يوم الارض : تسمية تلامس
جوهر المشكلة (2) .
كلّما اثير الحديث بعمق
عن تحرير فلسطين ، يكون ضمنيا او صراحة متصلا بالوحدة العربية . لان أي خوض في هذا
الموضوع له علاقة بتصوّر المستقبل الذي يتجاوز حدود فلسطين ليشمل المنطقة باكملها
. و بما ان قضية فلسطين قد استقطبت العديد من القوى ذات المصالح المتباينة التي لم تقتصر على فلسطين وحدها ، او بمعـزل عن
محيطها ، فان أي تصوّر للمستقبل لا بد ان يُـطرح في اطار هذه التـّـجاذبات .. هكذا
يرى الموقف القومي بان العدوان الحاصل على فلسطين ، هو اعتداء على الوجود القومي
باكمله ... لان الارض المحتلّة هي جزء من
الارض العربية ككل والتي يجب حشد كل الامكانيات القومية لاستردادها ... وقد كان
هذا الموقف يتعرّض للطعن والتـّـشكيك منذ
عقود من طرف القوى الاقليمية بدعوى
الواقعية ورفض الشعارات ، حتى تأكدّ ان نوايا المشكّكين كانت تقوم على تحقـيـق
مصالحهم حين كانوا يحرصون على ان تكون تلك النوايا متطابقة مع نوايا القوى الكبرى المتكالبة على ثروات العرب ،
وهي تسعى ـ باي شكل ـ للسيطرة على الامة باكملها ، لذلك مانفكت تلك القوى تعمل على
تغيير اساليبها وتكتيكها بالانتقال من مرحلة التعامل باسلوب العصا والجزرة مع الانظمة
العربية ، الى مرحلة اخضاعها بالقوّة أو اسقاطها ان لزم الامر كما فعلت في العراق ..
و هكذا ظلت مشكلة فلسطين منذ نشأتها قضية هي بالاساس واحدة من قضايا أمتها يتلاعب
بمصيرها كل الطامعين في ثرواتها ، من العرب اولا ، و من المستعمرين ثانيا ، فلا
يجدون حلا للسيطرة عليها جميعا الا باضعافها . و لما كان ذلك هدفهم فان دعم
الاحتلال في فلسطين كان أحد وسائلهم لتحقيق أغراضهم .. لذلك فانه لم يعد خافيا على أحد ان كل ما يجري
في فلسطين خاصة أو في الواقع العربي عامة من صراع ظاهر او خفي ، انما تدور فصوله
حول السيطرة على الارض او على مقدّراتها ، و ان كل ما يُستعمل من وسائل ذات صلة
بتخريب الشخصية الحضارية للمجتمع من خلال
تهميش اللغة و الدين و العادات والتقاليد
وكل القيم الحضارية عموما انّما ياتي
بالقدر الذي يساهم في اضعاف المجتمع العربي ،
حتى تضعف مقاومته ، فتسهل السيطرة عليه ..
في هذا الاطار فانه
ليس صعبا ان يدرك أي مهتم بمشكلة فلسطين ان الكثير من الحلول التي طرحت لحل
المشكلة انما هي بالاساس مطروحة لانهاء القضية والاعتراف بالعدو والتعاون معه
كشريك في صناعة المستقبل كما يرونه للمنطقة .. انهم اذن جزء من المشكلة فلا يمكن
ان ترجى منهم الحلول الصحيحة ..
فلسطين : الحلول الممكنة والحلول الوهمية :
في الاصل ان مشكلة
فلسطين لم تكن موجودة الا في بداية القرن العشرين ، عندما كوّن الصهاينة منظمتهم
الصهيونية وعقدوا لها اول اجتماع في سويسرا سنة 1897 ، ثم شرعوا في الاتصال بالدول
الكبرى للاعتراف بمشروعهم ، فصدر وعد بلفور المنسوب لوزير الخارجية البريطاني الذي قدّم فيه وعدا
لهم - وهو الذي لا يملك شيئا مما وعد به -
باقامة وطن قومي لليهود .. و هكذا بدا كل شيئ يجري بترتيب وتخطيط محكم أمام
أعين الدولة العثمانية نفسها ، حيث بدأ التـّسلل الى ارض فلسطين منذ وقت مبكّـر قـبل
وعد بلفور واستمرّ على وتيـرة اسرع بعد قيام الحركة الصهيونية ومن ثمّ كان التحيّل
لشراء الارض يتمّ عن طريق التسهيلات التي تقدّمها سلطة الاحتلال البريطاني لليهود
الوافدين من كل مكان .. و قد كان ذلك سببا في زايدة عددهم
من سنة الى اخرى ، تحوّلوا بعدها الى منظّمات ارهابية تتلقى الدّعم المادي والعسكري لتنفّـّـذ عمليات
التقتيل والارهاب ضدّ المواطنين العـزّل من الفلسطيين (تأسست الهاجانا سنة 1920 ، والارجون سنة 1931 و شتيرن سنة 1940
) ....
تلك بعض فصول الصراع العربي الصهيوني الذي بدأ باحتلال الارض العربية ، وقد
كانت تحتضن كل الديانات التي يعتنقها سكّانها .
فلم يدّعي أحد من العرب المسلمين قبل احتلال الصهاينة لارض فلسطين بان
اليهود ليس لهم الحق في العيش فيها ، كما لم يشهد التاريخ العربي الاسلامي على
امتداد اربعة عشر قرنا في دولة الخلافة سواء زمن الخلفاء او بعدهم ، بأن هناك صراع
قائم بين المسلمين واليهود على اساس الدّين .
ان ترديد مثل هذه الآراء لا تقود الا لتضليل
الناس ، بما تثيـره من قضايا جانبية او وهمية على غرار الصراعات الدينية بين
المتدينين فيما بينهم ، أو بينهم و بين غير المتدييين ... وان مردّ الخطورة في مثل
هذا الطرح هو في الاختيار الخاطئ لاطراف الصراع ومكانه وزمانه ، مما يؤدّي الى اهدار الوقت والطاقات وتضليل الناس بصرفهم عن
الحلول الصّحيحة المتمثلة في التحام الجماهير العربية بقضيتها المركزية وبكل
القضايا القومية العالقة ، قصد تحرير الارض ، ورفع الهيمنة الخارجية على الوجود
القومي ، كغاية واضحة ومحدّدة ضد قوى العدوان ، فلا تتعدّاها الى صراعات وهمية لا ندري الى اين تقودنا ولا
أي جيل يمكن ان ينهـيها عندما تكون قائمة على اسس دينية ..
وهكذا يجنبنا الحل القومي اهدار الجهد المبذول في غير محله ، و يحصّننا ضد الوقوع في
العدوان الخارجي ، او في الفتن الداخلية ، اذا دخلنا لعـبة الصراعات الدينية . كما
يُـلزمنا اهدافا واضحة ومشروعة ، تستمد شرعيتها من الجماهير
العربية ذاتها ، كأن تسعى للالتحام في أطر
قومية تبنـيها بنفسها ، وتحوّلها الى أدوات فاعلة للمقامة والتحرير والوحدة ..
جنبا الى جنب مع كل القوى المناهضة للاستعمار والصهيونية في الداخل والخارج على
المستوى الاسلامي والعالمي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق