كتاب عن العـروبة
والاسلام :
دراسة عميقة ، للعلاقة
الوثيقة ، بين العـروبة
والاسلام ..
في
الوقت الذي كانت فيه القوى الاستعمارية تتكالب على الامة العـربية و تحاصر ثوراتها
الصاعدة وقواها الثورية التي تمثلت خلال النصف الثاني من القرن العشرين في ثورة
يوليو 1952 كمركـز متقدّم للنضال القومي يقود نضالات الجماهير العربية في كل
الاقطار ، كانت القوى الرجعـية العربية المتمثلة في الانظمة الحاكمة التي وجدت
نفسها مستهدفة من قبل الثورات الصاعدة فحدّدت مصلحتها بالتحالف مع الاستعمار
الخارجي ، ثم عملت على تقديم كل الدعم و التمويل للحركات الرجعـية في الداخل كما
كان الشان مع الاخوان المسلمين ..الخ
ولما
كان توجه ثورة 23 يوليو توجها قوميا ، نجح في تاجيج المشاعـر القومية و استقطاب
قاعدة جماهيرية على المستوى العربي منقطعة النظير ترفع شعار الوحدة و التصدي
للاستعمار و تنادي بالعدالة الاجتماعية .. و هي جميعا اهداف جوهرية ومبادئ
اساسية من مبادئ الاسلام ، ومناهضة للقوىالرجعية والاستعمار ، فان تلك القوى لم
تجد غير التخفـّي وراء شعار الدين لاستهداف الفكر القومي ، و افتعال تناقض وهمي
بينهما ، او بين الدعوة الى الوحدة العربية كمشروع خاص بامة تبحث عن تقدمها
ونهضتها مثل بقية الامم التي تملا الارض ، و بين عالمية الاسلام كدين لا يخص أمة
بعينها .. و قد كانت ثورة 23 يوليو بافكارها الثورية تجسّد مشروعا حضاريا
مستقبليا لا يناسب مراكزهم في السلطة ، ويهدّد مصالحهم جميعا و ينذر بزوال عروشهم
.. لذلك قاموا بتسخير الاموال و جندوا اشباه العلماء و دعاة السلاطين و الاحزاب الدينية
، و الكتاب و المؤرخين و كل من له مصلحة معهم في ضرب المشروع القومي من خلال
افتعال تناقض بينه و بين الدين الاسلامي الحنيف ..
و
في الواقع فان القوميون لم تكن تنقصهم الحجة و لا القدرة على فضح مخططاتهم و
نفاقهم و ابراز العلاقة الصحيحة بين الدين والمجتمع ، على مدى عقود للوقوف في وجه
التضليل ..غير ان ما اضافه الدكتور عصمت سيف الدولة منتصف الثمانينات من قول حاسم
في موضوع العلاقة بين العروبة و الاسلام ، كان فعلا اسهاما منقطع النظير استطاع من
خلاله فك العديد من الرموز، سواء بالنسبة لمفهوم الامة في القرآن الكريم ، او في
ما يخص دولة الخلافة التي اعتبرها اختيارا تاريخيا ارتبط بمرحلة منتهية ، كـواحدة
من الدول التي كانت سائدة في عصرها و لم تكن مطلقا اختيارا اسلاميا ملزما للمسلمين
.. او في مجال الحديث عن العلمانية كظاهـرة مرتبطة بظرف تاريخي خاص بالمجتمعات
الاوروبية وعلاقتها بالمسيحية ، و لا علاقة له بمجتمعنا و بالدين الاسلامي الذي لم
يشهد عندنا نموذجا للسلطة الدينية المطلقة ، كما لم يشهد فصلا تاما بين
الدين والدولة بالمعـنى السائد في اوروبا ... وهذا نموذج مما قاله ـ رحمه
الله ـ في هذا المجال :
" ان الاسلام علاقة انتماء الى دين خالد في الزمان بحكم انه
خاتم الرسالات والاديان . ( ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين ) { الأحزاب : 40 } . وخالد في المكان بحكم أنه رسالة إلى كل البشر . ( قل
يأيها الناس اني رسول الله اليكم جميعاً ) { الأعراف : } . (158 وما
أرسلناك إلا كافة للناس ) { سبأ : 28 } . أما العروبة فعلاقة انتماء مقصورة على
شعب معين من بين الشعوب ومكان معين من الأرض ، علاقة انتماء الى أمة تكونت خلال
مرحلة تاريخية طويلة كاستجابة موضوعية لحتمية تقدم الشعوب بعد أن استنفذت العلاقة
الأسرية ثم العشائرية ثم القبلية ثم الشعوبية كل طاقاتها على تحقيق التقدم . فهي
لم تواكب الزمان بداية . وحين تستنفذ الأمة العربية كل طاقاتها على تحقيق التقدم
سيتقدم البشر الى علاقات انتماء تتجاوزها تكويناً وطاقة . فهي ليست خالدة في
الزمان .
لامجال ، إذن للخلط بين علاقة
الانتماء إلى العـروبة وعلاقة الانتماء إلى الاسلام لافي الأشخاص ، ولا في المضمون
، ولا في حدود الانتماء من الزمان أو المكان . وما تزال علاقة الانتماء إلى الأسرة
، أو الى القرية ، أو الى المهنة ، أو الى الحزب قائمة بجوار علاقة الانتماء إلى
الدولة أو الوطن أو الشعب بدون خلط أو اختلاط . فلا يقوم لدى الشعب العربي سبب
للخلط بين العـروبة والاسلام . ومع ذلك ، أوبالرغم من ذلك ، فإن الشعب العربي في
حاجة إلى الحديث عن العلاقة بين العروبة والاسلام .. "
( نشرية القدس العدد 53 ) .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق