بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

حين ينقلب السحر على الساحر ..

              حين ينقلب السحر على الساحر ..

الكثيرون يعتقدون ان آل سعود أغبياء ، ورجعيين وظلاميين ، وانهم سذج ، وعلى باب الله .. والحقيقة غير ذلك .. السعوديون هم دهاة العرب ، وأكثرهم مكرا ، وحذرا ، وتخطيطا للمستقبل ، وأشدهم اصرارا على حماية مصالحهم وعروشهم .. وهذا ما نلمسه من خلال النظرة المتأنية لنشاطهم منذ الخمسينات الى اليوم سواء في الوطن العربي أو على المستوى العالمي ..
فمنذ وقت مبكر ، أدرك آل سعود حقيقة هامة بقيت ماثلة أمام أعينهم بشكل دائم ، وهي أن المشروع القومي هو العدو الرئيسي لمستقبلهم ، ومستقبل عروشهم .. وهو الذي يمكن ان يسلبهم كل الامتيازات المتاحة لهم في ظل الاحتفاظ  بدولتهم ..
وهم قد عرفوا مصلحتهم ، وعرفوا عدوّهم ، وعرفوا أن ذلك العدو ليس مجرد كيان سياسي يمكن مواجته وازاحته بالحرب الخاطفة ، والصراع المسلح  ، بل هو مشروع فكري وايديولوجي خطير على وجودهم ، قادر على الاستمرار من خلال ما يمتلكه من اغراءات قائمة على دواعي عاطفية ومرتكزات تاريخية وحضارية ودينية واحتياجات اجتماعية وتنموية مستقبلية .. ثم عرفوا ايضا أن مواجهته لا تكون الا بمشروع  ايديولوجي مشابه ، ذو اغراءات مماثلة قد يجد فيها الكثيرون نفس الاحتياجات ، او هكذا يمكن تسويقه ..
كما عرفوا  أن هزيمة المشروع القومي مسألة حياة او موت بالنسبة لبقائهم في اطار الدولة السعودية .. فكان المشروع الوهابي مشروعا جاهزا للتصدي ايديولوجيا للمشروع القومي .. وكان التحالف مع اعداء المشروع القومي  اسلوبا علميا بالنسبة لهم يمكنهم عمليا من حماية  كيانهم الذي يستفيدون منه .. !!
وبهذا نعرف أن العمالة والخيانة والتآمر على مصالح الامة والتحالف مع اعدائها ، وطرح الحلول الاستسلامية ، والتعامل مع الصهاينة ، والدفاع عن اسرائيل ، وتخريب الاوطان ، وبث الفتن فيها والصراعات المذهبية .. لم يكن صدفة ، ولا حرصا على مصالح دينية يهدّدها المشروع القومي كما يدعي آل سعود .. بل هو التزام بممارسة يقتضيها هدف المحافظة على كيان الدولة السعودية وامتيازاتها في ظل الادراك التام لخطر العدو الأكبر الذي يهدّدها بسلب كل الامتيازات التي بحوزتها ..

تلك هي الحقيقة .. التي يمكن رصدها من خلال التعاطي معها في عددة ساحات ..

ـ أولا في ساحة مصر :

في البداية بدأ التعاطي مع الاخوان في مصر .. على خلفية الادراك المبكر لخطرالمشروع القومي الصاعد في ذلك الوقت  ، والذي بدى واضحا انه يهدّد الوجود الاقليمي ومستقبله  ، فوجد آل سعود في الوهابية خلفية ايديولوجية مناسبة لكي يظهر من خلالها في موقع المدافع عن الدين ، ويواجه بها مخاطر المد القومي المتنامي خلال الخمسينات والستينات .. وهكذا بدأ يعمل منذ ذلك الوقت على ايجاد السبل المناسبة لحماية مصالحه .. حتى وجد في وضع الاخوان الذي بدأ يشهد توترا متزايدا في العلاقة بينهم وبين ثورة يوليو ، فرصة سانحة للشروع في احتوائهم و" تسليفهم " ..
وفي تلك الظروف انطلق موسم الهجرة الى السعودية ـ كما يقول الكاتب حسام تمام في كتابه " تسلف الاخوان " ـ فكان سببا في تعزيز مواقعهم داخل المملكة في مرحلة أولى ، ثم داخل مصر بعد العودة في مرحلة ثانية ، حيث تمدّد وجودهم في معظم الجامعات السعودية ، وامتدّت مشاركتهم " الى الانشطة الاقتصادية التي استوعبت عددا منهم .. واستوعبت أنشطة المصارف والبنوك الاسلامية قطاعا كبيرا من كوادر الاخوان في مجال المحاسبة والتجارة  ..... حتى صاروا من كبار الأثرياء  .."

وقد انطلق مشروع التسليف عمليا بابرام عقود الشغل والدراسة من داخل السفارة والقنصلية وعن طريق الوكلاء التابعين للمملكة العربية السعودية ، الذين عملوا على تقديم جميع التسهيلات الخاصة بالتنقل والاقامة من أجل الاستقرار في المملكة ، أين تتم عمليات الاحاطة والتكوين باشراف كبار الشيوخ والدعاة المتخصصين في مجال الدعوة داخل المساجد والجامعات والمؤسسات العامة ، وحتى في الشارع والبيت الذي تطاله العيون ، فيتأثر أهله بنماذج السلوك وطريقة المعاملات  الجارية هناك ، فتتغير العادات والطباع  .. وتتواصل العملية على هذا النحو سنوات طويلة ، حتى تصل الى طور الإنتاج ، فيعود هؤلاء الى أقطارهم ، متحمّسين للتنفيذ .. كل حسب فهمه ، وتأثره ، واستعداده ، ومؤهلاته  ، وموقعه .. فمنهم من يتحوّلون الى" دعاة " و" شيوخ " و" علماء "، وآخرون ينشطون في المساجد والمكتبات ودور النشر والمطابع ، وبين الناس في المعاهد وفي المنابر الاعلامية  .. لذلك لا بد من ضخ الأموال الطائلة التي تغطي كل هذه الأنشطة بكل ما فيها من رواتب ومكافآت ومصاريف تنقل بين العواصم وإقامة في النزل ، وسيارات فخمة ، وطباعة ونشر للمراجع الخاصة بالفكر السلفي الوهابي ، الذي يتم ترويجه باسم الإسلام ، فضلا عن النشاطات الدعوية الأخرى في إطار الجمعيات الخيرية المنتشرة في العالم وفي جميع الأقطار العربية .. وقد ظل هذا النهج متواصلا طوال  فترة السبعينات والثمانينات ، حتى ظهرت الفضائيات في بداية التسعينات ليتم غزو الوطن العربي بالعشرات من الفضائيات الدعوية ومئات الشيوخ المعروفين على الساحة ، والذين تخرّجوا جميعا من المدرسة السلفية السعودية خلال تلك المرحلة .. ولعل الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، اذ انتشرت ظاهرة الانترنات في نفس الفترة تقريبا ، فانتقلت تلك الجهات المحسوبة على التيارات الدينية والدول المناصرة لها ، الى غزو الفضاءات الافتراضية وشبكات الانترنات بالآلاف المؤلفة من المواقع الالكترونية التي تروّج لمرجعيات خاصة ومعينة في الفقه الإسلامي ، فتصدر الفتاوي الغريبة ، وتعمل على نشر مفاهيم محدّدة للإسلام تجعل منه عدوا للقومية والاشتراكية ، بل وتجعل من مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان وحرية المرأة وحرية المعتقد واللباس والاختلاط مفاهيم "علمانية" هدّامة منافية لجوهر الاسلام ..  
وفي هذا السياق نجد رصدا شاملا لظاهرة التسلف داخل الاخوان ومراحل تطوّرها في دراسة أخرى مطوّلة لنفس الكاتب حسام تمام بعنوان : " تسلف الاخوان ، تآكل الأطروحة الاخوانية وصعود السلفية في جماعة الاخوان المسلمين " يتحدث فيها عن مراحل " التسلف الهادئ " التي خضع لها الاخوان المسلمون مرة أولى داخل المملكة على يد السلفيين ، ثم مرة ثانية  داخل مصر على يد المتسلفين .. كما يشير الى القدرة على التكيف و" الكمون " للتيار السلفي داخل المجتمعات وداخل الاخوان ، وهي المراحل التي أدت في النهاية ـ بأساليب متعدّدة ـ الى العديد من التغيرات الجذرية على مستوى العقيدة والايديولوجيا الاخوانية .. ويقول الكاتب في سياق العرض للأساليب المتشددة المتبعة داخل المملكة ، شديدة الاثر على الاخوان في تلك الفترة أن " المؤسسة الدينية الوهابية كانت قادرة على ان تفرض رؤيتها الدينية لا سيما في مجال المعتقد السلفي وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية في مجتمع سعودي لم ينفتح بعد على تأثيرات الخارج . فكانت تفرض على كل الأئمة والوعاظ والدعاة ومقيمي الشعائر ومدرّسي اللغة العربية الاختبار في العقيدة الوهابية للتأكد من أن الشخص ليس أشعريا في العقيدة  أو متصوفا ، بل يعتقد المعتقد السلفي ، والا كان يتم ترحيله أحيانا ، فكان المدرس أو الامام يدرس هذا أو يتعلمه ويقوله تقية ، بل وصل الأمر أحيانا الى فرض خلع الزي الأزهري على الدعاة والأئمة المنتدبين باعتبار الأزهر معقل الأشعرية .. لذلك اتجهت هذه الموجة نحو تأكيد المعتقد الاخواني السلفي باتجاه يقترب من السلفيبة الوهابية خاصة في نفسها المتشدّد تجاه الآخر الديني حتى داخل الاطار الاسلامي .. " وبمثل هذا الأسلوب عموما " تسربت السلفية الى الاخوان في سياق سياسي واجتماعي دقيق داخل المملكة ، فوجود النساء والاسر الاخوانية في بيئة مغلقة نقل اليها تدريجيا المزاج السلفي وتمظهراته الظاهرة للعيان كمثل النقاب والتشدّد في الملبس بشكل عام ، وقلت مساحات الانفتاح على الفنون والآداب وأنماط الحياة التي كانت معروفة ومقبولة لدى الاخوان .."
وفي مقال آخر لصحيفة الحياة بتاريخ 18 12 / 2010 ، تحت عنوان " الإخوان المسلمون ومسارات التحول نحو السلفية " ، يعود الكاتب الى الحديث عن نتائج تلك المرحلة فيقول أن : " الجماعة الإخوانية اليوم تميل الى السلفية أكثر مما كانت في أي وقت من تاريخها الممتد وهي سلفية في المظهر والسلوك والفكر والمعتقد أيضاً .. " ويضيف الكاتب أن ظاهرة التسلف شهدت تحولا جذريا من سلفية النشأة الصوفية الروحانية على يد مؤسسها حسن البنا ، الى السلفية الوهابية التي بدأت تظهر في مصر حتى قبل هجرة الاخوان الى السعودية من خلال التيار القطبي المتشدّد داخل مصر الذي أدى الى أزمة 1965 .. وقد مثلت تلك الارضية ظرفا ملائما لنشاط الدعوي الوهابي بعد عودة " الكوادر الاخوانية المتسلفة " من السعودية خلال السبعينات والثمانينات ، حاملين معهم " المزاج السلفي العقدي في المظهر واللباس والسلوك .. " فكان نشاطهم بعد العودة  " الأهم والأكثر تأثيراً لأنه حدث داخل مصر وعبر شباب الجامعات  .. " .
وقد كان السعي للاختراق الجماعة على هذا النحو ، هو التفسير الوحيد الذي يمكن أن نفهم من خلاله مبررات الدعم اللامحدود الذي تقدّمه المملكة للجماعة ..
وبالفعل فقد اصبح النشاط بين صفوف الجماعات الاسلامية محكوما بالتجاذبات الفكرية والايديولوجية التي كانت تميل ـ حسب الكاتب ـ الى السلفية الوهابية من خلال اختراقاتها الواسعة للاخوان ، ومن خلال التسريبات الهائلة للمراجع السلفية بين صفوفهم ، فضلا عن القدرة الفائقة للسلفية على ممارسة التخفي والكمون حتى تحقيق أهدافها ..
وهكذا كانت الساحة السياسية في مصر منذ فترة الخمسينات الى اليوم ، ساحة مفتوحة ، لا تعكس فقط ما يحدث في الداخل من تجاذبات سياسية داخلية خاصة بمصر وحدها ، بقدر ما كانت تعكس البعد القومي للصراع باوجه مختلفة قد تكون موجات التدخل الوهابي خير مثال على ذلك ..
وقد ساهم في هذا ـ حسب المؤلف ـ عدة عوامل منها الفورة البيترولية الصاعدة التي عرفتها المملكة ، وانكسار المشروع القومي بعد غياب عبد الناصر ، وانخراط مصر السادات في سياسة الأحلاف الرجعية مع الولايات المتحدة التي وجّهتهم لمواجهة الاتحاد السوفياتي تحت لافتة محاربة الشيوعية ، وتراجع دور مصر البارز من المشهد الديني على المستوى العربي والافريقي بعد شل دور الازهر في نشر الاسلام المعتدل تاركا المجال لبروز الدور الوهابي خارج حدود المملكة بما في ذلك مصر .. 
ثم يواصل الباحث اثارة العديد من التفاصيل والجزئيات الخاصة بالمراحل التي مر بها المجتمع في مصر بشكل خاص كنموذج للنشاط السعودي الوهابي داخل المجتمع العربي عموما ، وهي اساليب اعتمدتها الحركة الوهابية ايضا خارج مصر في العديد من الدول العربية والاسلامية الاخرى التي وقع فيها غزو مجتمعاتها بالفكر الوهابي مثل اليمن ودول البلقان وغيرها ..
وفي جانب العلاقة بين الاخوان والسلفية يبرز الكاتب العديد من الجوانب الحيوية التي ميزت فترات التفاعل بينهما ، بالتعاون ، والتحالف ، والاختراق  .. وهي فترة طويلة يثير فيها الكاتب العديد من التفاصيل التي مكنت الجماعات الاسلامية من التغول على المجتمع في ظل الامكانيات الهائلة المتاحة لها ، والتي تبين الفرق الشاسع بين وضع الحركات الاسلامية ووضع الحركة القومية منذ تلك الفترة الى الآن .. 

ـ وثانيا في ساحة اليمن :

وفي هذا الصدد نجد تقريرا وافيا في الموسوعة الحرّة ( ويكيبيديا ) عن تخطيط آل سعود لاحتواء الاخوان في اليمن و" تسليفهم " .. وهو ما حصل فعلا على نطاق واسع ، مما أدى الى تحول مناطق عديدة داخل اليمن الى وكر للارهاب الوهابي منذ عقدين أو أكثر ....
تقول الموسوعة بعد التعريف بالتجمع اليمني للاصلاح الذي يصنف كحزب اخواني في اليمن أن " جذور الحزب تعود لما عرف " بالـجبهة الإسلامية " عام 1979، وهي ميليشيا مرتبطة بالإخوان المسلمين ظهرت بدعم سعودي خلال حرب الجبهة مع الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة من اليمن الجنوبي .." كما يقول التقرير بأن " التجمع اليمني للإصلاح ، معروف منذ فترة طويلة كعميل للمملكة  ،  لعلاقة قياداته القبلية والعسكرية والدينية بالسعودية منذ الستينات ، وقد طوّر الحزب علاقة زبائنية خاصة معها وإن لم يكن الوحيد .  واعترفت قياداته بتلقي مرتبات من الحكومة السعودية  كما تموّل المملكة العديد من المدارس الوهابية التي يديرها الحزب بشكل غير رسمي . وهي مدارس تــُـتـهـم بتفريخ إرهابيين ومتطرفين .."
وفي جانب التعريف أكثر بالحزب يقول نفس المصدر : " برغم تصنيفه أنه الفرع اليمني للإخوان المسلمين ، ولكنه في الحقيقة خيمة كبيرة تشمل الإخوان والوهابية ومصالح قبلية وتجارية وعسكرية مختلفة ، فهو لا يشبه الأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية ، و يمكن تعريفه بأنه ائتلاف معقد بأجندات مركبة " .
و في دراسة أعدها  عمرو  حمزاوي لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ، يقول عن مواقف الحزب : " أن مكونات هذا الحزب المختلفة منعته من تطوير منصة نيابية واضحة ، فهو يوازن مصالح قبلية وسياسية مختلفة بصورة رئيسية ، ويتأرجح بين " المعارضة " وموالاة السلطة . لذلك ، لا يعرف أحد ماهية مواقف الحزب الحقيقية والحزب نفسه لا يعرف كيفية تحقيق أي كانت تلك الأهداف التي يريد تحقيقها .. "
كما تكشف الموسوعة جوانب مهمة للعلاقة بين السعودية وأطياف الاسلام السياسي في اليمن تبين بكل وضوح كيف يكون المال السياسي آداة  لصنع العملاء ، والطابور الخامس الذي تحركه الآيادي الخفية عن طريق الاموال المرصودة لخدمة أجنداتها وأهدافها .. ويقول المصدر أن " عبد الله بن حسين الأحمر وهو مؤسس الحزب ،  كان يتلقى قرابة مليون وسبعمائة ألف دولار شهريا من السعودية وهو لم يكن الشيخ القبلي الوحيد الذي يتلقى مرتبات من السعودية ولكنه الأبرز .. واعترف عضو الهيئة العليا للحزب حميد الأحمر بتلقيه رشاوى من السعوديين وقال أن هدفها هو تعبير السعودية عن " وشائج القربى"  .. !!
ويضيف نفس التقرير أن علي محسن الأحمر قد "  تلقى تمويلاً سعودياً جديرٌ بالإعتبار ، عام 1990 وخلال المراحل الأولى لتأسيس الحزب " ..
وأن " المبلغ المقدم من الحكومة السعودية لحزب الإصلاح غير معروف تحديداً ، ولكنه يصل إلى 3.5 مليار دولار سنوياً لكل عملاء المملكة داخل اليمن منتمين لحزب الإصلاح وآخرين ، ويُعتقد أنه تم تقليص المبلغ عقب التوقيع على اتفاقية الحدود عام 2000 .. إذ انخفض راتب الأحمر من مليون وسبعمائة ألف دولار إلى ثمانمائة ألف دولار شهريا .. "
وفيما يخص الآليات يشير التقرير الى أن " اللجنة الخاصة" وهي لجنة تابعة لوزارة الدفاع السعودية ، تقوم بتوزيع الأموال والهدايا على عملاء للمملكة السعودية داخل اليمن ، هدف اللجنة من توزيع الأموال على القبائل عرقلة الحكومة المركزية  في بسط  نفوذها على كامل أراض الدولة .."
وعن التغلغل السعودي في اليمن يقول التقرير أن " هناك تسعة آلاف شيخ قبلي في اليمن ، ستة آلاف منهم يتلقون  أموالاً عن طريق " اللجنة الخاصة " نقداً بدون بنوك أو تحويلات  .. "
ثم يضيف : " وفي 2005 ، قدرت أعداد متلقي الرواتب السعودية بحوالي 18,000 شخص والحكومة اليمنية تعرف ذلك بل ان علي عبد الله صالح  ، خلال مفاوضات الحدود مع السعودية ، اشترط عليها أن تدفع الرواتب عبر قنوات تتحكم فيها الحكومة اليمنية ..." !!
وفي ما يخص علاقة الحزب بالسلطة تقول الموسوعة أن " حزب التجمع اليمني للإصلاح كان "معارضة موالية "  لعلي عبد الله صالح وبديلا لحزب المؤتمر الشعبي العام سواء كان في السلطة أو خارجها وهو ما خلق مناخا ديمقراطيا مزيفاً في اليمن ويعد حزب الإصلاح  الضامن الأبرز لبقاء السعودية في هذه اللعبة .  فزبائن السعودية ليسوا حكراً على فصيل واحد ولكن حزب الإصلاح  هو الأوضح  .. ".
ولعل السلطة اليمنية التي كانت تقبل الى حد ما بالتدخل السعودي ، وتعمل على  احتوائه وتاطيره ، كانت تشعـر فعلا بالعجز على مقاومة هذا التدخل الذي أصبح متغلغلا بين صفوف القبائل  الموالية للنظام السعودي ، حيث كان التمويل السعودي للوهابية كما يقول المصدر "  مستعملا  لممارسة ما يشبه  القوة الناعمة على اليمنيين .. " وكانت " المدارس الدينية ( الوهابية ) ، و " دور القرآن والحديث " والمعاهد العلمية كما تُسمى ، تموّل من السعودية ويشرف عليها حزب الاصلاح بشكل غير مباشر .  فتوفر هذه المدارس ميزانية مستقلة للحزب تقدر بثلاثين مليون دولار سنويا  .."
هكذا تتضح ابعاد مخطط نظام آل سعودي الذي شرع في تغيير استراتيجيته مطلع الخمسينات ، من تركيز اسس الدولة الدينية في الداخل ، الى تاسيس قوة سياسية في الخارج  تابعة له فكريا وحركيا ، يواجه بها  المد القومي المتصاعد في تلك الفترة ، والذي امتد كالنار في الهشيم من المحيط الى الخليج ، واصبح  يمثل خطرا حقيقيا يهدد عروش الانظمة الخليجية بالزوال ، باعتبار طبيعته الوحدوية .. فكان الدين ، والمذهب الوهابي هو السلاح ..
ورغم ان التقارب بين الملك عبد العزيز آل سعود والاخوان قد بدأ منذ الاربعينات ، الا أن اسس التعاون قد اصبحت لا تقتصر على ما يجهر به كل طرف ، بل وأيضا على ما يضمره من عداء للمشروع القومي الذي بدأت تتحدد ملامحه منذ منتصف الخمسينات ، وبداية مرحلة الصدام بين ثورة 23 يوليو من جهة ، والاخوان والنظام السعودي من جهة ثانية ..
 وتدعيما لهذا الاستنتاج ، يقول عبد الله بن بجاد العتيبي في دراسة  له  بعنوان " الإخوان المسلمون والسعودية : الهجرة والعلاقة " ، متحدثا عن  : " سعي المملكة لمواجهة المدّ الناصري الثوري خصوصاً وأنّ عبد الناصر ناصب الملكيات العربية العداء ، وكان يصفها بالرجعـية ، ويسعى للإطاحة بعـروشها ، ونجح مسعاه في ليبيا واليمن وضربت طائراته المناطق الجنوبية في السعودية ، فتبنّت السعودية دعم التضامن الإسلامي في وجه المدّ الناصري . وكان أقوى خصوم عبد الناصر في الداخل حينها هم جماعة الإخوان المسلمين ،  فكان استقطاب الإخوان على مبدأ عدوّ عدوّي صديقي .. " .
ثم ينهي العتيبي هذه الدراسة بطرح سؤال مهم يقول فيه :
" هل كانوا على وعيٍ بمحاولة عددٍ من الدول استخدامهم في ضرب التيارات القومية واليسارية فاستغلوا ذلك الوضع لبسط سيطرتهم ونفوذهم على المؤسسات وعقول الأجيال وتوفير مصادر الدخل للجماعة ...؟ " .

ـ وثالثا في الساحة العالمية :

فقد مثلت الساحة العالمية المفتوحة أمام آل سعود ، مجالا واسعا وخصبا لتفريخ الفكر الوهابي بين أبناء الشعوب المسلمة الجاهلة تماما بلغة القرآن ، وبتاريخ الاسلام ومذاهبه وظروف نشأته ، حيث يحل الدعاة والايمة المتطرفون بين ابناء المسلمين في مساجد أوروبا ، ودول البلقان والاتحاد السوفياتي ، وافريقيا ، والهند ، وماليزيا ... وفي كل أنحاء العالم ، أين تكون السلطة المركزية في أغلب تلك الدول عاجزة عن مراقبة المساجد أو التدخل فيها وهي لا تملك مرجعية دينية ، ولا مؤسسات خاصة للقيام بتلك الوظيفة .. فيجد هؤلاء المتطرفون فرصتهم كاملة للسيطرة على المساجد ، واستغلالها في نشر أفكارهم المذهبية المتطرفة ، ذات النزعة العدوانية ، الاستئصالية التي ينسبونها  للاسلام ، فيشوّهون بها عقيدة المسلم .. وهو ما جعل للحركة الوهابية حاضنة عالمية في جميع المجتمعات .. وفي هذا الصدد نجد شاهدا على ما يجري لدى بعض الشعوب المسلمة من أنشطة دعوية متطرفة يذكرها الكاتب الروسي رومان سيلانتيِف الأستاذ المساعد في جامعة موسكو للألسنية في مقال بعنوان "  الحركة الوهابية في شمال القوقاز ، النشأة ، والصعود والمستقبل ، نشره موقع " الأوان " بتاريخ 25 آذار / مارس 2010 ، يورد فيه تفاصيل مهمّة عن التغييرات المذهبية التي حصلت في تلك الربوع بسبب النشاط الوهابي المكثف ، ففي الأصل ـ كما يقول التقرير ـ " ينتمي مسلمو شمال القوقاز أساساً إلى اثنين من مذاهب الإسلام السنّي ، هما المذهب الحنفي ( المنتشر في كلّ مكان ) ، والمذهب الشافعي ( الذي يعتنقه أساساً الشيشان والإنغوش وأكثر سكان داغستان ) ...  غير أن البداية كما يقول الكاتب ـ لم تكن بنت الأمس ... " فقد كانت هناك معلومات موثوقة منذ خمسينات القرن الماضي حول وجود خلايا وهّابية في داغستان ... تمثِّل قوّة ذات وزن ، ثم لم تلبث أن أعلنت عن نفسها بصوت عالٍ عام 1989. يومها تمكّن الوهابيون في بلدان آسيا الوسطى وداغستان من القيام بانقلابات في الإدارات الدينية في تلك المناطق وإبعاد المفتيين عن مراكزهم هناك . وسرعان ما أدّى ذلك في شمال القوقاز إلى سقوط دار الفتوى، وانشقاق المسلمين في داغستان وفقاً لانتماءاتهم القومية .. ويرتبط التزايد العاصف في عدد الوهابيين خلال أواسط التسعينات بعودة المجموعات الأولى من أولئك الطلاب الذين كانوا يدرسون في الخارج . ومن جهة أخرى، ساعد على انتشارهم نشوب الحرب الشيشانية الأولى التي قدّمت لهم عوناً جباراً في هذا المجال، وشارك فيها مئات من الوهابيين المرتزقة .... كما أنّ الوهّابيين، الذين كانوا يفضِّلون أن يسمّوا سلفيين ، أفادوا من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد ، إذ كانت تصلهم من المسلمين في الخارج معونات مالية لا يستهان بها ساعدتهم على تجنيد أنصار جدد بسهولة . على أنّ عملية إرسال الشباب إلى المدارس الدينية في البلدان العربية وتركيا هي التي لعبت الدور الحاسم في تقوية الإسلام غير التقليدي هناك  .. "  .
ومن ناحية أخرى لم يكتف أل سعود بالنشاط الدعوي ، بل كانوا يخططون لخوض أشرس المعارك الفكرية والعقائدية وصولا الى تغيير الثوابت الدينية جملة وتفصيلا ، مستهدقين كافة المسلمين في جميع القارات .. وصولا الى زعزعة الاسس التي تقوم عليها الحنيفية الاسلامية ، لتغيير المعتقدات الدينية من الاسلام الوسطي ، الذي اتبعه الناس منذ عصر الخلفاء ، الى الاسلام الوهابي التكفيري المتطرف .. فكان اسلوب الفقه والفتاوي ، والاحاديث الموضوعة والضعيفة هو الوسيلة للتأثير على المسلمين .. وكان كل ذلك يتطلب بنية تحتية  وجامعات مختصة ، وتكوين ... وأموال .. وجمعيات خيرية في كل مكان ..

وبالفعل فقد قامت المملكة منذ وقت مبكر ببعث المشاريع العملاقة في مجالات الدعاية والاعلام والبحث والطباعة والنشر والترجمة واسست مئات المراكز والمواقع المتخصصة في مجال الدعوة والدعاية للمشروع السلفي في العالم ورصدت له ملايين الدولارات مستغلة المجال الديني الذي صار مرتبطا رأسا بالنشاط الدعوي  والاعمال الخيرية .. فنجحت ـ  منذ الستينات ـ في بعث رابطة العالم الاسلامي ، المنبثقة عن مؤتمر العالم الاسلامي الاول في شهر ماي  سنة 1962 ، والتي اصبحت ـ بمرور الوقت ـ مركز الثقل بالنسبة للنشاط الدعوي داخل المملكة وخارجها من خلال الهيئات والدوائر المتخصصة التابعة لها ، والمرتبطة بمواقفها وسياساتها على المستوى المحلي والعالمي .. ومن هذه الهيئات نجد الهيئة العالمية لعلماء المسلمين ، المجمع الفقهي الاسلامي ، الهيئة العالمية للتعريف بالرسول ، هيئة الاغاثة العالمية ، مؤسسة مكة المكرمة الخيرية ( المشهورة برعاية الايتام  في العالم ، وبناء المساجد .. ) ، الهيئة العالمية للاقتصاد والتمويل ، المؤسسة العالمية للاعمار والتنمية ، الهيئة العالمية للاعجاز العلمي في القرآن ،  الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن ، الهيئة العالمية للمساجد ، الهيئة العالمية للتنمية البشرية ، الهيئة العالمية للاعلام ، .... كما بعثت مؤسسة الملك فيصل الخيرية  بفروعها المتخصصة والمتعددة : جائزة الملك فيصل العالمية ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات ، مدارس الملك فيصل ، جامعة الملك فيصل ، ... ونجد ايضا اكبر مؤسسة دعوية ـ خيرية في العالم مشهورة برعاية الارهاب منذ احداث 11 سبتمبر وهي مؤسسة الحرمين الخيرية ، التي تأسست في كراتشي بباكستان سنة 1988 وأصبح لها فروعا في جميع أنحاء العالم  ، تدار كلها من الرياض عاصمة المملكة عبر سفاراتها في الخارج ... وحتى الدول التي يحظر فيها نشاطها مثل سوريا ولبنان والمغرب والاردن ، فقد تسللت اليها عبر جمعيات محلية تخفي حقيقة نشاطها في تلك الدول ( ويكيبيديا ) ... كما نجد آلاف المؤسسات والجمعيات ذات التخصصات نفسها تقريبا سواء داخل المملكة أو في اوروبا وآسيا وامريكا ، فضلا عن الدول العربية والافريقية الاكثر فقرا واحتياجات ..  حيث استطاعت المملكة منافسة الاخوان في تلك المواقع  للسيطرة على المساجد ، وتحويلها الى مراكز استقطاب وتسليف لكل المتدينين في العالم .. 

أما على مستوى الفعل فهي الراعي الاول للجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم ، حيث لعبت دورا اساسيا في تجنيد الشباب الى الشيشان ، ثم الى افغانستان خلال الحروب مع الاتحاد السوفياتي ..  وهي التي دعمت كل الحركات الارهابية في الوطن العربي بداية بلبنان ثم بالعراق وسوريا واليمن .. وفي كل مكان ، وحيثما تدور الصراعات الطائفية ، الا وتحركها ايادي الوهابية في الخفاء ...

وفي النهاية لما كان المشوع القومي مشروعا حضاريا يؤسس لنهضة امة بأكملها ، مقابل ما أراده آل سعود لمشروعهم الوهابي القبلي والشعوبي الطائفي المتطرف ، فانه وللاسف الشديد ، صار الارهاب الذي قام عليه هذا المشروع  ،  يفلت من عقاله ، ويتحوّل الى ظاهرة مجنونة بلا قاعدة ، ولا أساس ، ولامنطق  .. حين وصل الهجوم هذا اليوم الى الأماكن المقدّسة ، وفي الحرم النبوي تحديدا .. !!وبالتالي  أصبح المثل حقيقة وواقع يؤكد أن " السّحر ينقلب ـ فعلا ـ على الساحر .. !!  .. ورحم الله أبرياءنا وأبناءنا في كل مكان ..

 ( لقدس ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق