الاستبداد
الديمقراطي ..
السلطة ضرورة
اجتماعية لا مفر منها في المجتمع .. لذلك قال الخليفة الرابع علي بن ابي طالب رضي
الله عنه : " لا بد للناس من امارة بارّة أو فاجرة ّ " .. والسلطة في
مجتمعنا العربي الاسلامي ، وفي غياب الاجماع عليها بالطرق المشروعة والشرعية عن
طريق الاختيار الشعبي ، فانها قليلا ما تكون عادلة .. اي انها عادة ما تكون سلطة
مستبدة ، بيد فرد ، أو حزب ، ولذلك فهي لا تستطيع ان تستمر دون حماية .. فلا بد اذن
لكل سلطة مستبدة من قوة تحميها ..
ذلك لان السلطة
المستبدة يكون المنتفعون منها أقلية في المجتمع ، وهو ما يجعلها بالضرورة في مواجهة الاغلبية الشعبية التي تأخذ
قاعدتها في الاتساع تدريجيا للتضييق على السلطة الحاكمة ، مما يدفعها للبحث عن طرف
يحميها .. وقد يكون هذا الطرف داخليا مثل القبيلة أو العشيرة ، أو الحزب ، حيث
يفقد الحاكم الثقة في كل ابناء الشعب ، فلا يجد الا الاقارب والموالين ، الذين
يصبحون في مقابل حرصهم على مصالحهم ، لا يثقون في بعضهم البعض ، ولا يجدون بدورهم
الا التنافس على شراء الذمم ، حتى يشيعوا الفساد في كل مكان من المجتمع .. وتتحول
تلك السلطة العشائرية والقبلية أو الحزبية الى سلطة فاسدة كما هو الشأن في أغلب
الانظمة العربية ..
ووقتها قد يزداد
الحاكم خوفا وتحسّبا ، فيتجه للاعتماد على الحماية الخارجية ، تحت مظلة احدى الدول
الكبرى مثلما نرى في الوطن العربي حيث تمنح الكثير من دوله المستبدة جزءا هاما من
سيادتها للدول التي تشتري منها الحماية بحرية القرار ، والسيطرة على ثرواتها ، و
مؤسساتها .. اي انها تفقد تماما استقلالها الوطني وسيادتها .. فيضاف وقتها الى
الاستبداد ، التبعـية والعمالة للقوى الخارجية ..
لا شك أن هذه
الحصيلة السيئة للاستبداد مرفوضة فعلا ، غير أن الاسوء من ذلك هو" الاستبداد
الديمقراطي " الذي يبدأ بالانتخابات ، ثم ينتقل تدريجيا عن طريق القوة
الناعمة التي تستعملها السلطة الشرعية الى الاستبداد ، من خلال السعي المتواصل
للسيطرة على مؤسسات الدولة على قاعدة الولاء الحزبي والجهوي .. فيكون ذلك الاسلوب
المتخلف هدما حقيقيا للاسلوب الديمقراطي ، وتاسيسا للاستبداد الذي يأتي هذه المرة
عن طريق الخيانة والخذلان لطموحات الناخبين .. واذا بالشرعية تتحول الى نقمة شعبية
، فتلوذ السلطة المستبدة ديمقراطيا كغيرها بالحماية في مواجهة الشعب ..
( القدس عدد 93 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق