الوحدة العربية بين
دعاتها وأعدائها .. (2) .
لا شك أن القوى المناهضة للمشروع الوحدوي في الوطن
العربي لم تدّخر جهدا لتعمل على إفشاله ، وخلق مناخ عربي
مشحون بالخلافات ، ملئ بالمتناقضات والمعوّقات
التي يستحيل معها تحقيق أي نوع من أنواع التعاون والتكامل العربي الذي يمكن
أن يسبق عادة أي خطوة تمهيدية نحو التقارب والوحدة ..
فالدول العربية
التي ظهرت خلال الحقبة الاستعمارية الأخيرة للوطن العربي بعد تفكك الإمبراطورية
العثمانية ، قد أصبحت بالنسبة للإقليميين الذين ورثوا تلك التركة بكل ما دسّه فيها
الاستعمار من تشويه ، كيانات مستقلة ذات سيادة ووجود قانوني معترف به وغير قابل
للإلغاء تحت أي ظرف .. ولا تربطها ببعضها سوى علاقات الجوار أو بعض المراحل
التاريخية العابرة في حياة شعوبها بعد أن أصبحت جزءا من الماضي الجامد ..!! وحتى اللغة والدين
والتاريخ والحضارة والاستقرار والعيش المشترك الذي دام أربعة عشر قرنا متواصلة من
التفاعل والانصهار والوحدة ، قد أصبح كله مجرّد ذكريات تفيض أحيانا ببعض العواطف
الجياشة التي لا يترتب عنها سوى التعبير عن حرارة اللقاء ، بالقبلات
والمجاملات وواجب الضيافة اللائق بالأشقاء .. أما التفكير في المستقبل والحديث عن
الوحدة في زمن التكتلات فهذا ـ في نظر الاقليميين ـ موضوع قديم لم يعد يقبله الواقع العربي الملئ
بالصراعات والمتناقضات .. وحتى الجامعة العربية التي أنشئت خصيصا لضرب المشروع
الوحدوي وحراسة التجزئة ، لم تعد ذات فائدة في ظل تلك الانقسامات التي تعيشها
الأمة .. وهو ما يقتضي اقامة تكتلات إقليمية بديلة : خليجية ، وافريقية ، و بحرـ
متوسطية ، وشرق ـ أوسطية .. تزيد من
التشتت والفرقة ، وتذهب بعيدا ليس عن موضوع الوحدة العربية فقط ، بل وحتى عن فكرة
التضامن العربي في حده الأدنى .. !!
وها هو الواقع
العربي كما نراه اليوم .. وقد أصبح مسرحا
للصراعات العربية ـ العربية القائمة على خلفيات متعدّدة دينية ومذهبية وعرقية
وطائفية ، تحرّكها نفس القوى التي كانت تقاوم المشروع الوحدوى منذ الخمسينات
والستينات الى اليوم .. فاين القوى الوحدوية من كل هذا .. ؟؟
للحديث بقية ..
( نشرية القدس العدد 165 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق