بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 6 يوليو 2015

الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (15) .

               الوحدة العربية بين دعاتها وأعدائها .. (15) .


التمويل بالنسبة لأي حركة سياسية هو بمثابة الشريان الذي يغذي الاعضاء في جسم الكائن الحي ، وهذا بشكل اجمالي وعام ، أما بالنسبة لحركات الاسلام السياسي ، فهو مصدر تطرف وارهاب بالنسبة للأصحاب النزعة المتشددة ، وهو مصدر هيمنة وتغوّل في المجتمع بالنسبة للحركات التي تصف نفسها بالاعتدال .. وسواء بالنسبة لهذا الطرف او ذاك ، فان كلا الهدفين هما اللذان دفعا هذه الحركات للتمدّد أولا ،  ثم للعمل من أجل السيطرة على المجتمع واقصاء المخالفين في مرحلة ثانية  .. وهكذا تحوّلت حركات الاسلام السياسي الى امبراطورية مالية مترامية الأطراف ، هي التي أدت في النهاية الى وجودها في الصدارة ، وليس  لاي سبب آخر كما يتصور البعض ، وقد ساعدتها عدة ظروف أحسنت هي بدورها استغلالها ، منها :

ـ وجود حالة التجزئة التي فرضت على الامة العربية قيام انظمة اقليمية معادية بطبيعتها للحركة القومية ، فكان لا بد من الرهان على القوى الاصلاحية في المجتمع ، والتي كانت تختلف في كل الدول العربية من فترة الى اخرى حتى ظهر الاسلام السياسي بطبيعته الاصلاحية متمثلا في الاخوان المسلمين  ، التي كانت تقبل بالتنافس مع الانظمة الرجعية أينما يُسمح لها بالنشاط .. وقد كان القبول المتبادل بالتنافس بينها وبين الاحزاب الحاكمة يتم عادة  في الاقطار التي تحكمها الانظمة الرجعية المعادية لمشروع الوحدة ، وذلك بعد مهادنتها لها واعترافها بشرعيتها ، والتزامها بالشروط والقوانين المسموح بها في كل قطر .. ورغم انها تنافس فقط على بعض المقاعد في المجالس النيابية التي تسيطر عليها الاحزاب الحاكمة في كل دولة ، الا انها قبلت بالنشاط المشروط ، والخضوع في اغلب الاحيان للحاكم بأمره في أي قطر ، مثلما هو حاصل معها على مدى خمسين عام او اكثر في كل من الكويت والاردن والسودان والمغرب منذ السبعينات .. في حين كانت تتمرد ، وتتحوّل الى أحزاب مشاكسة ومعارضة في الاقطار التي كانت تحكمها الانظمة القومية مثل مصر وليبيا وسوريا والعراق ،  فتتحالف ضدها مع دول وحكومات أخرى عربية وأجنبية ، ثم تشرع في التخطيط للانقلاب والفوضى والعمل الارهابي في هذه اللأقطار دون غيرها .. !! وهكذا كان تاريخ تلك الجماعات  منذ نشأتها .. ولعل بقاءها وتعايشها مع النظام الملكي في مصر على مدى اكثر من عقد ونصف ، ثم انقلابها على النظام الجديد في ظرف وجيز رغم كل البوادر الثورية التي كانت ظاهرة على نظام ثورة يوليو ، ورغم استثنائها من اجراء حل الاحزاب الرجعية في بداية الثورة ، هو ما يؤكد هذا النهج الذي سارت عليه في كل الاقطار .. !! وهو ما يؤكد عداءها الفعلي للمشروع القومي الذي تأكد مع مرور الوقت وخاصة بعد موجة الثورات التي انقلبت فيها حركات الاسلام السياسي انقلابا رهيبا على المجتمعات ، ودفعها انتصارها الوقتي في كل من تونس ومصر الى المزيد من الغرور ، والطموح الكاذب الى بناء امبراطورية اخوانية من تركيا شرقا الى ليبيا وتونس غربا ..
  
