الإرهاب بين البعد القومي والبعد الإقليمي ..
من بين الإشكاليات التي طرحها قانون الإرهاب ، تعريف الوطن ، وهذا من المستلزمات الضرورية لتحديد المجالات والمواقع التي سيتم فيها مقاومة الإرهاب ، فجاء هذا التعريف الطريف في الفصل الثاني من القانون : يمثل " الإقليم الوطني : الفضاءات الأرضية والبحرية والجوية التي تمارس عليها الدولة سيادتها أو ولايتها طبق المعاهدات الدولية المصادق عليها ... ويشمل الإقليم الوطني كذلك الطائرات المسجلة بدولة الإقليم والسفن التي ترفع علمها أينما وجدت " .
ويتضح من خلال هذا التعريف الخلفية الاقليمية للدولة عند الاقليميين ، الذين يحرصون ولو على حماية طائرة في الجو ، أو سفينة في عرض البحر حينما تكون تابعة لسلطتهم الاقليمية ، لكنهم يتنصلون من المسؤولية في التعامل بايجابية مع ما تتعرض له أوطان بأكملها من عدوان خارجي مثلما هو حاصل في سوريا منذ خمس سنوات ، ومثلما حصل لليبيا خلال العدوان الأطلسي سنة 2011 وبعـدها ..
وحتى وان كان التنصيص على أن يتعدى نشاط الدولة خارج حدودها الاقليمية غير ممكن وغير مطلوب ، فانه من الممكن عمليا أن تكون بعض القوانين لها روح قومية تسمح لسياسة الدولة بان تكون منسجمة مع محيطها ، وموقعها وعمقها الحضاري والقومي ، من خلال عدة اجراءات عملية تسمح بحماية القطر من جهة ، وتساعد على تخفيف الارهاب على الدول المستهدفة مثل سوريا من جهة ثانية ، على غرار تجريم الانظمام الى تنظيمات ارهابية في الخارج تماما مثل الداخل ، ووضع قوانين رادعة تتعامل مع المشاركين في انشطة ارهابية خارج القطر ، بمثل ما يعامل به الناشطون في الداخل ..
غير ان الحاصل هو عكس ذلك تماما .. فالأمر اذا تعلق بأي قطر عربي آخر ، تتحول الفوضى والارهاب الحاصلة فيه الى شأن داخلي خاص باصاحب الاقليم وأهله .. ويكون المطلوب بالنسبة لاصحاب الحكمة ورجاحة العقل هو التزام الصمت والتظاهر بالحياد ، حتى ولو أدى الأمر الى السكوت عن التخريب الممنهج للاوطان وتفتيتها .. وحتى لو أدى الامر كذلك الى الحفاظ على علاقات متميزة مع الدول الداعمة للارهاب في اي موقع من المواقع التي يترعرع فيها بالقرب منا ، لكي يداهمنا في وقت لاحق ، ليفعل بنا ما فعله بالاجوار ..
من المهم جدا تغيير المنظومة القانونية لمواجهة هذا الخطر الداهم على المستوى القطري ، ولكن لا بد ان نضع في الحسبان أن الإرهاب اليوم هو مشروع معقد له أهداف إستراتيجية على المستوى القومي ، وله حاضنة قومية بأبعادها الدينية والحضارية والاجتماعية .. وفي هذا السياق يأتي استهداف تونس من طرف الإرهابيين كفصل من فصول المشروع الدولي والإقليمي للإرهاب الذي تحركه حكومات الدول الاستعمارية والمؤسسات الصهيوينة من خلال البيادق التي صنعتها على مدى عقدين أو أكثر بمختلف أنواعها ، من جماعات إرهابية وأنظمة رجعية وعصابات مالية وأبواق إعلامية .. ودعاة ، وسماسرة ، ومهربين ، وطابورا خامسا في كل قطر ، وفي كل مؤسسة من مؤسسات الدول الإقليمية ..!! ورغم تشابك العلاقات الخاصة بالارهاب ، فان الأبعاد القومية لهذا الملف واضحة أيضا من خلال خريطة الإرهاب الممتدة على طول الوطن العربي وعرضه ، من سوريا والعراق واليمن شرقا ، إلى مصر وليبيا وتونس والجزائر غربا .. وهذا بالإضافة إلى القوى والحكومات والأنظمة العربية التي تحتضنه وتموله وتغذيه لكي يكون عنوانا للفوضى ، التي تؤدي في النهاية إلى إضعاف أي مشروع قومي يمكن أن يستهدف وجودها ومصالحها ..
هذه طبيعة المعركة القومية ، وتلك طبيعة الدولة الاقليمية .. وبينهما طبيعة الاشياء : فاقد الشئ لا يعطيه .. !!
( نشرية القدس العدد 186 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق