ثنائية العـقل والحرية في الاسلام ..
ان عظمة الدين الاسلامي تكمن في اعـتماده على العـقـل تجسيدا لحرية الانسان . لذلك لم يكلـّـف الله الا العاقل البالغ ، فجعل شرط التكليف اكتمال العـقل .. ثم اعـتمد في ما أمر به من تكليف على الحجج العـقلية والاقناع .. و قد ورد هذا المعـنى في العديد من آيات القرآن . قال تعالى : " قـل سيـروا في الأرض فانظـروا كيف بدأ الخلق ( العـنكبوت . 20 ) .. وحتى الترهيب والترغيب من خلال وصف النعيم في الجنة أو وصف العذاب في النار، ذكـره سبحانه ليكون ذلك جزءا من اختيار الانسان .. فـتـكون وقـتها مسألة الكفـر والايمان ، او مسألة الطاعة والمعصية ، هي مسألة تقـرير مصير يقـرّره الانسان بنـفسه وهو يعـلم كل كـبيـرة وصغـيرة لما سيترتب عن اختياره .. ولو لم يكن ذلك كذلك لما صحّ اصلا مبدأ العـقـاب والثواب . قال تعالى :" وَمَا كُـنَّا مُعَذِّبِيـنَ حَـتَّى نَبْعـَثَ رَسُولًا " ( الاسراء 15 ) . قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية : إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ( انتهى ) .
لذلك فان التشدّد المفرط في
وصف الناس بالكفـر والدعاء عليهم وقـذفهم وتعـنيفهم ، هو من اكثر الاساليب تعارضا
مع الدين لانه يمثل مصادرة بالغـيب لما منحه الله لعـباده رأفة بهم ، واغلاقا دون
مبرر لباب تركه الله مفـتوحا مدى الحياة وهو باب التوبة ... فمن ادرانا بأن من
نسمّيه كافرا سيموت على الكفر ؟ وان آيات القرآن الكريم
لتغـني عن الكلام . قال تعالى : وَلاَ تَـقُـولُوا لِمَنْ أَلْـقَى إِلَيْكُمْ
السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً . ( النساء : ٩٤ ) وقال سبحانه : لَعَـلـّـَـكَ بَاخِعٌ نَـفْسَكَ أَلا يَكُونُوا
مُؤْمِـنِـيـنَ ، إِنْ نَـشَأْ نـُنـَزِّلْ عَـلَيْهِـمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً
فَـظَـلـَّـتْ أَعـْنَـاقُـهُمْ لَهَا خَاضِعـِيـنَ . ( الشعراء 3 و 4 ) . قال بن كثير مفسّرا : " وقوله : ( لعلك باخع ) أي : مهلك نفسك . أي : مما تحرص [ عليهم ] وتحزن عليهم ( ألا يكونوا مؤمنين ) ، وهذه تسلية من الله
لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، في عـدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار ، كما
قال تعالى : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) ) فاطر : 8 ) ، وقال : " فلعـلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا
الحديث أسفا) الكهف : 6 ) " . ثم قال تعالى : ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فـظـلـّـت أعناقهم لها
خاضعـين ) أي : ( لو شئنا لأنزلنا
آية تضطـرّهم إلى الإيمان قهرا ، ولكنا لا نفعل ذلك ، لأنا لا نريد من
أحد إلا الإيمان الاخـتـياري ، وقال تعالى : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تــُـكره
الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ) يونس : 99 ) ، وقال : ( ولو شاء ربــّـك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون
مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) ) هود : 118 ، 119 ) ، فـنفـذ قدره ، ومضت حكمته ،
وقامت حجــّـته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم " ( انتهى ) ..
والله أعلم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق