انّ
في التاريخ لعـبرة .
تمر علينا في نهاية شهر فيفري ذكرى مهمة في التاريخ العربي الحديث وهي قيام اول تجربة
وحدوية بين مصر وسوريا في 22 فيفري 1958 ، تاريخ
قيام الجمهورية العربية المتحدة .
هذه الوحدة
الاندماجية التي كانت حدثا مزلزلا ليس في
الوطن العربي فحسب بل و في جميع انحاء العالم ، حيث كانت تتويجا فعليا لذلك المد
الثوري الوحدوي الذي شهدته الامة العربية من المحيط الى الخليج تحت قيادة جمال عبد
الناصر ’ فكان تعبيرا صادقا عن
واقعية المشروع القومي من ناحية ، لان تحقيق اول وحدة عربية بين قطرين غير
متجاورين ، يعدّ ايذانا بتحويل ذلك المشروع الى واقع ملموس ’ و بدا ية الانتصار
على المشاريع المعادية للمستقبل العربي ، و هو من ناحية اخرى ترجمة فعلية
لتحوّل العرب الى قوة حقيقية على الصعيد العالمي نظرا لما تضيفه الوحدة من
امكانيات قومية لا تقدرالدول الاقليمية منفردة
على توفيرها مهما كانت قوتها و امكانباتها و اخلاص نواياها في مواجهة
التحديات للنهوض بالانسان العربي ...
كما كانت تلك الوحدة
عودة للامر الطبيعي لامة مزّقها
أعداؤها ، و تجسيدا لوحدة مصير ابنائها ، وانتصارا على كل
الذين خططوا ، او ساندوا ، او حتى الذين بقوا صامتين على التجزئة ...
وقد كانت ثورة يوليو المحرك الفعلي لهذا المد
الجماهيري الجارف الذي فرض مشروع الوحدة فرضا على القوى المعادية و المتردّدة معا ،
غير ان تحقيق ذلك الحلم في زمن قياسي بعد
قيام الثورة ’ احدث ارباكا كبيرا في صفوف
القوى المناهضة ، ورفع من وتيرة تحرّكاتها المضادة .
اما القوى الوحدوية التي كانت تسعى للمزيد من
النصر ، فانـّها لم تقدر على مواجهة المؤامرات التي كان يحيكها اعداء الوحدة داخل
الجمهورية العربية المتحدة و خارجها ،
فكان الانفصال بعد ثلاث سنوات فقط بمثابة
الانتكاسة للمشروع الذي راهنت علية الجماهير و قدّمت في سبيله العديد من التضحيات
...
لكن الانفصال في 28 سبتمبر 1961 كان - رغم مرارته - الحدث الاكبر الذي كشف مدى تورط العديد من
القوى العربية التي تختفي وراء الشعارات
القومية حينا ، او الاسلامية حينا آخر ، في التآمر على الوحدة ..
كما اثبتت سهولة
الانفصال و سرعته ، مدى قصور الآليات التي قامت على اساسها الوحدة تحت ضغط الزخم
الجماهيري الذي دفع لقيامها دفعا دون بناء
الآدوات الفاعلة و القادرة على حماية المشروع
الوحدوي سواء في مؤسسات الدولة او في التنظيمات الجماهيرية داخل المجتمع ..
اما الدرس المستفاد من جميع التجارب الوحدوية ، فهو ذلك
النداء الذي اطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سنة 1963 بضرورة قيام الحركة العربية
الواحدة ، تنظيما جماهيريا تبنيه القوى القومية ،
ليكون آداتها الصلبة لتحقيق الوحدة
وحمايتها في نفس الوقت ، وانّ في التاريخ
لعبرة ...
( نشرية
القدس العدد 8 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق