أي وجه للحقيقة ؟
هل للحقيقة وجه واحد ام وجهان ؟ هكذا يتبادر الى الذهن مثل هذا السؤال عندما
يتامّل المرئ المشهد العربي على امتداد اكثر من نصف قرن ، حيث لا يكاد احدنا يسمع طوال هذه الفترة الا التشكيك في كل ما هو عربي ، حتى
بات بعضنا يسلم - لفرط ما يسمع من تشكيك -
بان العـروبة هي رمز الهزائم و التخلف ، و انها علاقة زائفة و وهمية لا اساس لها في الواقع ، وان
ما نعيشه من فرقة و تمزق و خلافات سببه العـرب انفسهم ، فلا يمكن باي حال
من الاحوال ان نبني مستقبل مشترك .. او ان نسعى حتى لمجرد تطوير العلاقات بين
الاقطار العربية .. اذ انه و باختصار قد " اتفق العرب على ان لا يتفقوا
" ... هكذا يردّدون ... اما متى اتفقوا على ذلك فلا احد يعرف الاجابة
!!!
و لعل المتأمل ايضا للنّكبات والنكسات والهزائم التي عاشتها الامة العربية ، و
حالة الانحدار التي مرت بها ، الى جانب ما عليه حالها من تخلف وفقر وجهل ، يكاد
يبعث على الياس والتسليم بما يقال ... بل ان حالة الياس هذه قد كانت دافعا للبعض بان ينخرطوا بوعي او
بدون وعي ، في مشاريع تطبخ بعـناية ضد
امتهم ...
والواقع ان المشهد العربي كان معقدا الى ابعد الحدود . و قد لا يلام احد من
عامة الناس على ياس قد اصابه او شعور بالاحباط ، و ربما لم يخطر ببال أحد ممّن كان يسلـّم بهذا الامر ،
ان يسأل من اين تسرّبت كل هذه المفاهيم ، أو ما هو مصدر هذا التشكيك ، وهل يعقل ان
يكون التخلّف مثلا سببه ، الانتماء الى أمة من الامم ، أو الى دين من الأديان
..؟!!
لا شك اذن ان ما كان يحدث اكبر من طاقة هؤلاء الناس و يفوق كل تصوّراتهم ..
لان موجة الاستهداف والتشكيك كانت جزءا من مخطاطات كبرى مرسومة بكل دقة ، تتم دراسة حيثياتها
واهدافها في اعلى مراكز البحث ، ويتولى
دراستها اكبر الخبراء والمختصّين في جميع
المجالات ، كما ترصد لها كل انواع التمويل
.... والمكافآت ، اما كيف يقع تمرير وتـنـفـيـذ هذه المشاريع فان القوى
المعادية للامة تستعمل كل الاساليب
المتاحة لها ، من اوّل التهديد
بالقوة والاحتلاال والحصار الاقتصادي ،
واثارة النّعـرات .. الى آخر انواع الكذب
وتـزييف الحقائق ، والتشكيك ،
والترغـيب .. حتى بات كل هذا العبث المنظم
بمستـقـبلنا امرا واقعا يجب التسليم
به ومسايرته .. كما اصبح ذلك
النهج يمثل الواقعـية والحكمة والجرأة ، وفي سبيل ذلك فليتـنافس
المتـنافسون ...
هكذا كان تصوير الحاضر والمستقبل معا ، حتى يفقد المواطن العربي البسيط كل ثقة
في النفس وفي محيطه الطبيعي .. فلا يقال
مثلا كيف كان العـريى يتعرّض الى كل هذه الهجمات المنظمة وهو لم يستسلم او
يستكين ؟ كما لا يقال ان الشعب العـربي شأنه شأن الشعوب
الاخرى التي مرت بفترات حالكة السواد ، وأنه يستطيع أن ينهض متى توفـّرت له الشروط
اللازمة للنهوض . و ان العديد من الشعوب التي تبدو اليوم متطوّرة كانت الى زمن
قريب تعـيش في الظلمات والتخلف الذي لم يره العـرب على مر العصور .. و كيف ان الوطن العربي لم يشهد انقطاعا عن التضحية و العطاء ، بل ظلّ
يقدّم المقاومين والشهداء الذين خاضوا معارك الدفاع عن امتهم جيلا بعد جيل ، فسطّروا بذلك طريقا للمستقبل يمرّ حتما عبر
التمسك بالحقوق والكرامة مهما كان الثمن .. كما
قدّم في كل المجالات الاخرى آلافا من المشاهير من الادباء والعلماء
والاكادميين والفلاسفة والخبراء والاطباء والمهندسين والمكتشفين المخترعين الذين لم يجدوا حظهم في امتهم فاحتضنتهم تلك
الدول نفسها التي تصدّر لنا التشكيك والهزيمة !!! و كيف لا يذكر ان العربي لم
ينقطع عن المقاومة على جميع الجبهات ، ضد انظمة الاستبداد وضد الصهاينة والاستعمار ، وكيف كان يحقق النصر كل يوم بقدر ما يبذل من جهد وبقدر
ما يتوفـر له من امكانيات ، و ان قاعدة عريضة من العـرب لديهم قناعة لا يرقى اليها الشك بان النصر آت
لا محالة .. وكيف لا يقال اخيرا وليس آخرا بان العديد من الامم التي نهضت عانت
اكثر مما عانته امتنا ، وان امة قادتها الرسل والانبياء لا يمكن ان تستكين او
تقـبل الهزيمة ...
فعسى ان تستجيب المقادير لمهمّـاتها
الهادفة ...
( نشرية القدس العدد 7 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق