الارهاب بين الحلول الامنية
والاجتماعية .. !!
عندما يبدأ الحديث بشكل جدي في تحديد المسؤوليات بالنسبة لملف الارهاب ، مع الاشارة الى مسؤولية السلطة الحاكمة بالدرجة الأولى ، ينتفض مسؤولوها
مردّدين مؤكّدين : بأن الارهاب لم يعد حالة
خاصة بمجتمع معين ، وهو منتشر في كل أنحاء العالم ، في الشرق و في الغرب .. في
المجتمعات الغنية والمجتمعات الفقيرة .. في الدول المتقدمة الديمقراطية ، والدول
المتخلفة .. فالارهاب قد زار بريطانيا و امريكا وفرنسا واسبانيا ،
مثلما زار الدول العربية والافريقية والآسيوية دون تمييز على اساس الدين ، أو
العرق .. كما ان الارهابيين اليوم لا
تقتصر جنسياتهم على دول معينة ، بل نجد منها جنسيات منتمية لكل دول العالم الخ ..
هكذا تسمع الحجج والبراهين .. وهي حجج مقبولة الى حد ما .. لكنها في نفس
الوقت تحتوي على الكثير من المغالطات ..
فالدول الغربية من ناحية حينما ضرب
فيها الارهاب كان متمثلا في عمليات محدودة مثلما حدث في لندن واسبانيا وفرنسا ..
وحتى هجمات سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة كانت عمليات انتقامية للرد على ما
قامت به أمريكا من ضربات للقاعدة في عدة
مواقع مثل السودان واليمن وغيرها ، قبل أن تتحول الحرب الى افغانستان .. وهكذا فان
أغلب تلك العمليات جاءت لردع الدولة
المستهدفة من قبل الارهابيين ، وارهاب
مواطنيها حتى يضغطوا على حكوماتهم لتغيير سياساتها تجاههم ، فلا تقوم بالتضييق على
حركتهم ، ولا تعرقل نشاطهم ، ولا تتعقب خطواتهم في مواقع كثيرة من
العالم خارج حدود الدول الغربية ... وهو ما حصل فعلا خلال العقود الاخيرة ، حيث
غيرت الدول الاوروبية وأمريكا سياساتها ، واستراتجيتها ، من الملاحقة والمهاجمة والاعتقال
، والقتل كما حصل في افغانستان وباكستان ، الى سياسة الاحتواء وخلق بؤر جديدة
تنهمك فيها تلك الجماعات وتنشغل عن الدول الغربية ومصالحها ، مقابل كل التسهيلات التي تتم في
الخفاء رغم التمويه ، والتظاهر بقوانين
الارهاب ، التي لم تعد تطبق في اي مكان ، حيث يتنقل الارهابيون تحت أنظار رجال
الأمن ، من أوروبا والدول العربية الى تركيا ثم سوريا والعراق ، ومن الدول العربية
والافريقية الى ليبيا ، ذهابا وايابا دون
أن نسمع شيئا عن الايقاف ، أو الاستجواب
في المطارات ، أو على الحدود بين الدول ..
اما من ناحية ثانية ، فان أكبر عدد
من الجنسيات المتواجدة حاليا في سوريا
والعراق وليبيا ـ كما تقول الاحصائيات هم تقربا من التونسيين .. وهو ما يبعث فعلا
على القلق والفزع والحيرة في مواجهة الظاهرة بصفة جدية ، لا بمحاولات الانكار
والتعميم ..
ان استهداف تونس من طرف الارهابيين ، حقيقة واضحة لا غبار عليها ، لكن
مواجهتها لا تكون باعلان قرارات الطوارئ والحلول الامنية المفرطة التي تضيق على
الحريات وتستهدف الاحتجاجات السلمية والاضرابات التي تشهدها كثير من القطاعات بسبب
الغلاء الفاحش وتردي المقدرة الشرائية للمواطن ..
ان مواجهة الارهاب تكون بالالتفات أساسا الى الحاضنة
الشعبية التي تحتضن الارهابيين ، وتغذيهم بالمتطوعين ، في كل الأماكن المحرومة
التي لا يحتاج فيها مواطنوها الى المواعض
الحسنة ، والدروس في الوطنة بلا مضامين اجتماعية تنتشلهم من براثن الفقر والتهميش ..
فهناك لا محاصرة للارهاب دون تنمية عادلة وحلول اجتماعية فورية .. ( نشرية القدس العدد 183 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق