بعض
الكلام عن العـروبة والإسلام .. (1) .
قال تعالى :" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " ( سورة الأنبياء 90 ) . واتفاقا مع هذا المعـنى العميق
جاء الإسلام للناس كافة . قال تعالى : " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " (سبأ 28 ) . كل من يدخل في الإسلام
يصبح فردا من الأمة الإسلامية في مشارق الأرض و مغاربها ..
سبحان الله !فهل كان المقصود عـند نزول الوحي أن يكون انتماء
المسلمين إلى الأمة الإسلامية مقـتـرنا بانتمائهم إلى دولة واحدة كما يروّج البعض .. ؟
أبدا فقد بادر الرسول صلى الله عليه و سلم بإرسال رسله
إلى القادة الكبار في عصره ، وعلى رأسهم هرقل إمبراطور الروم ، وكسرى
إمبراطور الفرس يعرض عليهم الدخول في الإسلام .. كما بعث البعثات إلى النجاشي في
الحبشة والى المقوقس حاكم مصر .. فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد إن
تلحق تلك الدول الأربعة بدولة المدينة الناشئة ؟ فلماذا لم يهيئ نفسه لمثل
هذه التحولات الكبرى ؟
لم يحدث هذا بأي شكل كان ، سواء
في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخلفاء من بعده .. ومعناه أن الاسلام
كان منذ البداية يميّز بين اطار الدعوة الموجّه لعامة الناس في اي مكان ، وبين
اطار الحكم والدولة التي تحدّدها الظروف والأوضاع الاجتماعية لتكون وعاء لكل
المضامين التي جاء بها هذا الدين ، فتـكوّن مجتمعا مسلما ..
فاذا حصل ذلك في عصر المجتمعات
القبلية يكون مجتمعا قبليا مسلما ، واذا حصل ذلك في عصر الامبراطوريات ، تكون
امبراطورية مسلمة ، واذا حصل ذلك في زمن القوميات يكون مجتمعا قوميا مسلما ، دون
أن يُحدث ذلك الوضع أي تناقض او تعارض بين الوضع الديني والوضع الاجتماعي الذي
يعاصره ..
والواقع فان شبهات الخلط لدى البعض مبنية على عدة
تأويلات للآيات القرآنية منها ما هو متعلق بمفهوم الأمة ، كقوله
تعالى : " إن
هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " ( الأنبياء ـ 92 ) وهي وان كانت تنص على أن الامة
الاسلامية أمة واحدة ـ وهذا صحيح ـ غير ان هذا الاقرار لا يترتب عنه بالضرورة جمع
المسلمين المكوّنين لتلك الأمة في مشارق الارض ومغاربها في دولة واحدة .. بل
ياتي في اطار التمييز للجماعة المسلمة التي تميّزت بالإسلام ، مثلما وقع
تمييز جماعات أخرى بانتمائها الى رسالات سابقة كقوله تعالى : " ولقد ارسلنا الى أمم من قبلك " ( الأنعام ـ 42 ) ، وقوله : " ولكلّ أمة رسول " ( يونس 47 ) ...
واضافة الى ذلك فان لفظ الأمة في القرآن الكريم لم
يكن خاصا بالمسلمين كما هو واضح في الأمثلة السابقة ، ولا هو خاص بالانسان
وحده كما يظهر في العديد من الآيات التي تخص الجماعة من الطير والجماعة من الانس
والجماعة من الجن الخ .. ليصبح مفهوم الأمة في لغة القرآن ، مجـرد تمييز
للجماعة ، ولا علاقة له بالنظم ، أو بتكوين الدول ..
وفي هذا السياق فان الرّبط بين الانتماء الديني
والنظام السياسي لم يسبق أن طُرح إلا عـند اليهود ، الذين لا يزالون ينادون
بالدولة اليهودية في فلسطين لكسب شرعـية الاحتلال من خلال التسليم بالعلاقة بين
الأرض والديانة اليهودية .. كما انه لم يسبق طرح الدولة الدينية في الاسلام حتى في
عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ، الذي أسس أول دولة مدنية بمن فـيها من
سكان المدينة ، كما نصّت على ذلك الصحيفة التي كتبها الرسول بنفسه ولم يؤسس ـ ابدا
ـ دولة خاصة بالمسلمين ..
( الفدس عدد 72 ) .