ـ وجود ظرف خاص مرّت به الامة العربية على مدى قرون طويلة اتسم  في مجمله بقلة الوعي الشعبي والجهل والتخلف الذي جعل عقول الناس تمتلئ بالخرافات والمعتقدات الفارغة ، مع غياب كلي لأي معرفة بجوهر الدين ، تمكن الإنسان المسلم من التمييز بين حدود المحكم الصريح الذي يجب اتباعه ، والمتشابه منه الذي يخوض فيه أهل الرأي من المجتهدين ، فيكون في أمره سعة ، وأخذ وعطاء  بين الناس .. وهذا الوضع  هو الذي مكن حركات الاسلام السياسي من توظيف الدين واستغلاله في خدمة الاغراض السياسية ..

ـ وجود وضع اجتماعي هش في أغلب الاقطار العربية مكّن تلك الحركات من استغلال سلاح المال السياسي لجلب الاتباع والانصار عند كل حملة انتخابية للظهور بمظهر القوة الفاعلة خلال التنافس مع الانظمة الحاكمة ، والأحزاب الاصلاحية التي يسمح لها وحدها بالنشاط  السياسي ، وهو جانب نفسي مهم أحسنت استغلاله حركة الاخوان المسلمين في التاثير على توجهات الفئات الشعبية ، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه الحركات القومية الى الاقصاء من المشاركة مثلما كان حاصلا في مصر طوال فترة السبعينات والثمانينات ، أو ترفض فيه العمل القانوني في بعض الاقطار مثل تونس باعتبارها لا تسعى الى اصلاح النظام ، بل الى الثورة عليه لاحداث تغيير جذري في المجتمع ..

ـ القدرة الهائلة لتلك الجماعات ـ وخاصة المتطرفة منها ـ على " الكمون " داخل المجتمعات ، والتكيف مع الظروف بجميع أنواعها ، حيث تتحول بعض خلايها في بعض الحالات الى ما يسمّى بالخلايا النائمة ، وهي في طريقة انتشارها وتمدّدها شبيهة الى أبعد الحدود بالخلايا السراطانية التي تنشأ في نقطة ما من الجسم السليم ، ثم تنتشر فيه خلال مرحلة هادئة ، مليئة  بالسكون الخدّاع ، الذي سرعان ما ينتهي بهجوم المرض على الجسم بأكمله معلنا تدميره دفعة واحدة .. !!   

ـ وجود الحركة الصهيونية والأطماع الاستعمارية في ثروات الامة ونهـبها ، أمام تنامي  حركة قومية معادية بطبيعتها لتلك الاهداف ، جعل امكانية الصدام بينهما أمرا حتميا ، وهو ما أدى الى محاصرتها ، واستهدافها  اما بشكل مباشر عن طريق العدوان كما حدث في مصر سنة 56 و67 ، و في ليبيا  سنة 85 ، والعراق  ثم سوريا منذ 1990 الى الآن .. أو عن طريق الحصار الاقتصادي وتحريك الطابور الخامس في الداخل مثلما حصل مع ثورة يوليو على مدى الخمسينات والستينات ..

ـ ميل الاخوان منذ نشأتهم الى النهج الاصلاحي ، جعل طبيعتهم تنعكس على خطابهم وأسلوبهم في التعامل مع القضايا القومية ، حيث كان قبولهم بالتعايش مع الأنظمة الاقليمية الرجعية المتحالفة مع الاستعمار معناه القبول بالخضوع  للهيمنة الخارجية التي كانت تحاربها الانظمة القومية على امتداد فترات حكمها .. حيث لم يخضع على مدى اكثر من نصف قرن ، اي نظام قومي لاي جهة خارجية مهمى كانت قوتها او جبروتها ، بل لقد كان لهم الشرف جميعا في تصدّيهم للاستعمار وأعوانه حتى سقط بعض رموزهم شهداء في ساحات المعارك .. وقد أدت تلك المراحل الدقيقة من الصراع على السلطة ، الى الصّدام ، والمواجهة التي اتخذت في بعض المراحل شكلا دمويا اختارت فيه حركة الاخوان المسلمين اسلوب الانقلاب ، والغدر الذي يبيح لها الاغتيالات مثلما حدث في حادثة المنشية سنة 54 ، والتخطيط للفوضى والتمرّد المسلح  مثلما فعل التنظيم الخاص سنة 1965 في مصر .. وهو ما جعل الانظمة القومية تقف في وجه حركات الاسلام السياسي كواحدة من القوى التي كانت كل أهدافها في واقع الامر تتجه الى السيطرة على الحكم بغير الاساليب التي تتبعها مع الانظمة الرجعية ، بالرغم من ان تلك الانظمة كانت كلها مُنصّبة من طرف القوى الاستعمارية على عكس الانظمة القومية التي جازفت بالقوّة للوصول الى السلطة ، واقامة أنظمة وطنية أفضل آلاف المرّات من بقية الأنظمة الرجعية العميلة .. وحتى اذا سلمنا بطبيعتها الشمولية في تلك المرحلة ،  فان الانظمة القومية وعلى رأسها نظام عبد الناصر الذي بادرته حركة الاخوان بأسلوب الغدر والانقلاب ـ وهو الذي استثناها وحدها من إجراء حل الأحزاب في 16 يناير سنة 1953 ـ لم تكن على اي حال الاسوء من بين كل الأنظمة الموجودة على الساحة العربية ..  كما انها لم تكن استثناء على الساحة العالمية ..
فهل كان للاخوان مشروع نظام افضل من الانظمة السائدة في عصرها ..؟
وان كان ذلك هو السبب ، فلماذا قبلت  بالخضوع والتنافس والتعايش والتحالف مع كل الانظمة العربية الرجعية السائدة حتى الآن ..؟؟
ثم ما هي طبيعة الأنظمة السائدة في العالم خلال فترات الاستقلال التي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى والثانية وتواصلت طوال فترتي الخمسينات والستينات ..؟؟ 
ففرنسا التي تعتبر مهد الثورات ، والتي صدرت فيها أولى الدساتير كانت تحكمها الأنظمة الملكية الامبراطورية التي تمثل ظل الله في الارض حتى جاء العسكري ديجول على راس الجمهورية الخامسة من سنة 1944 الى 1969 ، وهو الذي كان يرفض مساواة الجزائريين مع الفرنسيين بمنحهم الحق في الاستقلال ، معتبرا الجزائر مقاطعة فرنسية .. !! وألمانيا  كان يحكمها هتلر الغني عن التعريف ، وايطاليا كان يحكمها صديقه الحميم وحليفه موسيليني الشهير ، واسبانيا كان يحكمها الجنرال فرانكو الذي بقي في الحكم  من 1936 الى 1975 ، وروسيا كان يحكمها ستالين والحزب الشيوعي السوفياتي بمفرده .. ونفس الشئ  تقريبا في الصين التي شهدت الى حدود الامس القريب ما سمي بربيع بيكين سنة 1989 ، وغيرها من دول الكتلة الشرقية ودول امريكا اللاتنية التي كانت تحكمها الانظمة الشيوعية التي لا تعترف سوى بديكتاتورية البروليتاريا الخ .. فاين الديمقراطية اذن .. ؟
 هل هي مثلا في الدول الآسوية والافريقية المتخلفة والتي لم تزل ترزح تحت الاستعمار في ذلك الوقت ، أم في  الاقطار العربية التي تحكمها أنظمة لا ترى شعوبها صناديق الاقتراع سوى في نشرات الاخبار .. ؟ 

للحديث بقية ..

 ( القدس عدد 183 ) .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق