الأرض والهوية القومية .. ( 2 ) .
حينما دخلت الأرض عـنصرا مشتركا في العلاقة بين الناس ، انتقـلت البشرية من المراحل البدائية القائمة على التشتت القبلي والصراعات ، الى مرحلة التكوين القومي ، حيث صار لكل أمة شعـبها المستقـرّ على أرضه الخاصة ، التي لم تعد مجرّد مصدر للعـيـش كما كانت طوال الحقب السابقة .. بل أصبحت عـنصرا مهمّا من عـناصر الوجود القومي ذاته .. ومعـناه أن الأرض اصبحت قيمتها تتعدّى ما فـيها من ثروات ومقدّرات ، الى القـيمة المعـنوية ، التاريخـية والحضارية التي لا تقدّر بثمن .. وحيث يمكن أن تكون الحياة ذاتها ثمنا لأبسط قطعة منها حتى وان كانت واقعة في الصحراء الخالية ...ولهذا فان الوعي بالهوية القومية للأرض يصبح شديد الأهمية في تحديد الأولويات التي أصبحت غائبة تماما عـند الكثيرين ، وخاصة حينما تخـتـلط بالمفاهـيم المشوّهة للهوية الدينية التي لم تقـترن أبدا بالأرض في كل الحقب التي ظهرت فيها الأديان .. ففي البداية كان لكل قـبـيلة رسولا ينادي قومه بالتوحـيد ، غير أن تلك القبائل لم تكن لأي منها ارضا خاصة ، بل كانت تعـيش امّا على الترحال الذي ينتفي معه التعـلـّـُق بالأرض .. أوعلى الغـزوات والفتح الذي يجعـل الارض تتمدّد أو تتـقـلص تحت أقدام الفاتحين حسب قوتهم العسكرية .. ولمّا جاء عصر الاسلام فان الدين لم يكن مقـيّدا بالارض ، بل كان دينا عالميا موجها للناس كافة .. وعليه فاذا كانت الهوية الدينية لا يمكن أن تكون بديلا عن الهوية القومية للشعـب ، فانها لا تمثل مطلقا هوية خاصة بالأرض ، طالما أننا لا نجدا شعـبا بأكمله يعـتـنق دينا واحدا حتى ولو كان دين الاسلام ..
( نشرية القدس العدد 118 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق