بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 يوليو 2016

التطبيع التركي الصهيوني .

 رأي اليوم :
 JULY 1, 2016

لماذا أسقط أردوغان البند الثالث من الاتفاق مع اسرائيل ..؟
وما هي أسباب اقالته لرئيس المخابرات وما علاقة ذلك بايران ..؟


نبيل نايلي (*) .
“ لم أر أسخف ممّن يُعيب على أردوغان سعيه لحلّ وسط مع إسرائيل ومع روسيا وينسوْن أن سعيه مع الأنظمة العربية بيّن له أنهم لا يُعوَّل عليهم في شيء مديد .. أردوغان هو معاوية العصر له من الدهاء والذكاء ما يجعله طليق اليدين في المناورة دون أن يفقد ثقة شعبه لأنه جعل تركيا قوة صلبة ومباهية بهويتها .. مفهوم الهدنة عند قادة الأتراك هو لاستكمال شروط القوة التي تجعل الصدام إن حصل يكون لصالحهم ، عملا بالآية 60 من الأنفال ” ! ( أبو يعرب المرزوقي ) .
بعد خلاف دام 6 سنوات أعقب هجوما شنّته وحدة من فرق الكيان الخاصة على سفينة “مافي مرمرة” التركية ، التي كانت تنقل مساعدات انسانية ، في محاولة منها لكسر الحصار الخانق المضروب على غزة ، ممّا أسفر عن مصرع 10 أتراك ! وقّعت تركيا أردوغان - بشكل رسمي- والكيان الصهيوني اتفاق تطبيع العلاقات من جديد ..
اتفاق كان من أبرز شروطه “ لإعادة إلى صورتها الطبيعية”، اعتذار الكيان ، ودفعه تعويضات لأهالي من استهدفوا في سفينة مرمرة ، ثم رفع الحصار عن القطاع ، واستجاب مفاوضو الكيان للشرطين الأوليْن الأوليْن ، جزئيا ، وإن اكتفوا بدفع مبلغ زهيد لأهالي الضحايا لم يتعدّ الـ21 مليون دولار ! سيتمّ دفعه بـ” التقسيط المريح ” على أن تتخلّى تركيا عن دعاويها ضد جيش الاحتلال !! ثم أسقط أو وقع التغاضي عن الشرط الثالث ، فلم يشمل “ رفع القيود الأمنية المفروضة على غزة ولا رفع حظر وصول السفن” إليها ، “مقابل السماح لتركيا ببناء مستشفى حديث ومحطة تحلية مياه ومحطة توليد كهرباء في القطاع ″، -قد يدكّهم سلاح جو الكيان مع أول غارة ينفّذها كما يفعل عادة ! ونقل المساعدات والاحتياجات الإنسانية لأهالي قطاع غزة عبر ميناء أشدود ، تحت إشراف جيش الاحتلال ! الاتفاق نصّ أيضا على “ عدم سماح تركيا لحركة حماس بأيّ أنشطة عسكرية ضد اسرائيل انطلاقا من الأراضي التركية سواء من حيث التخطيط أو التوجيه أو التنفيذ ، بينما تستمرّ حماس بالاحتفاظ بمكاتبها في تركيا للقيام بأنشطة دبلوماسية ”.
منظمة حماس ، التي كانت تُوشّي شوارع غزة بصور “ الخليفة الفاتح ” احتفاء ، اكتفت بتصريحات عامة تؤكّد “على تمسّكها بمواقفها المبدئية كإنهاء الاحتلال وضمان الحقوق الوطنية”، مُعربة عن تطلّعها “ لمواصلة تركيا لدورها في دعم القضية الفلسطينية وإنهاء الحصار بشكل كامل ، والضغط على الاحتلال الصهيوني لوقف اعتداءاته على الشعب الفلسطيني وأرضه ، وفي مقدمتها القدس والأقصى” !
هذا فلسطينيا ، أما إقليميا فقد كشفت القناة الثانية لتلفزيون الكيان ، نقلاً عن مصادر سياسيّة ، أنّ الاتفاق “ يشمل التنسيق الكامل في سوريا ” ، وأن “أحد أهدافه منع سيطرة إيران على سوريا عبر حزب الله ” ! أودي سيغال ، محلّل القناة السياسي ، ذهب أبعد ليعلن “ أنّ الاتفاق يشمل التنسيق الأمني والاستخباري في سوريا ” ! ما دامت “ إسرائيل وتركيا تحاربان أعداء مشتركين ، مثل حزب الله و تنظيم داعش ، إلى جانب تنظيمات أخرى”، كما تقول القناة !! دراسة مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ ، التابع لجامعة تل أبيب ، والمُرتبط بمؤسستيْ الكيان السياسيّة والأمنيّة ، والتي تناولت بالدرس تبعات وتداعيات الاتفاق ، خلُصت إلى “ أنّ الاتفاق إيجابيّ وضروريّ للدولتين في ظلّ التحدّيات التي تواجههما أنقرة وتل أبيب ، وتحديدًا في كلّ من سوريا وقطاع غزّة ” ! بدورها تؤكّد الباحثة غاليا ليندنشتراوس “ أنّ تركيا وإسرائيل متفائلتان جدًا فيما يتعلّق بتصدير الغاز الطبيعيّ الذي تمّ اكتشافه على السواحل الإسرائيليّة إلى تركيا ، ومن هناك أوروبا ” !
أما مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة يدعوت أحرونوت ، أليكس فيشمان ، فقد نقل عن مصادر أمنيّة رفيعة المُستوى في تل أبيب قولها إنّ الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان ، أقال مدير مخابرات تركيا، هكان فيدان ، من منصبه “ كخطوة لبناء الثقة بين الجانبين ” ! وهكان فيدان ، لمن لا يعرف ، هو الذي تقول عنه الصحيفة “ ترأس جهازا استخبارات مهترئًا غارقًا في صراعات بين مختلف أجنحته ، ويورّط الدولة في أزمات خطرة لفائدة جهات داخلية أحيانًا وجهات خارجية في أحيان أخرى” ، أصبح اليوم “ جهازًا محترفًا تشهد كبرى أجهزة الاستخبارات في العالم بنجاعته وبنجاح عملياته ” ! فلماذا يقيله أردوغان ؟ لأن من طالب برأسه هم من تلقّوا أقوى ضربة توجّهها إيران في الحرب الاستخباراتية مع الكيان، حين “سرّب فيدان معلومات استخباراتية مهمة لإيران بخصوص شبكة تجسّس تعمل لحساب الموساد داخل إيران”، ما “ ساعد طهران على تصفية هذه الشبكة بالكامل”، كما يكشف تقرير صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية !
وبعد علاقات المودة بين استخبارات البلدين ، أيام كان عملاء الموساد يصولون ويجولون ينفّذون مهامهم ويصفّون من أرادوا داخل الأراضي التركية ، دون الخضوع لأية مراقبة، غيّر فيدان قواعد اللعبة منذ 2010 ! لهذا أزيح ! أردوغان قدّم أيضا -وفي إطار مساعيه رأب الصدع وإعادة العلاقات أيضا مع روسيا ، التي دفعوه لمعاداتها - اعتذارا خطّيا لنظيره الروسي ، فلاديمير بوتين ، عن حادث اسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية ، مُذعنا لشرطيْ موسكو ، بتقديم تعويضات مالية لأسرة الطيار الضحية، والبدء في الاجراءات القانونية المتعلّقة بمحاكمة الطيار التركي الذي أسقط الطائرة! وكان أن اتفق الرئيسان –هاتفيا- “على البقاء على تواصل وعلى اللقاء” في موعد غير محدّد ! كما أمر الرئيس الروسي “ برفع العقوبات عن تركيا في مجال السياحة والبدء بعملية تطبيع العلاقة التجارية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين” .
عن أي “ معاوية ” يحدّثنا  فيلسوف تونس وما دخل سورة قرآنية كريمة، الأنفال ، يحشرها في سياسات واستراتيجيات دولة فتحت معابرها لشذّاذ الآفاق ينهشون لحم سوريا ولا يزالون ؟! ليبرّر ما لم يجرؤ تركي واحد! ولا حتى مُنتسبي وزعماء حزب العدالة والتنمية أنفسهم، على فعله !!!  أي “حضن إسلامي” حاول “ المسكين” العودة إليه وصدّوه عنه ؟ متى انقطعت العلاقات التركية مع الصهاينة ؟ ثم عن أي إسلام وأي مسلمين تحدّثنا؟ عن “ أندونيسيا ”، مثلا ؟ عن “الدول العربية ” ؟ عن تحالف المملكة السعودي “السنّي ” ؟ “عن الدول الإسلامية رابطة علماء المسلمين ” ؟؟ أم عن “دبي” التي يقول عنها ساخرا “هي في الحقيقة هندية إيرانية لن يمرّ وقت طويل قبل أن تطالب بها الهند ” ! أفتنا .. من تحديدا ؟؟
أما عن تعلّة ” الحاكم  “ الذي ضرب شعبه بالكيمياوي وقتل من شعبه نصف مليون وهجّر نصفه وباع سيادة وطنه ليحمي طائفته و نظامه” فهذا الحاكم أوكل أمره لمن عجبت يوما لمن لا يعتبرهم “مجاهدين” وهؤلاء “الذين لم يأمرهم ربهم بقتال اسرائيل” !!!! ، ثم هل يشفع “ كيمياوي النظام السوري” – حتى نزايد على كارلا دل بونتي،  Carla Del Ponte ، وتقاريرها - لتبرير التطبيع ؟ التطبيع “لا الهدنة” كما يقول، أي هدنة تقتضي تنسيقا أمنيا وعسكريا واستخباريا؟ ثم هذه الجبهات جميعها آمنة مع الكيان ! ومنذ “سلام شجعان” ما عاد الكيان عدوا  مركزيا بل هؤلاء الذين تسميه “الصفوين” !  أم أن ذلك تمهيد لتطبيع عربي، أكرّر عربيا ، لأن سياسات تركيا أو غيرها من باقي الأمم وخياراتها لا تعنينا مطلقا إلا بقدر توافقها أو التقائها أو تعارضها مع مصالح هذه الأمة التي تلعنها دون أن يرتجف القلم بين أنامله !
ثم ما دام كما يقول “ صرت أعاف الكلام في كل شأن عربي لكثرة ما أراه من أعمال لو كانت الصفوية والصهيونية خطّطت لها لما نجحتا في تحقيق ما حققتاه”، فلماذا يكلّف نفسه ، وهو صاحب “ شروط نهضة العرب والمسلمين” و” آفاق النهضة العربية ، ومستقبل الإنسان في مهب العولمة ” و” استئناف العرب لتاريخهم الكوني : ثورة الحرية والكرامة ” وغيرهم كثير ، عناء الحديث في شؤون هذه الأمة ؟ فليتفرّغ لدراسة التجربة التركية ، وفلسفة “ معاوية العصر” تحديدا ! ما دام تقييمه لبني جلدته – العرب - أنهم “ أكثر شعوب الإسلام ابتعادا عن قيم القرآن وأخلاق الإسلام هم عامة وحكامهم خاصة ونخبهم بصورة أخص” ! بدون أن يستثني ولا حتى أن يفاضل .. بإلاّ من رحم ربك ، مثلا !!.. ليزكّي بعدها “معاويته” و” يكاد أجزم أن أردوغان الذي لم ألتقيه إلاّ مرة واحدة ! أكثر تديّنا وتعبّدا من الكثير من حكام العرب” !!  فمن منحه حق ذم وشتم أمة بأسرها ؟ وتزكية ايمان شخص التقاه .. لمرة واحدة ؟؟
الاتفاق المُوقّع - يا فيلسوف تونس – ليس إلا ترجمة لما يعكس سقف الاهتمام والأولويات لدى حكومة “معاوية تركيا ”، التي مطلقا “ ما انقطع حبل ودّ علاقاتها الأمنية والعسكرية مع الكيان ،  رغم التضليل الإعلامي وتطوّع حركاتنا “ الإسلامية” وكتبتها لتسويق نهجها التطبيعي “الإسلامي” وعنتريات تصريحات دافوس الرسمية التركية ، التي اشترطت “تطبيع العلاقة بإنهاء الحصار على قطاع غزة ”، في توظيف سمج للورقة الفلسطينية ، التي يوظّفها من شاء ، متى شاء ضحكا على الذقون !! في إطار الصراع الإقليمي ولعبة الأمم الدائرة رحاها ببيادق حروب الوكالة وعلى مسارح وطننا المستباحة !
الاتفاق التركي – الصهيوني ، ونحن للمرة الألف ، لا نحتج ولا حتى نناقش “ دهاء” و” حنكة ” و”براغماية” أردوغان وتغليبه مصالح بلده الحيوية على المبادئ والشعارات ، هذا أبسط واجباته كصانع قرار ومسؤول أولا وأخيرا عن “ 80  مليون تركي باتوا يعانون من ارتفاع معدّلات البطالة والارهاب ، وانخفاض مستوى المعيشة ، وتراجع مُعدّلات التنمية ، وانهيار عُملتهم الرسمية ، وتكاثر معسكر الاعداء في محيطهم ، ووقوف دولتهم على حافة التفكيك والحرب الاهلية ”، وإن كابر هؤلاء الذين تٌعلّق فجأة جغرافية أمتهم  أو تُلغى تماما بدعوى “ الأخوة في الإسلام”، ولا نحن حتى نُصادر حقّ فيلسوف تونس في اعتبار أردوغان “معاوية” أو حتى “ عمر الفاروق” إن شاء ! ولكنه اتفاق يُؤسّس ، بألف باء الاستراتيجيات الكبرى، بعد النزول من شجرة الرعونة والعنتريات ، ولا علاقة له بـ”دهاء معاوية وحنكته في التعامل مع بيزنطة”، إلى تحالف إقليمي يكون فيه الكيان الصهيوني المكوّن الرئيس في المنطقة ، والقوّة الأوحد تُعربد أين ومتى شاءت . اتفاق سيمنح تركيا عضو حلف شمال الأطلسي – إن نسي بعضهم - تقاسم بعض فتات المصالح الاقتصادية والاستخباراتية والأمنية والعسكرية ، في مسارح دول محورية يتشظّى بمساعدة وتمويل وتسليح وتدريب هذه  التركيا هذه التي يمتدح السيد أبو يعرب المرزوقي ، وتحت امرة هذا “ الحاكم الشرعي”، كما يصفه ، الذي “ من حقّه أن يناور وأن يأخذ ويعطي في العلاقات الدولية” ! نخصّ بالذكر الغاز ، هذا المعطى الجيو -إستراتيجي الذي غُيّب ولا يزال، وعن سبق إصرار وترصّد ، تحت دخان “ديمقراطي”  و”حقوقي” كثيف!ّ الغاز السوري الذي يُراد وضع اليد عليه ، وغاز فلسطين التاريخية الذي نُهب وأضحى الكيان مُصدّره لمصر والأردن ومنظمة التحرير ! فضلا عن أدوار استراتيجية كبرى ستتزامن مع استراتيجية انعطافة ، The Pivot، الولايات المتحدة نحو منطقة المحيط الهادي ، إعدادا لقرن تريده أمريكا باسيفيكيا ، لإحتواء الصين وروسيا والقوى المنافسة الصاعدة أو الكامنة ..!

* ( باحث في الفكر الإستراتيجي ، جامعة باريس ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق