حوار مع صديق حقوقي .. !!
تقول أن القوميات
متعصبة ، وقد تجاوزها العصر وبالتالي الحل
هو ما يدعو اليه المرزوقي بالتخلي النهائي عن " الايديولوجيا "
والانفتاح على كل العالم للتماهي مع عصر
العولمة الخ .. وأعتقد ان هذه الافكار قائمة على الخلط بين عدة جوانب :
ـ أولا : بين التعصب كنزعة
انسانية فكرية ونفسية وسلوكية يمكن ان نجدها عند اي انسان دون أن تكون روابط
الانتماء الموجودة في الواقع وعلى راسها الرابطة القومية ، مسؤولة عن تلك النزعة
المرضية ، وبين الشعور بالانتماء الى جميع الروابط والدوائر التي يمكن أن يكون
فيها الانسان منتميا الى اكثر من واحدة في نفس الوقت .. كما يمكن للناس أن يكونوا
مختلفين في انتمائهم الى دائرة معينة ، ومشتركين في انتمائهم الى دائرة اخرى وهكذا
.. لأن الانتماء له أوجه متعددة في المجتمع ، مما يجعل العلاقات متداخلة ، ومتكاملة
، منها الرابطة الاسرية والقبلية ،
والقومية و الدينية ، والجهوية ، والاقليمية ، والسياسية ايضا ،
والرياضية و الفنية الخ .. حيث يجد كل انسان نفسه في أكثر من دائرة وهو لا
يستطيع أحيانا أن يغادر الكثير منها .. مما يجعل العلاقات الانسانية في النهاية ، تتحدد
بالانتماءات المختلفة الى تلك الدوائر المتعددة ، ونحن اذا فهمناها فهما صحيحا سنجد
مطلبنا الانساني متحقق في اطار ذلك الفهم
دون ان يحدث اي تناقض بين كل الدوائر التي ننتمي اليها ، من البسيط الى المركب ، ومن
الدوائر الدنيا ، الى الدوائر العليا .. هذا فضلا عن كوننا لا نستطيع موضوعيا الهروب والانفصال عنها أو تجاهلها بدعوى انها سلبية ، او تجاوزها الزمن ، او متعصبة الخ .. ودورنا هو الارتقاء بالفكر والممارسة والفهم
العميق للعلاقات الانسانية للتخلص من تلك النزعات التي سادت في بعض الفترات
التاريخية بسبب الجهل ، والتوظيف السياسي ، والنزوع نحو السيطرة الخ ..
فالواقع يقول أن كل نسان فرد من اسرة .. هل في هذا تعصب ضد الاسر الاخرى ؟؟
وهل يستطيع أحدنا ان يغير سنة الله في خلقه ..؟؟
قال تعالى في سورة الزمر الآية 6 : " خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ " .
وهل يستطيع أحدنا ان يغير سنة الله في خلقه ..؟؟
قال تعالى في سورة الزمر الآية 6 : " خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ " .
نفس المبدأ والمنطق ينطبق تقريبا على ما فوق الروابط الاسرية من روابط
اجتماعية اخرى اقتضتها سنن التعدد التي أنشئت على تلك القاعدة الاولى ، حيث أدى
تعدد الاسر الى تكوّن العشائر ، وتعدد العشائر الى تكون القبائل .. ولما كانت
الحياة بدائية والانسان غير قادر على فهم الطبيعة وتطويعها ، ( العجز عن الانتاج )
، كانت القبائل متنقلة .. ولكن بمرور الزمن ، وتطور الملكات الفكرية والابداعية
عند الانسان ، بدأ في انتاج وسائل جديدة حتى اصبح قادرا على استغلال الارض .. فظهر
الاستقرار كثمرة من ثمرات هذا التطور .. ومن هنا ظهرت الشعوب .. ثم الامم ..
قال تعالى في سورة الحجرات الآية 13 : يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " .
هكذا كانت مشيئة الله ، التطور من طور الى
آخر والارتقاء من البسيط الى المركب ، حيث يصير الجزء داخل الكل الذي لا يكتمل
وجوده الا به ، فيحتويه ولا يلغيه .. ودورنا ان نفهم هذه العلاقات ونتفاعل معها
كنتاج للتطور الحاصل بسبب فاعلية السنن الكونية ، لتحقيق تلك الغاية التي جاءت في
الآية : " التعارف " ، بكل ما تعنيه من معاني انسانية ( الاخاء والتعاون
والاحترام المتبادل الخ .. )
وهنا يمكن ان نضرب امثلة من الواقع ..
حينما جمعت ثورة اكتوبر 1917 في روسيا أمما وقوميات مختلفة ووحدتها في إطار دولة
الاتحاد السوفياتي ماذا حدث ؟
لقد كانت الممارسة والتعاطي مع هذا الوضع الجديد يقوم على تجاهل الخصوصيات القومية والدينية
والاثنية بحكم الافكار الجديدة التي جاءت بها الثورة القائمة على أساس النظرة
المادية للتاريخ .. فتعسفت السياسة الستالينية القائمة في ذهن ستالين ورجال الحزب
الشيوعي على أساس الفكرة الأممية الرافضة للخصوصيات القومية باعتبار انها "
روابط تضر بمصالح الطبقة العاملة " و باعتبار انها " علاقات أنشئت خصيصا
لدعم مصالح البورجوازية التي تبحث عن توحيد السوق " الخ .. فكانت تلك الممارسات احد بذور الفشل في
الاطاحة بالاتحاد السوفياتي ..
ـ
ثانيا : التمييز بين النزعة
الانسانية السامية التي تسعى الى التعاون
الانساني المفتوح على روح العصر والتكامل في
اطار متغيرات الحياة العصرية من تكنولوجيا واتصالات الخ .. وبين الذهاب الى ذلك
على متن قطار العولمة .. اذ ان العولمة اليوم تعبر عن حالة جديدة اقتضتها مرحلة
التطور داخل المنظومة الرأسمالية ، التي فرضت عليها قوانينها الاقتصادية تحولات
جديدة مستغلة كل مظاهر النهضة الصناعية في مجالات الإعلام والاتصالات ، لتحقيق
مصالح الشركات العملاقة العابرة للقارت
التي تسعى الى الهيمنة والسيطرة الرأسمالية على الأسواق العالمية وفرض سياسات
محلية تابعة لها بحكم عجز الرأسمال المحلي على المنافسة وتحقيق الأرباح الا بالقدر
الذي يسمح به أسياد الاقتصاد العالمي ..
وهو ما يجعل الاقتصاد عندنا تابع بالضرورة للمافيا العالمية .. والسؤال المطروح
كيف نذهب الى العولمة ولا نكون فيها بيارق
لهؤلاء ؟؟
طبعا السيد المرزوقي لا يستطيع ان يجيب عن
هذا السؤال .. لانه " حقوقي " والحقوق عنده هي مجرد مطالبة واحتجاج وصخب
اعلامي ، لذلك لا يستطيع ان يفهم المضامين الاجتماعية للحقوق والحريات ، وحتى اذا
فهمها فهو لا يهتدي الى طريق تحقيقها .. ثم انه لا يهتم بالعلاقات التي تحف بها من
كل جانب ، لذلك هو لا يستطيع ان يفهم كيف يكون معاديا للارهاب في تونس ومساندا له
في سوريا وليبيا واليمن .. ؟ ولا يستطيع ان يفهم كيف يكون مناهضا للاحتلال في
فلسطين وصديقا في نفس الوقت للذين يتآمرون على فلسطين ويساندون الكيان الغاصب
..؟ ولا يستطيع ان يفهم كيف يكون مناصارا
لفلسطين ، ومناهضا في نفس الوقت لقانون تجريم التطبيع ..؟ ولا يستطيع ان يفهم كيف
يكون " عروبيا " كما يدعي احيانا ، وهو يدعم الفوضى الحاصلة في كل مكان
بدعوى انه يساند الثورات أو بان فلان ديكتاتور .. ؟
أي ثورات هذه التي تدعمها دول لا ترى فيها
شعوبها صناديق الاقتراع الا في نشرات الأخبار مثل قطر والسعودية ؟
واي ثورات هذه التي يصنعها حلف النيتو
مثلما حدث في ليبيا ..؟؟
ثم كيف نركب قطار العولمة ونحن على هذا الوضع
الهش ، بدون كيان واضح وبدون شخصية حضارية صلبة ، قادرة على مواجهة الرياح العاتية
في هذا البحر العميق الذي يسمى بالعولمة ؟؟ الا يؤدي هذا الى مزيد من التهميش
لذواتنا والذوبان في الآخر ؟ الا يقتضي الأمر ترميم السفينة المتهالكة لكي تحمينا
من الغرق في تلك المياه الجارفة ؟
بلا . ودعنا نضرب مثلا آخر من الواقع ، وهو متعلق بالواقع
الاوروبي أين تواجه الدول الكبرى هذا
الغول المسمى " عولمة " وهي تدافع عن مصالحها ، من خلال سعيها الى بناء
تكتل عملاق هو الاتحاد الأوروبي ، لفهم أكثر كيف يجب علينا اعادة النظر في سياساتنا
للبحث عن مخرج من الوضع الذي وقعنا فيه ، وهو بالتأكيد لن يكون بالانغلاق على
الهويات الضيقة ، بل بالبحث عن صيغ لتكتل أقوى ، واقدر على مقاومة الغزو الخارجي
الذي يستهدفنا .. وهو حاليا لن يكون سوى الاطار القومي العربي باعتبار ما فيه من
امكانيات معقولة لتحقيقه لو توفرت الارادة
الصادقة ، والارضية المناسبة ..
ـ ثالثا : التمييز بين التعصب
الفكري الذي لا نجده عند كل الناس ، وبين الايديولوجيا التي هي في النهاية أفكارنا
، حيث لا يوجد أي انسان بدون ايديولوجيا .. فانت اذا سئلت عن الحرية ستعطي رايك
فيها ، واذا سئلت عن الديمقراطية سيكون لك رايا فيها أيضا ، وهكذا ... انت تعبر عن
رايك في أي مسالة من المسائل ، مثلك مثل غيرك .. وقد تدافع عن فكرتك وتتمسك بها
مثلما يفعل كل انسان ..الخ ، فكيف نقول
اذن ان ما يقوله غيرنا ايديولوجيا .. وان ما نقوله نحن ليس ايديولوجيا .. ؟
أعتقد أن الحل هو ان ندعو
الناس الى الموضوعية ، وقبول الاختلاف ، واحترام الرأي المخالف مهما كان .. وهذا
يكفي للتواصل والعيش المشترك ..
هذا يكفي .. والى اللقاء ..
هذا يكفي .. والى اللقاء ..
( نشرية القدس العدد 184 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق