء أهل السنة أن الوجود الإنساني هو سير لا ينقطع إلي الله، يقول ابن القيم (فإن السك لا يزال سائراً إلي الله تعالى حتى يموت ولا ينقطع سيره إلا بالموت فليس في هذه الحياة وصول يفرغ معه السير وينتهي) .
وهذا الاتساق للحركة الجدلية يتم بتوافر النقيضان (في الإنسان) وهما المطلق والمحدود.
أما فيما يتعلق بالمطلق فإنه يتجلى للإنسان عندما تأخذ حركته شكل فعل غائي محدود (تكوينياً وتكليفياً) بالفعل المطلق (الربوبية) والغاية المطلقة (الإلوهية).

كما أن حركة الإنسان (التي تأخذ شكل فعل غائي) ليست حركة ميكانيكية، بل حركة جدلية تتم عبر ثلاث خطوات (المشكلة، الحل، العمل) يحددها المطلق ولا يلغيها :
فالمطلق لا يلغي الخطوة الأولى (المشكلة) بل يحددها بأن يحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجههتا وطرق العلم بها من خلال اتخاذ الله تعالى غاية مطلقة تحدد تصور الإنسان لغاياته ومثله العليا المحدودة في الزمان والمكان    والنسبية فيهما ولا تلغيها . وبهذا تصبح هذه الخطوة (المشكلة) تعبير عن التناقض والصراع بين المحدود والمطلق (في الإنسان) كما أن المطلق لا يلغي ثاني هذه الخطوات (الحل) بل يحددها بأن يحدد للإنسان نماط الفكر الذي يصوغ هذه الحلول، وذلك بأن تكون الحلول التي يضعها الإنسان لمشاكله المتطورة خلال الزمان المتغيرة في المكان حدود (تكليفياً ) بالقواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة التي وضعها الوحي لحلها، كما هي محددة ( كوينياً ) بالسنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركة الفكر ( المنطق ) وتحول الطبيعة وتطور الإنسان. وبهذا تصبح هذه الخطوة (الحل)محاولة لحل التناقض بين المحدد والمطلق في الإنسان.
والمطلق أيضاً لا يلغي آخر الخطوات ( العمل ) بل يحددها بأن يحدد للإنسان أسلوب العمل الذي يحقق هذه الحلول وهو ما يتحقق عندما يكون العمل بما هو فعل ( محدود ) بالفعل المطلق لله تعالى ( الربوبية ) كما يتجلى ( تكليفياً ) في القواعد الآمرة الناهية التي عبر عنها القرآن بالحدود لأنها تحد الفعل الإنساني ولا تلغيه: "تلك حدود الله فلا تقربوها"، "ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون". وكما يتجلى تكوينياً في السنن الإلهية التي تضبط حركة الإنسان. وبهذا تصيبح هذه الخطوة ( العمل ) الجهد الذي يبذله الإنسان لحل التناقض بين المحدود والمطلق في الواقع.
أما كيف تنسق الحركة الجدلية بعد هذا فإن العمل بما هو فعل يهدف إلي حل التناقض بين المحدود والمطلق في الواقع غيير أن هذا الواقع يمثل المحدود أي النقيض الثاني في الإنسان، وبالتالي ينشأ تناقض جديد وصراع جديد بين المحدود والمطلق يؤدي إلي انبثاق مركب جديد ( أو درجة جديدة من درجات الاطلاق )، وهكذا في سلسلة من الصمود الدائم هذا الاتساق للحركة الجدلية هو الاطلاق،  وللاطلاق وجهان : سلبي وإيجابي
.
فعلى المستوى الذاتي نجد أن الوجه السلبي يتمثل في تحرير الذات من الغايات المطلقة الزائفة وهو ما عبر عنه القرآن باجتناب الطاغوت. فاتخاذ الطاغوت هو عملية تقوم الذات بموجبها بتحويل غاية محدودة ( فعلاً ) إلي غاية مطلقة (لأن التصور لم يتصل بالمستقبل الذي يتخطاها والطاغوت بما هو كذلك قد يعد الذات بإمكانيات محدودة للتطور لكن لابد أن يأتي وقت يستنفذ فيه هذه الإمكانيات ويصبح بعدها معوقاً للتطور لأنه في واقع الأمر إلا مر غاية محدودة بالزمان والمكان وبالتالي تخضع للتغير في يالمكان والتطور خلال الزمان .
أما الوجه الإيجابي فيتمثل في أن اتخاذ الله تعالي غاية مطلقة يمد الذات بإمكانيات غير محدودة للتطور لأنه لا تتوتفر للذات الإنسانية إمكانية التحقيق النهائي فضلاً عن تحاورها.

  قوة العمل الثوري العربي غير محدودة ؛ لأنها تمثل الجماهير فى كل بلد عربي ؛ الجماهير الصابرة ، الحرة ، المؤمنة .. قوة هذا العمل العربي وحدها هي القادرة على تحرير فلسطين ؛ بحشد كل الطاقات العربية ، وبحشد كل الإمكانيات العربية..
                     
                                                                                                                                                                       أما على المستوى الموضوعي فإن الوجه السلبي للاطلاق يتمثل في تحرير الفعل الإنساني من أي فعل مطللق زائف وهو ما عبر عنه القرآن بالاستكبار، فالاستكبار هو أن اسناد الفعل المطلق لسواه تعالى وهو ما يؤدي إلي إلغاء فعل الآخرين وبالتالي إلغاء المساواة بين الناس ونشؤ علاقة دات طرفين المستكبر والمستضعف.
أما الوجه الإيجابي فيتمثل في أن اسناد الفعل المطلق لله تعالى يثمر إطلاق الفعل الإنساني أي يمده بإمكانيات غير محدودة للتطور كما أنه ضمان موضوعي مطلق للمساواة بين الناس   ..
                                                                                الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .





المسلمون والدولة الواحدة .
 د.عصمت سيف الدولة .

اما اذا كان المقصود " بالوحدة الاسلامية " دولة واحدة يكون لها وحدها الولاية والرعاية والحماية على كل المسلمين في الأرض ، حتى تتسق وحدة الدولة مع وحدة الأمة ، فتلك بدعة أخرى لا يعرفها الاسلام ديناً ، ولم يقف عندها تاريخ المسلمين قط . فمنذ ماقبل الهجرة إلى المدينة أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضاً من أوائل المسلمين بالهجرة إلى الحبشة ؛ فهاجروا إلى الحبشة ليكونوا في كنف دولة عليها حاكم من أهل الكتاب أكثر أمناً على دينهم وأنفسهم من اضطهاد قريش في مكة . ثم إنه إلى أن تمت الهجرة إلى المدينة لم يكن للمسلمين دولة ، ولم يحل هذا دون الدعوة إلى الاسلام وممارسة مناسكه . ثم انه بعد الهجرة وإقامة دولة المدينة على أرضها بحدودها لم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ثمة تلازماً بين حدود الدَولة وحدود الدعوة ، فأرسل إلى هرقل وكسرى والمقوقس والنجاشي تلك الرسائل التي أشرنا إليها من قبل ، يدعوهم فيها إلى الاسلام ، ولم يدعهم إلى أن يكوّنوا مع المدينة دولة واحدة . أولو قد آمن كسرى أو هرقل أكان مقضياً أن تنضم امبراطورية الروم وامبراطورية الفرس إلى دولة المدينة ؟ كيف اذن دعاهما الرسول إلى الاسلام من قبل أن يعدَ عدَته ليحكم امبراطوريتين ؟ ثم إن عمر بن الخطاب ، الخليفة الثاني ، قد أبرم مع الفرس معاهدة صلح بعد أن فتح سعد بن أبي وقَاص مدينة " المدائن " على أثر انتصاره الساحق في موقعة القادسية ، وكان من بين ما ارتضاه أمير المؤمنين في تلك المعاهدة أن تكون سلسلة الجبال التي تلي العراق شرقاً ، حدوداً " دولية " بين دولة الخلافة وإمبراطورية الفرس . والتزاماً بتلك المعاهدة أصدر أمير المؤمنين أوامره بالاَ تجتاز جيوش المسلمين تلك الحدود . هذا ما ارتضاه عمر بن الخطاب حدوداً للدولة . فهل أرتضى أمير المؤمنين ، أو كان يمكن أن يرتضي ، أن تكون تلك حدود الدعوة أيضاً ؟  ثم إنه منذ خلافة عمر بن الخطاب كان الدين الاسلامي قد بدأ في الانتشار خارج الدولة إلى درجة لم يكن يعرف ، حتى الخلفاء ، مداها  .. فنرى أنه بينما كان الخليفة العباسي القائم بأمر الله مذعوراً من نبأ الغزو المغولي المندفع نحو دولته قادماً من شمال وسط آسيا حيث إقليم بحيرة بيكال مكتسحاً مايليه غرباً بما فيها فارس ، إذا به يعرف من رسالة قائدهم طغرل بك مالم يكن يعرفه : إنهم مسلمون . فيتصل بهم ويتصلون به ( 1055 م ) ويستعين بهم في شؤون دولة الخلافة فيصبحون فيها دولة داخل الدولة ، هي دولة السلاجقة . ممن بلغتهم الدعوة فأصبحوا مسلمين ؟ لا أحد يدري . فقد كان الرحالة والتجار المسلمون يبشرون بالاسلام ويدعون اليه بعيداً عن حدود دولة الخلافة ويقدمون ، بعد آياته ، نماذج من أنفسهم للانسان المسلم فيهتدي إليه كثيرون . إن مئات الملايين من المسلمين اليوم ، في الهند والصين وماليزيا واندونيسيا والفلبين والاتحاد السوفياتي وشرق أفريقيا ومئات الجزر المتناثرة في المحيطات …. الخ ، كل هؤلاء وأسلافهم وأسلاف أسلافهم لم يهتدوا إلى الاسلام في ظل دولة الخلافة أو بفعلها منذ أن نشأت في عهد أبي بكر إلى أن انقضت ، ولم يكونوا يوماً من رعاياها ، ولا زعم أي خليفة انهم رعاياه . وهم هم الذين يكوَنون اليوم الأغلبية من الأمة الاسلامية .. ألا نرى في هذا وحده تصديقاً واقعياً لما جاء في القرآن من أن الاسلام رسالة إلى الناس جميعاً ؟ . ألا نرى قدرة ضوء الشمس يصل إلى كل الأركان بدون اصطناع في قوة عقيدة الاسلام على الاقناع بدون دولة مصنوعة ؟ لماذا ، إذن ، يصطنع بعض المسلمين تلازماً بين الاسلام والدولة فيحبسون الاسلام في دولة ؟                            
إذن ليس ثمة تلازم بين وحدة الأمة الاسلامية  ودولة واحدة لكل المسلمين  ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق