بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 يوليو 2016

شيزوفرينيا الاخوان.. !!


شيزوفرينيا الاخوان .. !!

" الفصام أو ( الشييزوفرينيا  ( Schizophrenia)  ) ـ كما تعرفه الموسوهة الحرة على شبكة المعلومات ـ هو اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع  " ..   
والاصل في الشخصية السوية أن يكون سلوك الفرد معبرا على السجية ( دون تكلف أو هروب ) عن الموروث الحضاري الذي يترسخ في شخصية الانسان منذ الطفولة الاولى فينشأ نشأة اجتماعية تعبر عن القيم الحضارية الراسخة في مجتمعه .. وهكذا يكون أي تعبير عن الانتماء يتعارض مع الفطرة الانسانية المتعارف عليها في اي مجتمع ، سلوكا مرضيا كثيرا ما يكون عائقا أمام تطوره حينما يكون واسع الانتشار ، بما يفتعله في واقع الناس من مشكلات وهمية تصرف أنظارهم عن مشاكلهم الحقيقية ..
وفي الواقع العربي تنتشر ظاهرة سلبية ذات طبيعة فصامية تحول الشعور بالانتماء من واقعه التاريخي المحسوس الذي ينمو داخل البناء الهيكلي للشخصية الى فكرة وهمية مقترنة بالقراءات التاريخية  والاسقاطات التي تجعل الولاء فوق حدود الواقع ، على غرار ما لمسناه من ردود الفعل الاخوانية التي عبر من خلالها اصحابها  ـ في أكثر من مناسبة ـ عن ولائهم للامة التركية أكثر من الأتراك أنفسهم معتمدين فقط على روابطهم الفكرية والتنظيمية بتنظيم الاخوان المسلمين .. ولكن يبقى السؤال مطروحا : الى أي مدى يتفق هذا الشعور مع شعور الاخوان الاتراك أنفسهم ..؟؟

وللاجابة عن هذا السؤال نتتبع علاقة الاتراك بواقعهم القومي ..

1 ـ الدستور :

يستهل الدستور التركي ديباجته التمهيدية ـ التي تقول مادته قبل الاخيرة بأنها جزءا منه ـ بالاشادة اللامتناهية بعظمة الامة التركية سموا وخلودا في اطار الوحدة القومية المقدسة التي بناها قائدها  أتاتورك ، حيث تقول الفقرة الأولى :
" مؤكدا على الوجود الابدي للوطن التركي والامة التركية والوحدة غير القابلة للانقسام لدولة تركيا السامية ، فان هذا الدستور متوافقا مع مفهوم الوطنية الذي طرحه مؤسس جمهورية تركيا ، أتاتورك ، القائد الخالد والبطل الفذ ، ومع اصلاحاته ومبادئه " ..
ولا اظن ان مواطنا عربيا حرا يقرأ ديباجة الدستور التركي وهو يعتقد أن تركيا تحركها الخلفية الاسلامية  ، ثم يبقى ـ بعد ذلك ـ على رأيه الا اذا كان غير موضوعي ( على الاقل ) حيث يمكنه ان يحصي في الفقرة التمهيدية وحدها تكرار العديد من الكلمات المتردفات المعبرة عن الكيان التركي الموحد " الامة التركية " أكثر من 15 مرة ، للدلالة على طبيعتها القومية ، مع التأكيد الصريح لفصل الدين ليس قانونا فحسب ، بل وتاريخا ايضا ، حيث نجد في الفقرة الخامسة من الديباجة توضيحا يقطع أي تأويل يمكن أن يفهم من الحديث عن القيم التاريخية والاخلاقية لتركيا بأنه اشارة الى الماضي الاسلامي ، مؤكدا بكل وضوح ـ باستعمال كلمة " تعني " ـ على انه ارتباط بالنزعة الحضارية لأتاتورك .. وهذا ما جاء في تلك الفقرة : 
" ... وأنه لا تمنح أي حماية لنشاط يضاد المصالح الوطنية التركية ، والوجود التركي ، ومبدأ عدم قابليتها للانقسام بدولتها وأراضيها ، والقيم التاريخية والاخلاقية التركية ، وتعني النزعة الوطنية ، والمبادء ، والاصلاحات ، والنزعة الحضارية لدى اتاتورك ، وأن المشاعر الدينية المقدسة لا تضمن في شؤون الدولة وسياستها كما يشترط مبدأ العلمانية " .
وهذا فيما يخص روح الدستور ، أما بالنسبة لبنوده الخاصة بشكل الدولة وطبيعة مؤسساتها ، فلا ينص الدستور التركي الا على اللغة التركية والانتماء الى قومية اتاتورك ، مؤكدا في مادة خاصة عن علمانية الدولة  ، وهو عكس ما نجده  في دساتير الدول الاسلامية التي تنص عادة الى جانب اللغة على أن الاسلام هو دين الدولة .
وهذه المواد الثلاثة الاولى المقفلة باحكام بواسطة المادة 4 ، وهي التي تؤكذ تأكيدا واضحا على طبيعة الدولة القومية والعلمانية :
" دولة تركيا دولة جمهورية " ( مادة 1 ) . " الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية ، تقوم على سيادة القانون ، في حدود مفاهيم السلم العام والتضامن الوطني والعدالة ، مع احترام حقوق الانسان والولاء لقومية أتاتورك ، وتقوم على المبادء الاساسية الواردة في الدباجة " ( مادة 2 ) . " دولة تركيا بامتها واراضيها ، كيان غير قابل للانقسام ولغتها هي اللغة التركية ..." ( مادة 3 ) . " لا يجوز تعديل أجكام المادة 1 من الدستور التي تحدد شكل الدولة ، وأحكام المادة 2 بشأن سمات الجمهورية ، وأحكام المادة 3 . ولا يجوز التقدم بمقترح لذلك " ( المادة 4 ) .
كما أن المتتبع لفصول ومبادئ الدستور التركي من ألفه الى يائه ، لا يجد اطلاقا كلمة " اسلام " ، بل هناك ـ كما اسلفنا ـ تنصيص صريح على علمانية الدولة وفقا للمبادئ التي ارساها أتاتورك ، حتى ان المادة التي تنص على آداء اليمين للنواب في البرلمان لا تتم وفق المبادئ الاسلامية ( القسم بالله ) :
المادة 81 :
" يحلف أعضاء الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا عند توليهم لمهام مناصبهم اليمين التالية : أقسم بشرفي ونزاهتي أمام الأمة التركية العظيمة ، أن اصون وجود الدولة واستقلالها ، ووحدة البلاد والأمة التي لا تقبل التجزئة ، والسيادة المطلقة للأمة ، وأن احافظ مخلصا على سيادة القانون ، والجمهورية الديمقراطية العلمانية ، والمبادئ والاصلاحات التي أرساها اتاتورك ، والا احيد عن الهدف الذي يقضي بتمتع كل فرد بحقوق الانسان والحريات الاساسية ، في اطار السلام والرخاء في المجتمع ، والتضامن الوطني والعدالة والولاء الدستوري  " .
وفيما يخص رئاسة الشؤون الدينية تقول المادة 136 من الدستور التركي : 
" تقوم رئاسة الشؤون الدينية التابعة للادارة العامة ، بممارسة واجباتها المنصوص عليها في القانون المتعلق بها ، وفقا لمبادئ العلمانية ، على أن تنأى بنفسها عن جميع الآراء والأفكار السياسية ، وتهدف الى التضامن الوطني والوحدة الوطنية " .
هذا باختصار الدستور التركي الذي يؤكد فقط على خلفيته القومية ووجهه العلماني ...

2 ـ الصنم :

في تركيا أكثر من مائة صنم لاتاتورك ، موزعة على كل المدن والساحات الكبرى ، تأكيدا على ولاء الاتراك لامتهم وتاريخهم وابطالهم ..


                     تمثال أتاتورك وهو يبدّل الأبجدية العربية باللاتنية .





























































وفي تركيا أيضا الرئيس والوزراء وكل مؤسسات الدولة والشعب يحتفلون ـ ككل شعوب العالم ـ بالمناسبات القومية ، وكلهم وفاء واعتزاز بانتمائهم القومي ، المجسد في احتفائهم بالقادة التاريخيين والزعماء أمثال أتاتورك عندهم ..













استعراض عسكري في ساحة اتاتورك بمناسبة الاحتفال بعيد النصر .























    وضع أكاليل الزهور على ضريح أتاتورك .




وفي تركيا أخيرا وليس آخرا يفتتح أطفال المدارس أيامهم الدراسية بالنشيد الوطني التركي ، وبالقسم الأتاتوركي الفريد من نوعه :

" أنا تركي .. أنا أمين .. أعمل بجد ولدي مبدأ وهو أن أحمي صغيري وأحترم كبيري وأن أحب بلدي ووطني أكثر من نفسي . لدى حلم هو أن أكبر وأتقدم للأمام . أتاتورك العظيم ، أقسم لك أن أسير بلا توقف على الطريق الذي مهدته وللمبتغى الذي اخترته ، أملاً في أن يكون وجودي هدية للأتراك . سعيد هو من قال : أنا تركي " .

3 ـ بين الحقيقة والوهم :

باختصار ، في تركيا هناك حقيقة واحدة : الولاء للامة التركية ، تاريخا وحضارة ورموزا تاريخية ، ومستقبلا ومصالح .. تقابلها فئة واسعة من أمة العرب بالوهم : الولاء للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين ، الذي يهمش انتماءهم لامتهم العربية ، ويضع علاقتهم بالاتراك في المرتبة الاولى .. محولين الحدث التركي اثر فشل الانقلاب الى دروس بالجملة ، كتعبير عن حقيقة السلوك الانفصامي في سلوك الاخوان ..
وراء هذا السلوك المرضي دوافع شتى تقوم كلها على الوهم .. ومنها اعتقاد الاخوان أن الاشادة المبالغ فيها باردغان وحزبه ـ وهم يصورون للناس " نجاحهم في تاركيا .." !! ـ  سيكون كافيا لستر فشلهم المحلي في أوطانهم حيث تواجههم شعوبهم بالسخت وخيبة الامل في كل مكان : من تونس الى مصر وليبيا واليمن وسوريا .. متناسين  أن مدح الشعب التركي وزعيم الاخوان الاتراك لن يفيدنا في شئ ، والواجب ـ بعد ابداء مشاعر الاعجاب والتعاطف ـ هو ولاء كل شعب لامته .
ومنها ايضا أن شعوبنا ليست في حاجة للدروس من احد ، لا في الديمقراطية وحقوق الانسان ، ولا في الولاء القومي والوطنية ، ولا في المسؤولية وغيرها ..
ففي الاولى نعرف ان الشورى ودستور المدينة تجارب عاشها مجتمعنا قبل ان يسمع بها الأتراك بعد الف عام ..
وفي الأخيرة قد رأينا أروع الدروس في تونس خلال الثورة حينما تحررت ارادة الناس ، فعادت الى مخزونها الحضاري النبيل : التعاون والتآزر والتآخي من خلال لجان الاحياء ، والى وعيها التاريخي : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ، وراينا أعظم الملاحم : التحام الجيش بالشعب ، صعود المواطنين فوق الدبابات ، تبادل القبلات مع الجنود ، تقديم الورود ، تحية الجنود للشهداء .. وشاهدنا تقدير الناس للمصلحة الوطنية بعدم رفع الشعارات الخطية ، ووقوفهم صفا واحدا في وجه أعداء الثورة خلال اعتصامات القصبة ، حتى صارت تلك الأحداث ملحمة نضالية حقيقية أعطت الدروس للعالم كافة ... ولكن الاحزاب الفاسدة والمال السياسي هو الذي افسد كل شئ  .. 
من الواضح اذن ان فشل الاخوان في محطات كثيرة قد دفعهم لمزيد من الوهم الانفصامي والهروب مصورين ان ما يحدث هو دروس من الاخوان في تركيا ـ خاصة ـ لشعوبنا ـ عامة ـ غير مدركين أن الانقلاب كما قال السيد عبد الباري عطوان ـ هو درس لاردغان بالدرجة الاولى ، حيث وقف الشعب مع مصلحة الامة التركية وليس مع السلطة ، معتبرا أن فشل الانقلاب ساهمت فيه عدة أطراف ومنها المؤسسة العسكرية ذاتها ، وقد اعترف اردغان نفسه في خطاب العودة بهذه الحقيقة .. 
ثم ان الانقلاب ـ مهما ـ كان هو علامة فشل للسياسة التركية وليس العكس ، وبالتالي فهو درس للاخوان بالذات ، الذين يضعون علاقتهم بالتنظيم فوق علاقتهم بالأوطان ، فيبررون الرهان على فارس غير فارسهم .. وهو ما يدفعهم الى هذا المنطق الغريب : كل شئ حاصل في تركيا ، والشتيمة ، والاهانة راجعة على شعوبنا ..  !! غير مدركين أن هذه السياسة الممنهجة ، والمبالغة في تقزيم الذات لا تخلق الا وعي القطيع ..  


( القدس ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق