صراع مع
الذاكرة ..
قال تعالى : " ادْعُ إِلَى سَبِـيـلِ رَبِّكَ بِالْحِكْـمَةِ
وَالْمَوْعِـظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّـتِي هِيَ أَحْسَـنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُـوَ أَعْـلَمُ بِمَنْ ضَـلَّ عَـنْ سَبِـيـلِهِ وَهُـوَ أَعْـلَمُ بِالْمُهْـتَـدِيـنَ،
وَإِنْ عَـاقَـبْـتُـمْ فَعَاقـِبُوا بِمِثْـلِ مَا عُـوقِـبْـتُـمْ بِهِ وَلَـئِنْ
صَبَـرْتُـمْ لَهُـوَ خَـيْـرٌ
لِلصَّابِرِينَ ". هكذا يأمرنا ديننا
بما أمر به رسولنا ، أن تكون الدعوة الى الله بالحكمة والموعـظة الحسنة ، والصبر
على الناس و المخالفين ، وان يكون منهج التغـيير هو اتباع اسلوب الجدل و ليس العـنف والقوة الظالمة ، و ان يكون ذلك على الملأ وليس
بالتسلل ليلا والتخفـّـي عـن انظار الناس ، حيث يفاجئ المجتمع من حين الى آخـر
بأعمال تطال الاضرحة
ومقامات الاولياء الصالحين في كثير من الاماكن من طرف اشباح لا يتركون اثرا غـير
المشاهد المرعـبة من حـفـر للقبور و مصاحف محروقة كتعبير عن الهمجـية والجهل ، وهي
هجمة منظمة اقل ما يقال فـيها انها جبانة لان الذين يفعـلون ذلك لا يتحـرّكون
الا ملـثــّـمـيـن ، على عجل من امرهم وتحت جنح الظلام مثل الخفافـيش .. وهذا يعـني
انهم يدركون منذ البداية ان عـملهم غـير مقبول ، لذلك لا يستطـيعـون الجهـر به ، ولا يقدر احد منهم ان يـُـنسبه لنفسه فيكذبون
عندما يتكلمون .. و لعـل الامر قد يتعـدى الكذب الى النفاق ، عندما نراهم يخـفون اعـمالا
هي من صميم معـتقداهم ، مما يجعل كل ما يصرّحون به للناس محل شك و ريـبة .. و الواقع ان الهجوم على الاضرحة هو عمل منظم تقوم به
جهات معـروفة بانتمائها الى الوهابية ، لم يقع في تونس فحسب ، بل انه وقع في
العديد من البلدان من افغانستان الى مصر والمغـرب والجزائر ومالي .. وبنفس الاسلوب
، مستهدفين بالدرجة الاولى وحدة المجتمع من خلال استهداف تيار الصوفية
الذي يرابط في تلك المواقع و ينشط داخلها
في اطار رؤية خاصة تربط الاف المواطنين بطـقوس ورثوها منذ قـرون طويلة ، ولا يمكن
باي حال من الاحوال ان نحاربها بالعـنف او ان نسئ لشريحة كبيرة من المواطنين ، بل
عـلينا ان كنا نفهم ديننا حقا ان نعـمل على تغـيير قـناعات الناس بالعلم والتربية
وتغيير المناهج والصبر ، خاصة وان اسلافنا الذين فـتحوا بلدانا تمتـدّ مـن مشرق
الارض الى مغـربها ، لم يتعاملوا مع ما وجدوه من ارث حضاري بالهدم والحـرق ، وحفـر
القـبور .. ولعل بقاء اهـرامات مصـر أكبر دليل على عظمة الصحابة الذين لم يتوجـّـهوا الى ما تركه الفـراعـنة
بالهدم او بالمحو من الذاكـرة ، ولم يفتعـلوا صراعات وهمية مع الماضي ، بل تركوا
ذلك التراث الحضاري شاهدا على تاريخ من شيتّـدوه وهو الماضي الجامد الذي لم يعد له اي اثر في
حياتنا سوى ما يبعثه فينا من شعور عميق بالانتماء الحضاري والتاريخ العريق ...
( نشرية القدس العدد 56 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق