تحت الرّماد اللّهيب ..
منذ قـرون طويلة ، والوطن العربي محط ّ أنظار وأطماع العديد من القوى المتربّصة . كان ذلك في
العصر الوسيط عندما انتبه رجال الدين في أوروبا الى ممالك الشرق ، أين تزدهر التجارة وتتكدّس الثروات ، فكان
الادعاء الديني بحقوق المسيحيين في فلسطين ذريعة للحروب الصليبية وغطاء يخفي أطماع
الطامعين ....
وقد كان الغـزو المغولي احد
اكبر الموجات التي اجتاحت الوطن العربي ، سفكا للدماء وهدما لكل صرح حضاري وقع
تشييده منذ أقدم العصور .. الى جانب النهب
والتخريب ..
اما في العصر الحديث ،
فقد كان لتكالب القوى الاستعمارية التقليدية من اجل السيطرة ونهب ثروات الوطن
العربي اقوى دليل على أهميته الجغرافية والاقتصادية خاصة منذ اكتشاف ثروات النفط وبناء
الموانئ وشق المعابر الرئيسية كقناة
السويس ... وقد كانت الأرض العربية مسرحا لكل الحروب وهدفا تحاك بسببه المؤامرات و ترسم لاجله المخططات ومطمعا تعقد
من اجله الاتفاقيات بين الدول الكبرى
لاقتسام ثرواته ومنع وحدته القومية ...
ولما كان لكل الدول
أطماع في اقتسام الثروة فانها اشتركت جميعا
في التخطيط ، وتقديم الوعود ، وإبرام الاتفاقيات بين مختلف
القوى المتصارعة .. ولنا في الوطن العربي أمثلة عديدة من هذه الصفقات التي بدأت
مبكرا بتقديم الامتيازات والتنازلات من
الدولة العثمانية للحكومات الاستعمارية
قبل قدوم الاستعمار المباشر ، تصون
بها الأمة التركية وحدتها بعد أن أصبحت
مطمعا للقوى الغازية ، على حساب وحدة
العرب القومية التي فرّطت فيها سلطة الخلافة ... وفي ظروف تلك الملابسات والصفقات
قدم الاستعمار ، وظهرت اتفاقية سيكس
بيكو سنة 1916 من اجل تقسيم الوطن العربي
بين الدول الاستعمارية ، تزامنا مع صدور وعد بلفور سنة 1917 الذي أعطت بموجبه
بريطانيا وعدا بما لا تملك الى من لا
يستحق ، فقد مكّنت اليهود من حق الاستيطان
في فلسطين تحت مقولة زائفة " ارض بلا شعب الى شعب بلا ارض " ، ولعل هاتين الاتفاقيتين تظلان
من اكبر الاتفاقيات وزرا وأشدّها تأثيرا على الوطن العربي الى اليوم ..
وفي هذا الصدد ، فان
القوى المعادية والمعتدية لم تستعمل أسلوب المؤامرة والغزو فحسب ، بل انها
استعملت أشد الأساليب و أمضاها أثرا في
تشتيت الأمة وتعميق فرقتها ، وهو اللّعب على التمايز بين مكوّنات المجتمع ، وذلك
بتحويل الوطن الواحد الى مناطق جغرافية غير متجانسة وخليط من السكان الغرباء على
بعضهم البعض ، الذين لا تربطهم سوى علاقات الجوار الجغرافي ، فهم شعوب المنطقة
العربية ، ودول الشرق الأوسط " أو الشرق الأوسط الكبير ، وهم أيضا شعوب البحر المتوسط ، وشمال
إفريقيا ، كما انهم طبقا لمخططات الاعتداء
: أقوام متعدّدة ذات اصول مختلفة ، وذات مصالح متضاربة ، اذ هم من الناحية الدينية مسلمين ومسيحيين
اقباط وموارنة ، ويهود ... ومن الناحية
المذهبية سنة وشيعة ودروز وعلويين ... ومن حيث الأصول والأعراق
بربر وأكراد وأرمن وشركس
وأتراك ... و هم ايضا وقبل ذلك كله ،
فراعنة وبابليين وأشوريين وقرطاجيين وفنيقيين ، في محاولة يائسة لإحياء تلك
الأصول التي لم يبق منها الا ما هو مكتوب او ما هو موجود في المعالم الحضارية التي
لا يخلو منها مجتمع او امة من الامم ... فالعرب ليسوا وحدهم الذين تتعدّد
اصولهم واعراقهم ومذاهبهم ودياناتهم ...
انما هي مخططات مدروسة قصد تشتيتهم ومنع وحدتهم ، حتى يكونوا لقمة سهلة للطامعين ...
غير ان امة انجبت في عمر بن الخطاب وابا بكر وعلي وخالد بن الوليد وحمزة والزبير وعمر بن العاص وسعد بن ابي وقاص ...
وآلاف مالّفة من الابطال امثالهم ...مرورا ببطل التوحيد والتحرير صلاح الدين
الايوبي الذي وحد مصر والشام واليمن وهزم
الصليبيين وطردهم ، والظاهر بيبرس الذي
طهّر الوطن من المغول والصليبيين .. وصولا الى الابطال الذين قاوموا اعداء الامة
حديثا ، في كل شبر من الوطن العربي الى اليوم أمثال عمر المختار وعبد الكريم الخطابي وجمال عبد الناصر
وصدام حسين وأحمد بن بيلة وصالح بن يوسف ...
ان امة كهذه لا يمكن ان تستكين او تستسلم ، وستظل تنجب في كل عصر اجيالا تعشق
الحرية والعزّة والكرامة ... وتصنع مستقبلها كما تريد....وكانها تقول لاعدائها :
حذاري .. فتحت الرماد اللهيب .. !!
( نشرية
القدس العدد 6 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق